طارق علي
“لا كهرباء…فهمنا.نعيش صيفاً حارقاً مرت أيامه ثقيلة جداً على أبداننا، ولكن لا مياه أيضاً؟! أين يحصل هذا؟ في أي شرع وقانون ومنطق؟ وأين؟… في بلد الينابيع والآبار والأنهار والسدود والموارد المائية الكبيرة؟”. تقول الموظفة مها رستم في معرض شرحها معاناة أسرتها جراء تقنين المياه الذي يطاول حيها في العاصمة السورية دمشق، “بتنا نشتاق للمياه ولا نراها إلا يومين أو ثلاثة في الأسبوع، هل يصدق هذا؟ ماذا تفعل الناس بأنفسها؟ هل من المنطقي أن ندفع ثمن ماء الشرب؟ هذا إن توافر واذا توافر فلا تسأل عن أسعاره التي تفوق قدرتنا ورواتبنا الوظيفية التي صارت شحيحة كحال مياه بلادنا”، تضيف.
معاناة مضاعفة يدفع ثمنها السوريون اليوم في ظل شح المياه والتقنين المرتبط به وارتفاع ساعاته في عزّ أيام الصيف الشديدة الحرارة.
من المعروف جلّياً أن استخدام المياه يكثر في أيام الحر بدءاً من الحاجات الإنسانية الروتينية وليس انتهاء بازدياد الاستهلاك لأغراض الاستحمام وغسيل الملابس وغيرها، إلّا أن كل تلك الأمور لم تشفع للمياه بألا يطاولها التقنين الحكومي الذي جاء -كما العادة- بالازدياد لا النقصان، فبعض الأحياء وصل التقنين اليومي فيها الى حدود 10 إلى 16 ساعة يومياً، أي وسطياً قرابة أربعة أيام كاملة أسبوعياً، يحصل هذا والبدائل غائبة إلا لمن يسعفهم الحظ والمقدرة المالية على تأمين المياه بشكل متواصل، وهؤلاء قلة في سوريا.
“10 ساعات فقط من التقنين؟ هذا نصيب الأحياء المحظوظة للغاية، ثمة أحياء تقطع فيها المياه ليومين أو ثلاثة أيام متواصلة ثم تجيء لبضع ساعات”، يقول المهندس مفيد جملو.
بعيداً قليلاً من العاصمة لا يبدو الأمر بحال أفضل، بل هو حقيقة أسوأ بكثير، ففي حمص ثمة أحياء تتغذى بالمياه لنحو 10 ساعات يومياً، وأحياء أخرى تتغذى لأربع ساعات فقط، وأحياء تتغذى بضع ساعات كل بضعة أيام، ومثل حمص حال المحافظات الأخرى، لا سيما حلب.
وفي الإطار تبرز معاناة مدينة جرمانا في ريف دمشق بوصفها الحاضن الأكثر اكتظاظاً بشرياً في ريف العاصمة، هناك تغيب المياه ليومين متتاليين ثم تجيء في اليوم الثالث وأحياناً الرابع أو الخامس لساعات قليلة لا تكفي لملء الخزان المنزلي، ولكن مهلاً، فالمشكلة رغم كبرها ليست هنا، هذا ما قاله سكان التقاهم “النهار العربي” في جرمانا، إذ أكد جميعهم أنّ المشكلة هي أنّ هذه المياه هي مياه آبار على خلاف دمشق التي تتغذى من مياه الفيجة عالية الجودة، وهذه الآبار غير صالحة للشرب، وبالتالي هم يستفيدون منها فقط لأغراض الغسيل والاستحمام، أما مياه الشرب فعليهم شراؤها بغالونات وبصورة يومية عبر المحال المنتشرة بكثافة والتي تبيع هذه المياه، ورغم رخص سعر تعبئة الغالون نسبياً لشريحة معينة، إلا أن فكرة عدم تمكنهم من الشرب إلا عبر شراء المياه ونقلها إلى بيوتهم بالغالونات هي المتعبة، على حد تعبير السكان.
“نعبئ الغالون بـ500 ليرة سورية، أنا يومياً أحتاج على الأقل غالوناً واحداً، ليس الأمر سهلاً عليّ، فمنزلي في الطابق الخامس، وحمل الغالون إلى الأعلى صعب، فلا وجود لمصعد في بنائنا وأولادي صغار وخدمة التوصيل غير موجودة”، يقول ماهر سلام لـ “النهار العربي” وهو رب لأسرة مكونة منه وزوجته وثلاثة أطفال.
المعاناة نفسها تنطبق على كل من سألهم “النهار العربي” في جرمانا، الكل يجمع على أن فكرة شراء الماء بحد ذاتها فيها مهانة بشرية وسكنية لهم، يقول أحد سكان المنطقة: “أعبئ مياهاً بنحو 15 ألف ليرة سورية شهرياً، مياه بغرض الشرب فقط، وراتبي كله لا يتجاوز 80 ألف ليرة، هل هذا عادل؟”.
“نتحدث عن تقنين يومين بيوم تعبئة؟ هذا غير صحيح، أحياناً تنقطع المياه لأسبوع، لعشرة أيام، لأسبوعين، يحصل ذلك في القرى مثلاً، في حي كرم صمادي، في أحياء كثيرة من جرمانا، ماذا يفعل الجميع حينها؟ يلجأون لتعبئة الخزانات عبر الباعة المتنقلين، وتكلفة البرميل حينها 4 آلاف ليرة، والخزان المتوسط 5 براميل (ألف ليتر)، إذاً 20 ألف ليرة التكلفة، ونحن أسرة مكونة من سبعة أشخاص، وعليك أن تحسب كم ندفع شهرياً ثمن أبسط حقوقنا في العيش، كل يومين نحتاج أن نعبئ الخزان في فصل الصيف، وذلك لن يكلف أقل من مئتي ألف ليرة شهرياً، ويقول لك عامل سيارة المياه أنا أشتري ليتر المازوت أو البنزين لسيارتي بسبعة آلاف، وعليه تشغيل مولد لرفع المياه للأعلى، طيب، ما ذنبنا نحن؟”، يقول العامل زهوان لـ”النهار العربي”.
“أي منطق هذا الذي يقبل أن أشتري مياهاً بأكثر من عشرين ألف ليرة كل يومين أو ثلاثة ونحن في بلد المياه كما تعلمنا في المدارس”، تقول أم أحمد وهي ربّة منزل تقيم في جرمانا.
الاستهلاك المضاعف
وكشف مصدر مطلع على الملف الى “النهار العربي” أنّ الاستهلاك المائي كان مضاعفاً في الأيام الماضية من هذا الشهر بسبب عوامل أبرزها الحرّ الشديد وانخفاض قدرة التوريدات العامة ما جعل التقنين يتجاوز عشر ساعات يومياً في معظم المناطق.
المصدر أكدّ أن جداول التقنين غير ثابتة، بل هي تتغير بشكل مستمر تبعاً لكمية الإنتاج والاستهلاك وجدول التقنين الكهربائي العام.
الكهرباء والمياه
تحتاج العاصمة يومياً ما مقداره 650 ألف متر مكعب من المياه في الصيف، وهو رقم قابل للزيادة أو النقصان النسبيين بحسب الاستهلاك المختلف من يوم الى آخر، لكن هذا الرقم هو الحاجة الوسطية لدمشق. ومن الضروري الأخذ بالاعتبار أن ساعات التقنين الكهربائي تلعب دوراً مهماً في رفد الشبكة المائية وتغذيتها لتقوم بدورها بمهامها في تغذية الأحياء، الأمر ينسحب على كامل سوريا التي عانت الكثير من محطاتها من الدمار الذي أدى الى خروجها من الخدمة جرّاء الحرب، ليصار العمل الآن على تأهيل محطات عديدة، مثل محطة جوبر الرئيسية في دمشق والتي بلغت نسبة التأهيل فيها نحو 80 في المئة، ومحطات حلب التي نالت نصيباً كبيراً من الدمار.
وعود زائفة
كان مسؤول في مصلحة المياه تحدث الى وسائل إعلام محلية خلال فصل الشتاء الماضي عن خطة مؤسسة مياه العاصمة لتوفير كميات كافية من المياه لمدينة دمشق ومحيطها مع اقتراب زيادة غزارة مياه نبع الفيجة.
ووعد المسؤول حينها بعمل المؤسسة على تقليل ساعات تقنين المياه إلى المقيمين في العاصمة دمشق والمناطق التي يغذيها النبع، إثر ما يشهده النبع من تصاعد يومي في غزارة المياه المتدفقة منه. إلا أنّ “المي كذبت الغطاس” بحسب ما قاله سكان من دمشق لـ “النهار العربي” رداً على تلك التصريحات.
المصدر: النهار العربي