أحمد دغاغله
“إنْ سقط النظام ستمحى الدولة الإيرانية من الوجود، وذلك بسبب عدم وجود التماسك المطلوب بين مكونات المجتمع الإيراني”. الدكتور صادق زيبا كلام أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران ليس الوحيد الذي يرى تفاقم الحالة الاصطدامية بين الشعوب في إيران ويؤكد مدى أهميتها في المنعطفات الخطيرة.
يقول زيبا كلام: “نحن الفرس اعتمدنا أساليب خاطئة في معاملتنا سائر الشعوب في إيران ما أدى الى حالة من الاستياء الشامل بين كل هؤلاء الناس، والأمر لا ينحصر بشعب من دون آخر، بل يشمل كلاً من الأكراد والأتراك والبلوش والعرب والتركمان… “.
يعتقد مهدي جلالي طهراني الناشط السياسي أن “التحالفات بين الشعوب آخذة في تغيير كبير في إيران، إذ إن الشعوب غير الفارسية تزداد تآلفاً في ما بينها. يفرحون لفرح بعضهم بعضاً ويحزنون لحزن بعضهم بعضاً وهذه الحالة تعتبر تهديداً كبيراً لنا -نحن الفرس- وعلينا أن نستيقظ وأن نتحمل مسؤولية أخطائنا بحق هذه الشعوب”.
لا يشكل أحاديي اللغة في إيران سوى 30 في المئة من سكانها بحسب تصريح حاجي بابائي وزير التربية والتعليم السابق، وعلى هذا فنسبة 70 في المئة المتبقية من سكان إيران هي من نصيب ثنائي اللغة أي الشعوب غير الفارسية، وهذه النسبة تعتبر بمثابة علاقة بالغة الخطورة بين الغالب والمغلوب.
فماذا لو تمكنت الشعوب غير الفارسية من التوصل إلى مرحلة الاتحاد أو التقارب في ما بينها؟ في ضوء ما تظهر من إمارات التقارب والتآلف بين هذه الشعوب توصل الكثير من المحللين ومنهم الكاتب والصحافي يوسف عزيزي بني طرف الى أن “عندئذ يمكن التحدث عن أقوى كتلة قد تنافس المجموعات الأخرى كاليسار ومنظمة “مجاهدين خلق” والأحزاب القومية الفارسية ومجموعة الملكيين بقيادة رضا بهلوي، وعلى الأرجح أن تلتمس تلك القوى التقرب من المجموعة المرتقب ظهورها”.
رحيم حميد الباحث في معهد “واشنطن انستيتيوت” يرى في حديث الى “النهار العربي” أن في ضوء تجربة حكومات إيران الحديثة “هناك شعور باليأس من إقامة دولة إيرانية موحدة تضم جميع الإثنيات والأقليات وهذا الشعور يعزز عند هؤلاء فكرة المقاومة العنيفة من أجل الحفاظ على إرثهم وثقافتهم ووجودهم في ظل الحكم المتعصب عرقياً وقد يكون هذا هو العامل الذي سيؤدي إلى اندلاع ثورة في البلاد”.
الأرقام صادمة والتوزيع خطير
“المفارقة الكبرى في إيران الفارسية هي أن الفرس يشكلون أقل من 50 في المئة من مجموع سكان هذا البلد” ويعتبر هذا التقدير لحسن بشيرية أستاذ العلوم السياسية من أفضل النسب المصرح بها لمصلحة الشعب الفارسي المهيمن، فبسب عدم وجود إحصاءات رسمية بهذا الصدد يكتفي المحللون بالتقديرات وبعض المؤشرات الدالة الى عديد الشعوب والأقليات الدينية والطائفية في إيران.
فالأتراك وحدهم يشكلون ما يفوق الـ30 مليوناً من مجموع سكان إيران التي تقارب الـ 80 مليوناً. ويعتبر الشعب التركي أكبر الشعوب غير الفارسية في إيران، فبحسب ما جاء في تقرير جريدة “النيويورك تايمز” فإن النظام يخشى هذا الشعب أكثر من كل الشعوب الأخرى وذلك بسبب ثقله الديموغرافي ودوره الاقتصادي والتاريخي.
يقول كميل آلبوشوكه الباحث في معهد الحوار للدراسات لـ “النهار العربي” إن “كل الحدود الإيرانية مرشحة لأن تتأزم في أي آن وذلك لوجود شعوب غير فارسية مستاءة على طول كل هذه الحدود، فالأتراك في الشمال والشمال الغربي والأكراد في الغرب والعرب في الجنوب الغربي وعلى امتداد الشريط الشرقي للخليج العربي والبلوش في الشرق والجنوب الشرقي، والمسلمون السنّة من مختلف الأعراق في الشمال الشرقي، وهذا فضلاً عن وجود الشعوب الأخرى كالكاسبين في الشمال واللور في المركز والتركمان في شمال البلد”.
ويضيف آلبوشوكه أن “إيران هي من ضمن النوادر بين بلدان العالم التي يشكل فيها الشعب الغالب نسبة أقل من الشعوب الأخرى وهذا ما لا نجده حتى في النماذج التاريخية التي آلت إلى الانهيار كالاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا”.
وأما إذا ما أخذنا في الاعتبار وجود معظم الثروات الطبيعية من نفط وغاز ومناجم والمياه العذبة في أراضي هذه الشعوب وتحديداً عند العرب في الأحواز عندها تنكشف لنا درجة تعقيد الجيوبولتيك القومي في إيران -كما ينعته آلبوشوكة- وأن هذا التوزيع ليس لمصلحة الحكم الفارسي بأي شكل من الأشكال.
تحالفات الشعوب وتغيير التوازنات
يرى المحللون في عدم مشاركة الشعوب غير الفارسية في انتفاضة الخضراء (2009) والتي حصلت إثر اعتراض شعبي واسع على ما وصفه الإصلاحيون بالتزييف في الانتخاب دلالات بالغة الأهمية الى تغيير الاصطفافات في إيران وأن الشعوب غير الفارسية بدأت تعزل حساباتها عن المركز، إذ أخذت مصالح الشعوب تتناقض وتتضارب في ما بينها حتى بان تفكك كبير في أواصر المصلحة المشتركة بين مكونات إيران الاجتماعية.
وتيرة تغيير الاصطفافات بين المكونات الاجتماعية في إيران أخذت بالتطور خلال السنين الماضية وهي تبرز بين الحين والآخر ومع كل مرة يزداد ظهورها حدة وجلاء. يعتقد يوسف عزيزي بني طرف الكاتب والصحافي أن “تضامن الشعوب غير الفارسية مع انتفاضة الأحوازيين في تموز (يوليو) 2021 يعتبر بمثابة أهم تجلٍ لسمات العصر الجديد في تأريخ نضال الشعوب في إيران”.
ويضيف بني طرف أن “في أبرز ظهور لهذه التحالفات خرج الشعب التركي الذي يشكل ثلث سكان إيران للتضامن مع الشعب الأحوازي، وتحدى المتظاهرون الأتراك رصاص الشرطة وقمع قوات الأمن ليتضامنوا مع الشعب الأحوازي وبذلك غير الأتراك تحالفهم مع الفرس إلى تحالف مع العرب والشعوب المضطهدة الأخرى”.
وما يلفت نظر المتابعين في هذا الصدد أن التضامن مع الأحوازيين لم يقتصر على الأتراك، إذ شمل اللور والبختياريين والبلوش والأكراد وإن كان بنسب مختلفة، ولهذا يرى المحللون أن الشعوب غير الفارسية وضعت اللبنة الأولى في منعطف تاريخ إيران الحديث.
مفترق خطير
تشهد إيران هذه الأيام احتجاجات مستمرة لمناهضة الحكم الشمولي وتبديل نظام حكم أكثر انفتاحاً به يتماشى مع مقتضيات العصر، وللسير في هذا الطريق تحتاج مكونات إيران الإجتماعية لتنسيق أكبر يضمن حقوق الجميع وهذا ما لا نجد بوادره عند الشعب الفارسي الآخذ بمقاليد السلطة والقدرة في هذا البلد.
يقول الصحافي مهران رحماني إن “الشعب الفارسي، لتجاوز الاستبداد القائم وبلوغ الديموقراطية، يحتاج إلى مرافقة الأتراك والأكراد والعرب والبلوش و… وقبل تحقيق مطالب هذه الشعوب لا يمكن تذوق طعم الحرية والديموقراطية في هذا البلد حتى وإن تم إسقاط النظام الحالي”.
ويقول رحيم حميد إن “على الأشخاص الذين يهمهم مستقبل إيران أن يحدوا من النتائج الكارثية للثورة المحتملة والحروب الدموية بين الشعوب بحثاً عن نظام أكثر عدلاً وذلك بأخذ الدروس من تاريخ الدول الأخرى كيوغوسلافيا السابقة”.
ويضيف حميد: “لقد حان الوقت ليقرر الشعب الإيراني أي نوع من الأنظمة غير المركزية يستطيع أن يستخلف النظام الحالي ويلبي مطالب كل مكونات إيران الاجتماعية وينهي احتكار الشعب الفارسي للسلطة الاقتصادية والسياسية والثقافية”.
المصدر: النهار العربي