عمر كوش
أظهرت قمة طهران الثلاثية، التي جمعت الثلاثاء الماضي، كلاً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، أن الموقفين الروسي والإيراني لم يتغيّرا حيال العملية العسكرية التي يُلوّح بها الساسة الأتراك، منذ مدّة، للقيام بها في مناطق من الشمال السوري، وحددها بعضهم بالمنطقة الواصلة بين تل رفعت ومنبج، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث لم يخفِ المسؤولون الإيرانيون رفضهم ومعارضتهم للعملية التركية، وجاء ذلك على لسان رئيس النظام الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي اعتبر أن “الخطوات العسكرية لا تحل الأزمة السورية”، بل تفاقمها، في حين ذهب المرشد الأعلى للنظام، علي خامنئي، إلى القول إن “أي عمل عسكري في سوريا سيعود بالضرر على المنطقة بكاملها”. أما الروس فيبررون معارضتهم للعملية التركية تحت ذريعة أن أي عمل عسكري من شأنه أن “ينتهك سيادة الأراضي السوريّة، ومبدأ التسويّة السوريّة”، وكأن هناك تسوية بالفعل، وأن السيادة التي يتشدقون بها مصانة من طرفهم ومن طرف كل من إيران والولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل وسواها.
ولم تتغير تصريحات المسؤولون الأتراك، الطامحة للقيام بعملية عسكرية في الشمال السوري، بعد انفضاض قمة طهران، إذ قال الرئيس أردوغان إن خيارها “ما يزال مطروحاً على الطاولة”، بينما قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا “لا يمكنها البقاء مكتوفة الأيدي في سوريا”، وإننا “لم نأخذ الإذن من أحد لتنفيذ عملياتنا هناك، ولن نفعل”، وأكد أن “العملية العسكرية ستنطلق بين ليلة وضحاها بشكل مفاجئ”. يضاف إلى ذلك أن الاستعداد للعملية مستمر على مختلف المستويات، حيث ناقش مجلس الأمن القومي التركي في اجتماع ترأسه الرئيس أردوغان، الخميس الماضي، التحضيرات الجارية للعملية العسكرية المحتملة في شمالي سوريا، الأمر الذي يشي بأن الساسة الأتراك لن يتخلوا بسهولة عن العملية العسكرية التي يسعون إلى تنفيذها في سوريا، وأنهم مستمرون في العمل على تهيئة الظروف المناسبة لها سياسياً، وخاصة على المستوى الدولي والإقليمي.
ولا شك في أن تصريحات المسؤولين الأتراك، المترافقة بإرسال تعزيزات عسكرية على الأرض في الشمال السوري، تعبر عما يطمحون إليه ويسعون إلى تنفيذه، لكنها قد تصطدم بالواقع، وبالمواقف الإيرانية والروسية المعارضة لها، وبالتالي فإنهم باتوا في موقف لا يحسدون عليه، لأنهم من جهة أولى، لا يمكنهم القيام بعملية عسكرية واسعة من دون الحصول على موافقات دولية بشأنها، بمعنى وجوب أن تكون الأطراف المتدخلة بالشأن السوري، خاصة إيران وروسيا وأميركا، راضية عن سير وأهداف العملية التي ينوون القيام بها، وهم من جهة ثانية، بحاجة داخلية إلى تحقيق إنجاز ما في الملف السوري، وبما يتطلب القيام بعمل عسكري في الشمال السوري تحت يافطة محاربة التنظيمات الإرهابية، التي تضع تركيا في خانتها كلاً من حزب العمال الكردستاني التركي، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وسائر مخرجاته المدنية المتمثلة بالإدارة الذاتية، والعسكرية المتمثلة بوحدات حماية الشعب الكردية، فضلاً عن أن القيادة التركية تريد تحقيق إنجاز ما في ملف اللاجئين السوريين في تركيا، خاصة أنها مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية في حزيران/ يونيو المقبل، وقد بدأت حملاتها الانتخابية مبكراً، وأول الملفات التي دخلت بقوة في البازار الانتخابي التركي، هي قضية اللاجئين السوريين في تركيا، لذلك يريد حزب العدالة والتنمية الحاكم أن يقدم نفسه للناخب التركي على أنه قادر على حل هذه القضية، من خلال إعادة مليون لاجئ سوري أو أكثر إلى مناطق في الشمال السوري، وبالتالي بات قادة هذا الحزب يشعرون بأهمية القيام بعملية عسكرية فيه، من أجل إنشاء “منطقة آمنة” تؤوي اللاجئين السوريين، حسبما يخططون.
وإذا كانت العملية العسكرية التي تهدد تركيا القيام بها في الشمال السوري، تبدو كأنها حاجة داخلية للقيادة السياسية، فضلاً عن أن غايتها هي حماية الأمن القومي التركي، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظروف والتوازنات الدولية، وبمدى تأثيرها على الوضع في سوريا وتوازنات القوى المسيطرة على الأرض، وخاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، واضطرارها لسحب بعض قوتها العسكرية من سوريا، الأمر الذي أحدث فراغاً سارعت إيران بميليشياتها المتعددة إلى إشغاله، فيما لا ترغب الولايات المتحدة الأميركية أن تنخرط في الوضع السوري أكثر، لأن تركيزها بات منصباً على الوضع في أوكرانيا، وبالتالي فإن كلاً من روسيا والولايات المتحدة وإيران تريد استمرار الوضع الراهن القائم في سوريا، ولكل طرف أسبابه الخاصة، لذلك تعارض أي عملية عسكرية قد تقوم بها تركيا، كونها قد تفضي إلى تغير التوازنات السائدة في سوريا.
ويتمايز الموقف الأميركي عن الموقفين الروسي والإيراني في أن ساسة الإدارة الأميركية يحرصون على عدم إغضاب الساسة الأتراك، وعلى ألا تحدث أزمة بين بلادهم وتركيا بسبب الوضع في سوريا، كونهم بحاجة إلى تركيا ودورها في حلف الناتو لمواجهة روسيا ومعاقبتها على غزوها لأوكرانيا، لذلك قام السيناتور ليندسي غراهام، مؤخراً، بمبادرة وساطة بين تركيا والإدارة الذاتية وقسد، وذلك من أجل تفادي قيام تركيا بعملية عسكرية في مناطق شرقي الفرات، حيث يوجد جنود أميركيون هناك.
وتحاول كل القوى المتدخلة في الشأن السوري تسويق معارضتها للعملية العسكرية التركية المحتملة في الشمال السوري من باب الرغبة في الحفاظ على استمرار الوضع الراهن في سوريا، لأن ذلك يدعم حفاظها على مناطق النفوذ لكل منها، لكن معارضتها قد تنحصر فقط في الإطار السياسي في حال تنفيذ تركيا عمليتها العسكرية، وخاصة إن لم تتعدَّ العملية المنطقة الواصلة بين منبج وتل رفعت، حيث تقع هذه المنطقة خارج حسابات الولايات المتحدة ولا يوجد فيها جنود أميركيون، فيما لن تغامر روسيا بعلاقاتها المتشعبة والهامة مع تركيا بالرد على عمليتها إن كانت محدودة، وتبقى إيران كذلك محكومة بشرط العلاقات الهامة مع تركيا وعلى مختلف المستويات. وبسبب هذه الاعتبارات يصرّ الساسة الأتراك على أن عمليتهم العسكرية “ما تزال مطروحة على الطاولة”، بعد قمة طهران، وأنها قد “تحدث بين ليلة وضحاها”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا