معقل زهور عدي
والذي يعني الحمر , “Phoeniki ” والفينيقيون هم الكنعانيون الذين أطلق عليهم الاغريق ذلك الاسم .لأن الصبغ الأحمر القرمزي يبقى على أيدي رجالهم الذين يعملون ويتجارون به , بينما إسمهم بلغتهم وحسب اللغة العبرية هو الكنعانيون . ومعظم المؤرخين الغربيين يرون أن موطنهم الشريط الساحلي لبلاد الشام من رأس شمرا وجزيرة أرواد قرب اللاذقية الى شمال فلسطين , وأن مدنهم الرئيسية صوروصيدا(صيدون ) وجبيل وبيروت وأرواد وبعلبك , وقد عرفوا بارتيادهم البحار وطموحهم للسفر والإستكشاف والتجارة .
والتقدير المنصف لحضارة الكنعانيين ” الفينيقيين ” لابد أن يضعها في مكان مختلف عن ذلك الذي وضعت فيه حتى الآن . فالفينيقيون ليسوا تجارا ومغامرين بحريين فقط لكنهم أصحاب حضارة عريقة تفوقت بكل شيء تقريبا وسبقت الحضارة اليونانية فمن السذاجة التفكير أن اليونان لم يأخذ من الفينيقيين سوى كتابتهم الأبجدية التي تضم 22 حرفا والتي كانت اختراعا يعادل أهم اختراعات العصر الحديث . ويحدد المؤرخ اليوناني المشهور هيرودوت فينيقيا باعتبارها موطن ولادة الأبجدية ويقرر أن قدموس الفينيقي قد أدخلها معه حين جاء الى اليونان قبل العام 800 قبل الميلاد , كما يؤكد أن اليونانيين لم يمتلكوا أية أبجدية قبل ذلك التاريخ , كما أن جبيل الفينيقية التي يسميها اليونانيون بيبلوس كانت المصدر الرئيسي لورق البردي المستخدم في الكتابة , ولذلك ارتبط اسمها بالكتب ومنه تسمية الكتاب :
Bible
والذي ذهب بعد ذلك إلى الكتاب المقدس . كما أن هناك اعتقادا بأن العديد من آلهة الاغريق
جاء من فينيقيا حيث نجد شبها لاجدال فيه بين بعض القصص المرتبطة بآلهة فينيقية مثل بعل ويم (آلهة البحر ) وبين آلهة اليونان زيوس وبوسيدون .
وبينما يعود بداية استقرار الفينيقيين وتأسيس المدن في بلاد الشام وساحلها الى الألف الثالث قبل الميلاد ( حوالي 2750 قبل الميلاد تأسست صور ومعبد ملقارت حسب فيكتور بيرارد ) , ويبدأ العصر الذهبي للحضارة الفينيقية مع نهاية الألف الثاني قبل الميلاد , فإن العصر الذهبي لليونان يتأخر عنه نحو 350 عام على أقل تقدير .
ويمكن للمرء أن يفهم مدى الصعوبة في تقبل الأوربيين لفكرة أن الفينيقيين هم اساتذة اليونان ومن نقل لهم الحضارة وأوقد شعلتها , في حين أن الفينيقيين هم الكنعانيون الذين ينحدرون من ذات الأصول التي انحدر منها العرب . لكن الحقائق التاريخية لايمكن اخفاؤها. يقول المؤرخ الأغريقي هيرودوت : ” كان الفينيقيون الذين رافقوا قدموس الى بلاد اليونان وأقاموا فيها قد أدخلوا معهم الكثير من المعارف , من بينها تلك الأحرف التي كانت برأيي مجهولة سابقا في هذه البلاد .” فحسب هيرودوت فإن الاسطورة الكنعانية التي تحكي عن اختطاف جوبيتر لأوربة الكنعانية الجميلة ابنة آجينور ملك صور , وسفر أخيها قدموس وأمها تيليفاسا وأخويها تاسوس وكليكس للبحث عنها وإعادتها , ثم استقرار قدموس في بلاد اليونان ليست محض اسطورة , لكنها تحكي بالرمز قصة هجرة حقيقية لفرع من الكنعانيين الفينيقيين إلى بلاد اليونان واستقرارهم هناك ونقلهم كثيرا من المعارف ومنها الأبجدية الفينيقية .
وفي سبيل الانفكاك من اعتراف مرير كهذا لم يكتف الباحثون الأوربيون بإعطاء الأركيولوجيا الفينيقية أهمية ثانوية لكنهم حاولوا جاهدين فك الارتباط بين الفينيقيين والعرب , وتقديم الفينيقيين باعتبارهم جنسا آخر , ويبدو أن تلك المحاولة التي سادت في الفترة السابقة قد انهارت اليوم كما يتضح من كتاب جان مازيل المختص بتاريخ الفينيقيين والذي أمضى ست سنوات يجوب خلالها البلدان المتعددة بحثا عن آثارهم قبل كتابة مؤلفه ” تاريخ الحضارة الفينيقية ( الكنعانية ) والذي يذكر فيه أن أصولهم من جنوب شبه الجزيرة العربية, لكن المؤرخ( ج. كونتنو) في كتابه ” الحضارة الفينيقية ” وضع تصورا أكثر وضوحا وتماسكا لأصول الفينيقيين – الكنعانيين حيث يقول في معرض الحديث عن تاريخ بناء مدينة صور الآتي : “ويبدو في ضوء الإكتشافات الحديثة أن التاريخ الذي حدده هيرودوت ( يقصد لبناء صور ) وكان تاريخا تقريبيا هو التاريخ المطابق للحقيقة , ويوضحه مانعلم من أنه في أول القرن السادس والعشرين قبل الميلاد حدثت هجرة سامية قوية بادئة من شمال سورية , وهي المنطقة التي أطلق عليها البابليون القدماء اسم بلاد أمورو , بمعنى أرض المغرب , وهؤلاء الساميون هم الذين أسسوا أسرة أجادة أو “أكاد”على يد الملكين سرجون ونرام سين , وكانوا من الشعوب الفاتحة الكبيرة …. فالراجح على كل حال هو أن حركة الساميين البادئة من أبواب فينيقية اندفعت في قوة تتيح لها التكاثر في وادي الرافدين , وفي آسيا الصغرى بل تتيح لها أيضا مد أحد فروعها على طول الشاطىء السوري , وعلى هذا الأساس ينطبق التاريخ الذي حدده هيرودوت لتأسيس صور في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد انطباقا كافيا على تاريخ استقرار الساميين استقرارا دائما تاما في البلاد ” كما يقول في مكان آخر : ” ونحن نسلم اليوم أن الفينيقي يدخل في مجموعة الكنعانيين ونصنف اللغة الكنعانية ضمن اللغات السامية ” واسم كنعان كان يطلق في الألف الثاني قبل الميلاد على الداخل السوري وعلى الشريط الساحلي في الوقت ذاته .
وتلك النظرية في أصول الفينيقيين الكنعانيين تمتلك درجة معقولة من المصداقية , وتتطابق مع نظرية ترى أن شمال سورية هو موطن أصيل للساميين , وأن هجرات الساميين قد حصلت منه نحو بلاد الرافدين كما نحو الغرب والجنوب من بلاد الشام .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي