في حديث اللغة العربية وتحدياتها أمام السوريين في بلاد اللجوء، وماهية الخروج من هذا المأزق، كان لابد لنا من سؤال الأستاذ سمير صالح عالم الدين السوري ومن يهتم بالقرآن الكريم وتعليمه للجيل الصاعد، وخاصة السوريين منهم، حيث سألناه وقلنا: هناك تحديات كبرى لدى الأطفال السوريين في بلاد اللجوء تتمثل في عدم تعلم اللغة العربية، كيف ترون هذه التحديات؟ وهل تعلم القرآن الكريم يمكن أن يَحل هذه المشكلة المتفاقمة؟ وما نصيحتك للأهل حرصًا على الاستمرار بامتلاك اللغة العربية لأجيالنا الآنية والقادمة؟
حيث قال الشيخ الأستاذ سمير:” اللغات هي وعاء الفكر الإنساني والتجارب الإنسانية عبر التاريخ، وهي من أَجَلِّ نِعَم الله على عباده قال تعالى: {الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان}. وقد قيل: عقل الرجل مدفون تحت لسانه. والأمة العربية هي أكثر الأمم حظًّا في هذا الصدد، لأن لغتها هي لغة الكتاب الخالد المنزَّل من السماء وهو القرآن الكريم، وهو كتاب معجز ببيانه وأسلوبه في الدرجة الأولى، ناهيك عن إعجازه في تشريعه، وإخباره بالغيوب، وذكره للحقائق العلمية ونحو ذلك، مما جعل هذه اللغة لا تنفك عن الدين الحنيف، تنتشر حيثما وجد الدين، فتجاوزت بذلك صفة الإقليمية المحدودة، وصارت لغة عالمية، يعبر بواسطتها العربي والمسلم في أي بقعة من العالم عما يريد. وقد شعر المسلمون جميعًا بأهمية هذه اللغة، ونهض العرب والأعاجم معًا لخدمتها بعد الإسلام في التقعيد لعلوم هذه اللغة النحوية والصرفية والبلاغية إلى جانب إخوانهم العرب، وذلك من أمثال: ابن المقفع (ت 143 هـ) وسيبويه (ت 180 هـ) وابن قتيبة (ت 276 هـ) وابن جني (ت 392 هـ) وعبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) وغيرهم من العباقرة الأفذاذ.” ثم قال :” لا شك بأن اللغة العربية تواجه الكثير من التحديات وذلك منذ أكثر من قرن من الزمن وذلك مع أُفول الدولة الإسلامية وخضوع العرب للحضارة الغربية منذ مطلع القرن التاسع عشر، ولولا أن هذه اللغة هي لغة القرآن العظيم الذي تكفل الله عزوجل بحفظه بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وحِفظُ الله لكتابه سبب أساس للحفاظ على هذه اللغة المباركة، ولقد ساهمت الكثير من الظروف في ضعف تعلم اللغة العربية ومن أولها كثرة التقلبات السياسية والحروب في العالم العربي، ولاشك بأن لبلاد الشام ولسورية خاصة أهمية استراتيجية عند صانع القرار الدولي، لذلك شن النظام الدولي حرباً سياسية وعسكرية على الشعب السوري من خلال مندوبه السامي في سورية، مما أدى إلى تهجير نصف الشعب السوري والذي أُغلقت في وجهه الحدود العربية بقرار دولي، مما أدى إلى استقراره في بلاد غير عربية، وقد أصيبت أكثر العائلات بصدمات كبيرة في بداية الأمر، وعزف الكثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس الأجنبية في دول المهجر لترتفع نسبة الأمية بداية وبشكل كبير، ثم عاد الناس بعد فترة للتأقلم مع الأجواء الجديدة وإرسال أبناءهم إلى المدارس، ومن أجل الانخراط في المجتمع الجديد كان لابد من تعلم لغة البلد المضيف، ليتفاجأ الأهل بعد فترة بعدم فهم الأبناء لأبسط الكلمات العربية، مع استعمال لغة المهجر في شرح أي عبارة استعصت على الطفل، مما جعل الآباء والعلماء يفكرون في أسباب ضياع اللغة وابتكار حلول عملية تحافظ على لغة الأبناء ولو بالحد الأدنى، لأن ضياع اللغة يعني ضياع الهوية والثقافة العربية المرتبطة بالإسلام ارتباطاً وجودياً. وضياع اللغة يعني الانفكاك عن المنهج الإسلامي جيلاً بعد جيل، وهذا ما نلاحظ آثاره الواضحة على الجيل الأول ممن هاجر من بلاده إلى بلاد أخرى، فكيف لو انتظرنا لنرى النتائج على الجيل الثاني والثالث، ولقد كانت لنا في مؤسستنا التعليمية:( مؤسسة إتقان) جهود كبيرة في تعليم أكثر من مائة وثلاثون ألف طفل وطفلة القراءة العربية في سورية وتركيا وبعض دول المهجر، وقد طورنا من كتاب القراءة العربية ليكون الطالب متمكناً من الكلمة العربية تركيباً وتحليلاً ثم قراءة جملة متكاملة وبشكل منضبط، وقد أضفنا منذ سنوات كتاباً لتعليم الكتابة ونحن عاكفون على تعليم الكتابة في أكثر مراكزنا الآن، ولاشك بأن انتقال الطالب بعد تعلم اللغة العربية قراءة وكتابة إلى تعلم القرآن الكريم، والذي يحوي أكثر من سبعين ألف كلمة عربية، سيجعل لسان الطفل العربي سليماً في النطق تماماً، لأن اللغة العربية في أصلها سماعية بنسبة (70%)، وأُضيف أنه وعلى المستوى الشخصي لقد حققنا نتائج باهرة بفضل الله تعالى، ولكن كل جهودنا لا يمكن أن تحل إلا الجزء اليسير من أصل المشكل المتفاقمة اليوم، لذلك فإنني سأقدم بعض النصائح للحفاظ على اللغة العربية، هذه النصائح تشمل الأسرة والمحاضن التربوية والغيورين على اللغة العربية.”
وعن الحلول المقترحة لمواجهة التحديات تواجه اللغة العربية قال :” إن اللغة هي هوية الأمة الحضارية، والتمسك بها والسعي إلى إحيائها وتطويرها من أولى دعائم النجاح الحضاري لكل أمة تسعى أن يكون لها مستقبل مشرق في الغد القريب، ومهمّة استعادة مكانة اللغة العربية والحفاظ عليها لا تقع على عاتق جهة دون أخرى، بل إن التنسيق إلى جانب الشراكة يشكلان شرطًا لإنجاحها، ولذلك فنحن بحاجة إلى أمور، نذكر منها:
1ـ تبرز العائلة بصفتها المعلم الأول للفرد وصانع لغته وثقافته، لذلك لابد من محاولة التكلم باللغة العربية الفصحى بقدر الإمكان حتى تصبح عادة في الأسرة، ومما يعين على ذلك قراءة القرآن بشكل جماعي في البيت، وقراءة كتب السيرة النبوية والروايات التاريخية العربية، وكتب الأمثال والشعر العربي القديم.
2ـ إعتماد اللغة العربية لغة التحاور والتواصل الوحيدة داخل المنزل.
3ـ العمل على افتتاح المراكز القرآنية والتعليمية، وإرسال الأطفال إلى المعهد والمراكز التي تعمل بطريقة علمية منضبطة، وجعل الدراسة في هذه المعاهد جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للطفل مع المتابعة الحثيثة لعلاقة الطفل بأستاذه وقياس مدى التأثير الإيجابي على لغته وأخلاقه وقيمه
3ـ إعادة صياغة العقل بما يعزز الشخصية الحضارية للإنسان العربي وهذه مهمة المفكرين العرب.
4ـ إبراز قوة هذه اللغة وبيان تميزها على سائر لغات العالم، وهذا هو دور المؤسسات الحكومية ومجامع اللغة العربية.”.
المصدر: إشراق