أزراج عمر
في لقائه الدوري مع وسائل الإعلام الوطنية الذي جرى يوم الأحد الماضي وبثت وقائعه القناة الدولية الجزائرية، انتقد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون أداء بعض الوزراء في التشكيلة الوزارية الحالية ولمّح إلى تعديل مرتقب لم يحدد له موعداً. وهنا نتساءل: هل سيكون التعديل المقبل مجرد تدوير للمناصب أم سيشهد تغييرات راديكالية حقيقية؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال وتسليط الضوء على أهم القضايا الحساسة الأخرى التي برزت في هذا اللقاء الدوري ينبغي التذكير أولاً أن الرئيس الجزائري قد تحدث في اللقاء عن مجموعة من الإجراءات والتدابير التي ينوي اتخاذها في الأسابيع المقبلة، كما أعلن أيضاً عن سلسلة من الوعود التي يأمل المواطنون الجزائريون بأن تأخذ طريقها إلى التطبيق في الحياة الوطنية السياسية، والاقتصادية، والثقافية والاجتماعية والتعليمية.
في البداية، يمكن القول إن الرئيس تبّون أراد، من خلال هذا اللقاء، أن يحتوي القلق الذي ما فتئ يعتري راهناً مختلف الشرائح الشعبية والعمالية التي يتميز دخلها المادي بالضعف والهشاشة جراء ارتفاع أسعار المعيشة، والمواصلات، والإيجار، واللباس وغيرها.
ومن أجل طمأنة الرأي العام الوطني الجزائري، أعلن عن التزامه تسوية أوضاع العاطلين من العمل وذلك برفع قيمة منحة البطالة، كما وعد مختلف شرائح العمال بتحسين أجور معاشاتهم انطلاقاً من أوائل عام 2023، غير أنه لم يذكر بالتفصيل سقف هذه المبالغ التي تضاف إلى معاشاتهم شهرياً، وفي الوقت نفسه لم يوضح إذا ما كان ثمة إمكان لتوسيع نطاق هذه الزيادات المالية لتشمل كل مناصب العمل بالمؤسسات التابعة للقطاع الخاص في مجالات البناء، والمهن الصناعية، والزراعية، والفلاحية وغيرها أيضاً.
أما بخصوص علاقات الجزائر الخارجية مع دول الجوار المغاربين كتونس وليبيا، فقد أوضح الرئيس تبّون أن الجزائر لا تتدخل في شؤون الجارة ليبيا، كما أن العلاقات مع تونس تتميز بالتعاون والتفاهم. وعلى مستوى دول العمق العربي المشرقي، فقد ركز الرئيس تبّون على ضرورة دعم الجزائر غير المشروط للقضية الفلسطينية وتحفيز العمل على إنجاز الوحدة بين فصائلها باعتبارها أحد الشروط الجوهرية لضمان نيل استقلال فلسطين. وفضلاً عن ذلك فقد دعا الرئيس الجزائري إلى تحسين العلاقات بين الدول العربية.
أما على المستوى الدولى، فقد نوّه الرئيس تبّون بالعلاقات الجزائرية – الأفريقية، وبالمستوى العالي الذي بلغه الاستثمار التركي في الجزائر والمقدر بمبالغ ضخمة من دون أن يذكر القيمة الإجمالية لهذه الاستثمارات.
وعلى الصعيد الأوروبي، فقد تجنب الرئيس تبّون الخوض في التذكير مجدداً بالمشكلات العالقة بين الجزائر وفرنسا ومع إسبانيا، وبدلاً من ذلك فقد أفرد مساحة خاصة للعلاقات الجزائرية – الإيطالية مبرزاً أنها تتميز بالاستقرار والتطور المطرد منذ استقلال الجزائر حتى الآن، وفي هذا السياق بالذات صنَف إيطاليا في مرتبة “الحليف القوي” للجزائر داخل فضاء أوروبا. وفي إشارة مقتضبة أخرى قال الرئيس تبّون إن الجزائر قد “تنضم إلى مجموعة دول بريكس” ولكنه لم يحدد الكيفية وتاريخ الانضمام.
في هذا اللقاء الدوري لم ترد توضيحات للرئيس عن الزيارة التي يشاع أنه سيقوم بها قريباً إلى روسيا بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولم يذكر كذلك تفاصيل الزيارة التي يفترض أن يقوم بها للجزائر، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، علماً أن وسائل الإعلام الجزائرية والفرنسية أشارت إليها مراراً وتكراراً خلال الأيام القليلة الماضية.
من بين المفاجآت التي تميز بها هذه المرة، اللقاء الإعلامي الدوري الذي جرى يوم الأحد الماضي مع الرئيس تبّون، إعلانه عن موقع الجزائر الجيو-سياسي الجديد على مستوى الخريطة الدولية انطلاقاً من أفريقيا حيث صرَح للمرة الأولى، وذلك منذ وصوله إلى سدة الحكم وخلافاً لكل الرؤساء الجزائريين السابقين، أن الجزائر دولة أفريقية “عظمى”.
وفي هذا الصدد لاحظ المراقبون السياسيون والإعلاميون الجزائريون المحايدون، أن الإعلامي الجزائري الذي قام بإدارة الحوار مع الرئيس تبّون لم يسأل عن المقصود تحديداً بمصطلح “الدولة العظمى”، كما لم يطلب من الرئيس أن يبرز للرأي العام الداخلي على الأقل مجموع العناصر المحورية المادية والرمزية الكبرى التي تشكل راهناً ماهية “الدولة العظمى” للجزائر.
وهناك أيضاً تصريح مهم آخر ورد في هذا اللقاء الدوري مع الرئيس تبّون ويتمثل في كلامه أن الحكومة الحالية فيها وزراء نزهاء ولكنهم غير أكفاء. وفي هذا الخصوص لم تطرح تساؤلات في هذا اللقاء حول الأسباب التي أدت على مدى سنوات طويلة إلى تعيين هذا النوع من الوزراء الذين ليسوا في مستوى طموحات الشعب الجزائري والذي ما فتئ يطالب بعدم اللعب بمصلحة الوطن، ويلح في الدعوة إلى إسناد الحقائب الوزارية، وكذا المناصب الحساسة المركزية والجهوية إلى أفضل الكفاءات العلمية والفكرية والمهنية والمشبعة بالوطنية والقادرة على تفعيل العمليات الإبداعية التي تخلق الأرضية الصالحة لنقل الجزائر من دائرة التخلف إلى طور التحديث والعصرنة، سواء كانت هذه الكفاءات الوطنية مقيمة في الجزائر أو في المهاجر العربية أو الأجنبية.
وفي الواقع، فإن المواطنين الجزائريين يستغربون باستمرار الأساليب التي يتم بموجبها تعيين أمثال هؤلاء الوزراء غير الأكفاء أصلاً سواء في الحكومة الحالية أو غيرهم في الحكومات السابقة التي عرفتها الجزائر من دون دراسة ملفاتهم وفحصها فحصاً دقيقاً مسبقاً. وما يؤسف له أن مختلف المناصب العليا في الجزائر تمنح كهبات لمن هبّ ودب، ولمن يتقن الولاء، وهو الأمر الذي خلق النفور بين المسؤول الجزائري وبين المواطنين وكرّس التخلف البنيوي في مفاصيل البلاد.
المصدر: النهار العربي