رائد جبر
أثار إعلان الكرملين، الثلاثاء، عن زيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران الأسبوع المقبل، تساؤلات عدة، حول التوقيت، وأجندة النقاشات المنتظرة على خلفية المواجهة المفتوحة بين روسيا والغرب، وتداعيات الحرب في أوكرانيا على الملفات الإقليمية، وخصوصاً على صعيد التطورات المنتظرة في سوريا وحولها.
جاء الإعلان عن الزيارة في هذا التوقيت مفاجئاً لكثيرين، رغم أنها كانت مقررة منذ وقت طويل؛ لكن تم تأجيلها عدة مرات خلال العامين الأخيرين. وقبل أسابيع كان الكرملين قد أعلن أن الزيارة قد تتم قبل نهاية الصيف، من دون أن يحدد تفاصيل إضافية.
يذكر أن اللقاء الأخير على المستوى الرئاسي لضامني مسار آستانة (روسيا وتركيا وإيران) كان قد انعقد قبل عامين عبر تقنية «الفيديو كونفرنس»، واتفق الأطراف في حينها على عقد لقاء مباشر للرؤساء في طهران «عندما تسمح الظروف الوبائية بذلك». ومع تراجع حدة انتشار الوباء في الفترة الأخيرة، برزت رزمة من التطورات البارزة، على رأسها الحرب في أوكرانيا، ما دفع إلى ترجيح أن انشغال الكرملين بالحرب والمواجهة المتصاعدة مع الغرب سوف يسفران عن تغييب الانخراط الروسي المباشر في الملفات الإقليمية، بما في ذلك في سوريا. لكن بالعكس من ذلك، جاء الإعلان الحالي عن تحديد موعد القمة الثلاثية التي تجمع بوتين بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي والتركي رجب طيب إردوغان، ليربط الزيارة بالتطورات المحيطة بروسيا، وحاجتها إلى تعزيز التنسيق مع شركائها في الملفات المطروحة للبحث.
لم يحمل الإعلان المقتضب الذي صدر عن الكرملين، تفاصيل تكشف أهداف الزيارة ومضامينها، إذ اكتفى الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف بالقول إنه يتم التحضير لزيارة الرئيس إلى طهران في 19 يوليو (تموز)، مع إشارة إلى أنه سيناقش الملف السوري مع نظيريه الإيراني والتركي. وذكر الكرملين أن بوتين سيعقد محادثات منفصلة مع إردوغان، فضلاً عن اللقاء المنتظر مع رئيسي.
اللافت أنه مع التكتم الرسمي على جدول أعمال الزيارة، فقد حرصت أوساط مقربة من الخارجية على نفي أن يكون اختيار التوقيت أو سرعة تنظيم الزيارة المؤجلة منذ وقت طويل مرتبطاً بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، وقال دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط»، إن تحرك بوتين يأتي «ضمن جدول مُعَد سلفاً، واستناداً لعمل دبلوماسي دؤوب بين المسؤولين في موسكو وطهران وأنقرة، وهي ليست زيارة مفاجئة، أو مرتبطة بأي شكل بزيارة بايدن إلى المنطقة. فروسيا لا تستند في مواقفها السياسية أو في أنشطتها الدبلوماسية إلى منطق رد الفعل».
وتقوم توقعات الأوساط الروسية الرسمية على أن «سياسة روسيا واضحة وشفافة فيما يتعلق بالوضع الإقليمي والدولي، وفيما يخص منطقة الشرق الأوسط تحديداً؛ حيث تتشابه مواقف الدول الضامنة لمسار آستانة (روسيا وإيران وتركيا) بخصوص الأزمة السورية والقضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا».
ورغم الإشارة إلى أن الملف النووي الإيراني سيكون حاضراً خلال لقاء بوتين ورئيسي، قال المصدر إن التركيز الأساسي خلال المباحثات «سينصب بطبيعة الحال على الوضع السوري، مع حاجة الأطراف إلى مناقشة التطورات التي شهدتها سوريا ومحيطها منذ اللقاء الرئاسي الأخير، وعلى ضوء الاجتماعات التي جرت في نور سلطان وفي عواصم أخرى».
في المقابل، أشار خبراء روس إلى أن اختيار توقيت الزيارة ومضمونها له أهمية خاصة للغاية في هذه الظروف؛ خصوصاً لجهة أن الوضع ازداد سخونة حول سوريا في الفترة الأخيرة، وبرزت تكهنات حول احتمال انزلاق الموقف نحو مواجهة روسية- أميركية، فضلاً عن التطورات المحيطة بالعملية العسكرية التركية المحتملة في مناطق الشمال الشرقي، والوضع في الجنوب؛ حيث تدور نقاشات بشأن أهمية إنشاء منطقة آمنة.
وقالت لـ«الشرق الأوسط» ماريانا بيلينكايا، المعلقة السياسية لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة «كوميرسانت»، وهي كبرى الصحف الروسية، إنه «إذا لم تتم هذه الزيارة حالياً، فلن يكون من الممكن التكهن متى ستسمح الظروف بتنظيمها لاحقاً، على ضوء التطورات المتسارعة حول سوريا وفي المنطقة والعالم». وفقاً للخبيرة، فإن الملفات الأساسية المطروحة للبحث هي العملية العسكرية التركية، والموقف الثلاثي حيال الضربات الإسرائيلية المتواصلة على مواقع في سوريا، والتي تعمدت موسكو إدانتها بشكل حاسم أخيراً، ما يعني تبلور سياسة روسية واضحة تجاهها.
بالإضافة إلى ذلك، في حقيبة بوتين، كما يبدو: «الشكاوى المستمرة التي تصل إلى موسكو من إسرائيل والأردن وأطراف عدة، حول التمدد الإيراني في سوريا، والمخاوف من تطورات متعلقة بهذا الشأن».
وعموماً، ترى الخبيرة أن الوضع حول سوريا «بات مقلقاً، ويستدعي التنسيق وإعادة ضبط الساعات بين الأطراف الثلاثة». وبعبارة أخرى، فإن الزيارة رغم عدم توقع خروجها باتفاقات معلنة أو تصريحات مشتركة تشكل تطوراً صارخاً؛ فإنها تمهد لتفاهمات يمكن أن تظهر تأثيراتها خلال الفترة اللاحقة؛ خصوصاً على صعيد العناصر الرئيسية التي تتركز في توضيح الموقف حيال الوضع في الجنوب، وملف التمدد الإيراني والمخاوف المحيطة به، وحيال التطورات المحتملة في الشمال، وخصوصاً لجهة العملية العسكرية التركية التي يبدو واضحاً أن موسكو رغم أنها لا ترحب بها فإنها لن تكون قادرة على منعها.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون موضوع التعامل مع الجانب الأميركي في سوريا، خلال المرحلة المقبلة، بين أولويات السياسة الروسية، ما يحتاج تنسيقاً أقوى مع الشريكين الإيراني والتركي.
واللافت أنه مع التأكيدات على عدم ربط الزيارة مع توقيت زيارة بايدن إلى المنطقة، وكون هذا التزامن «مجرد مصادفة»؛ فقد كان واضحاً في الوقت ذاته أن الإشارات المتزايدة إلى أن زيارة بوتين إلى طهران رغم أن عنوانها سوري؛ فإنها مرتبطة بشكل مباشر بالوضع العام الذي كرسته الحرب الأوكرانية والمواجهة القائمة مع الغرب. ورأت أوساط روسية أن تصريحات الجانب الأميركي حول أن إيران عازمة على تسليم طائرات مُسيَّرة مسلحة إلى روسيا، تحمل مؤشرات مهمة لهذا الربط؛ خصوصاً أنها استبقت زيارة بايدن إلى المنطقة، وكون هذا الموضوع سيكون مطروحاً في الغالب خلال المحادثات الثنائية بين موسكو وطهران. والحديث يدور عن طائرات إيرانية تسعى روسيا، وفقاً للجانب الأميركي، إلى استخدامها في أوكرانيا لتعزيز قدراتها الهجومية مقابل تعزيز الغرب عمليات تسليح كييف.
وبهذا المعنى، فإنه فضلاً عن خصوصية مناقشة الملف السوري في أجندة بوتين في طهران، فإن الحرب الأوكرانية وآلية إدارة التحالفات في المرحلة المقبلة تغدو عنواناً رئيساً يربط بين زيارتي بايدن وبوتين.
المصدر: الشرق الأوسط