سونيا العلي
على كرسيه المتحرك يتجول الشاب حسن الجمعة (30 عاماً) في أسواق مدينة إدلب، ليعرض ما لديه من بضائع، فهو يعمل طوال اليوم لتوفير مصروف أسرته المكونة من أربعة أفراد.
حسن الذي نزح من مدينة سراقب إلى مدينة إدلب، أب لطفلين، وهو مصاب حرب فقد قدرته على المشي، لكنه لم يفقد كرامته ورغبته بالاعتماد على نفسه، والانتقال من طور العجز إلى العمل والإنتاج.
رحلة علاج
خضع حسن لرحلة علاج طويلة بعد إصابته، وعن ذلك يقول لإشراق: “خلال شهر كانون اول/ديسمبر من عام 2019 كنت في مكان عملي الواقع في سوق سراقب الشعبي، حين تعرض لقصف من الطيران الحربي، مخلفاً قتيل وعدد من الجرحى، كنت واحداً منهم .”
يبين حسن أن شظية أصابت عموده الفقري، وتم إسعافه إلى المستشفى، وحين صحا من غيبوبته علم من أهله والأطباء أنه لن يمشي على قدميه مجدداً.
يضيف حسن: “كان الخبر صادماً، واعتبرت أن الموت أسهل من هذا المصير لشاب ما يزال في مقتبل العمر، لكن أهلي وقفوا إلى جانبي، وبدؤوا بمواساتي، وقرروا نقلي إلى تركيا علني أجد علاجاً يعيد لي قدرتي على المشي وعيش حياة شبه طبيعية .”
بعد عناء ومشقة وتدخل العديد من الوسطاء، تمكن حسن أخيراً من الوصول إلى تركيا، ورغم خضوعه لعدة عمليات جراحية لم تتحسن أحواله الصحية، وعاد بعد حوالي سنة أكثر يأساً وإحباطاً.
لاحقت حسن الضغوطات النفسية التي عززتها الحاجة للمساعدة في جميع تفاصيل حياته إلى جانب نظرة المجتمع المحيط للمعاق، مؤكداً أن نظرة الناس نحوه بعد استقراره على كرسي متحرك أصبحت ممزوجة بكثير من الدونية والشفقة، دون أن يجد أي جهة تسمع أناته وتساعده على تجاوز محنته، وعن ذلك يضيف: “نفتقد كمصابي حرب في إدلب لوجود رابطة أو منظمة تكون كفيلة بدعمنا نفسياً وإعادة دمجنا في المجتمع، وتطالب بحقوقنا، وتدربنا على مهن تكفينا الحاجة والفقر .”
إرادة وعزيمة
يؤكد حسن أنه نزح من مدينة سراقب بداية عام 2020، قاصداً مدينة إدلب ليشعر دائماً بقربه من مدينته، وعدم ابتعاده عنها، مؤكداً أن الإعاقة اجتمعت مع النزوح، وشكلت مأساة حقيقية ونقطة تحول قاسية في حياته، ومنوهاً أن أكثر ما آلمه بعد الإصابة والتوقف عن العمل هو الوقوع بين براثن العوز، وكسرة النفس وانتظار المساعدات المالية من الأقارب، ورؤية الحرمان في عيون طفليه، وحز في نفسه حين طلب منه ولده البالغ من العمر “خمس سنوات” أن يشتري له ألعاباً كتلك التي يلعب بها ابن الجيران، وهو لا يملك ثمنها، معتبراً أن هذا الموقف شكل حافزاً ودافعاً لنبذ اليأس والسعي وراء الرزق لتحقيق كفاف أسرته، وعن ذلك يقول: “بعد فترة من الاستسلام والعجز والحرمان، سألت نفسي إلى متى سأبقى سجين الإعاقة، فجاء الرد بالتمرد على وضعي المزري، وقررت الخروج إلى الحياة، والعمل غير مكترث بنظرة المجتمع للمعاق، وللمصاعب التي يمكن أن تواجهني، لأن ما يهمني فعلاً هو تلبية حاجات أسرتي وأداء واجبي كأب يحاول انتشال أولاده من العوز.”
يشير حسن إلى أنه لم يتمكن من العثور على وظيفة براتب ثابت رغم كونه حاصل على شهادة التعليم الثانوي بسبب وضعه الصحي من جهة، وحاجته لوساطة من قبل الجهات المسيطرة من جهة أخرى، فقرر بيع الاكسسوارات والمناديل متنقلاً على كرسيه المتحرك، يضيف حسن: “أجني كل يوم بين 30 – 50 ليرة تركية، والحمد لله، تكفيني مع أسرتي العوز ومد يد الحاجة للآخرين .”
طارق السفلو (41 عاماً) من مدينة إدلب، صاحب محل “الكترونيات” في سوق إدلب، يتحدث عن حسن بالقول: “قد يتغلب ذوو الاحتياجات الخاصة على الأناس الأسوياء بطموحاتهم العالية، وإصرارهم على تحدي الظروف، وقدرتهم على العمل والإنتاج، وحسن يعطينا طاقة إيجابية لأنه لم يستسلم لقدره، بل قرر دخول معترك العمل ومقاومة إعاقته، ليعيش من عرق جبينه .”
يختتم حسن كلامه لإشراق: “علمت بعد عودتي للعمل من جديد أن الإعاقة البدنية لا يمكن أن تشكل عائقاً في طريق الإرادة الصلبة، وأتمنى أن أتمكن من افتتاح مركز تعليمي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لتعليمهم القراءة والكتابة، لأن الإعاقة الحقيقية هي الجهل، أما المعرفة فتجعل المعاق قادر على مواجهة الحياة بكل ما فيها .”
المصدر: اشراق