منى المنجومي
دعت دول في مجلس التعاون القوى السياسية إلى معالجة الأزمة للحفاظ على أمن واستقرار بغداد. على الرغم من الهدوء النسبي الذي عرفته الأزمة في العراق المجاور لدول الخليج العربية، فإن تحدياته السياسية والأمنية المستمرة تدفع محيطه العربي إلى القلق والتأهب، بخاصة أن شرائح من مواطني دول مجلس التعاون اعتادوا زيارة العراق في المناسبات الدينية مثل “أربعينية الحسين” هذا الشهر.
ومنذ اندلاع الأزمة التي أدت إلى سقوط ضحايا في العاصمة العراقية، دعت الكويت والبحرين، كل على حدة، مواطنيها إلى الخروج من العراق فوراً، وعدم السفر إليها حتى إشعار آخر، هذا فضلاً عن مناشدات دول المجموعة الأطراف المتصارعة كافة إلى السعي في سبيل “خفض التصعيد”.
وهنا يعلق المحلل السياسي عبدالله الجنيد بالقول، إن المناشدات لا تكفي وحدها، ولذلك “قامت الدول باتخاذ إجراءات احترازية على حدودها، مثل الكويت، ففي حال تفجرت الأزمة بشكل أوسع عراقياً، فإن حدود العراق الجنوبية ستتطلب إجراءات احتوائية بأكثر من شكل”.
وكانت الأزمة في بغداد قد بلغت ذروتها بعد إعلان رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر اعتزاله الحياة السياسية، واقتحام أنصاره عدداً من المؤسسات الحكومية من بينها القصر الجمهوري قبل أن يدعوهم إلى الانسحاب، في خطوة ثمنها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي طالب الفرقاء جميعاً بخوض حوار سياسي لا بديل عنه، لكن إصرار التيار المناوئ للصدر أخيراً على مرشحه محمد شياع السوداني الذي اعترض عليه الزعيم العراقي الوطني الصدر أول الأمر، قد يعيد الأزمة إلى المربع الأول.
تفاعل خليجي مبكر
وتفاعلت دول الخليج مع الأزمة في أول الأمر بإصدار بيانات دعت فيها القوى السياسية في العراق إلى معالجة الأزمة والوقوف صفاً واحداً للحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد.
وأعربت السعودية في بيان لوزارة خارجيتها عن بالغ القلق والاهتمام بتطورات الأحداث الجارية في العراق، وما آلت إليه تلك التطورات من سقوط عدد من الضحايا وإصابة آخرين.
ودعت الرياض جميع الأطراف إلى الوقوف صفاً واحداً للحفاظ على مقدرات ومكاسب العراق وشعبه، قبل أن يجري وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان اتصالاً مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، يؤكد فيه تضامن السعودية مع إدارته في سبيل “تجنيب بغداد ويلات الانقسامات الداخلية”.
من جانبها، دعت وزارة الخارجية البحرينية جميع القوى والأطراف السياسية إلى وقف التصعيد وضبط النفس وتغليب الحكمة والمصالح الوطنية العليا والمشاركة الفاعلة في حوار وطني شامل وجامع بما يسهم في تجاوز الأزمة الراهنة.
وحثت المنامة، بحسب بيان وزارة خارجيتها، جميع القوى والأطراف السياسية العراقية إلى استكمال المسار الدستوري والديمقراطي وتلبية تطلعات الشعب العراقي في الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتنمية المستدامة.
ولم يختلف موقف الدوحة التي أكدت هي الأخرى في بيان لوزارة خارجيتها موقف بلادها الثابت والداعم لوحدة العراق وأمنه واستقراره.
استنفار عسكري في الكويت
مع مطالب دول الخليج بتهدئة الأوضاع في العاصمة العراقية، أعلنت السلطات الكويتية أنها اتخذت إجراءات مشددة لحماية الحدود الشمالية للبلاد، من ضمنها منفذ “العبدلي” الحدودي مع العراق، تزامناً مع التوترات الجارية في بغداد.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الكويتية عن وزير الدفاع الكويتي الشيخ طلال الخالد الصباح، تأكيده أهمية “جاهزية واستعداد القوات المسلحة بشكل دائم، وفي مختلف المواقع العسكرية والمنافذ الحدودية، حفاظاً على أمن وسلامة الكويت”، داعياً خلال جولة تفقدية له بعدد من المواقع العسكرية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية بالمنطقة الشمالية على الحدود مع العراق، تزامناً مع تأزم الوضع في بغداد ومدن أخرى، منتسبي القوات المسلحة إلى المحافظة على درجة جاهزيتهم على حفظ أمن البلاد واستقرارها.
ويرى المحلل السياسي عبدالله الجنيد أن ما يشهده العراق حالياً هو إرهاص طبيعي لحالة الاستقطاب الشيعي – الشيعي التي يعيشها العراق لما يتجاوز العام.
واستدرك بالقول، “إلا أن ما مثله اقتحام البرلمان من قبل أنصار مقتدى الصدر، ومن ثم اقتحام المنطقة الخضراء من جديد وكسر الطوق الأمني واقتحام القصر الرئاسي، مثل تصعيداً للحالة، مما نتج عنه إضافة إلى الأزمة السياسية الدستورية، تهديد باندلاع حرب أهلية بعد امتداد المواجهات العسكرية بين ائتلاف (الإطار التنسيقي الشيعي) وأنصار الصدر، وصولاً إلى حرق مقار ومكاتب الإطار التنسيقي في المنطقة الخضراء”.
وقال، “إن قبول الصدر في المرحلة الأولى بالاحتلال السلمي للبرلمان، تضمن رسالة سياسية نحو الإطار التنسيقي، إلا أن حدوث الصدام المسلح بعد احتلال القصر الرئاسي، يعد بمثابة الإنذار النهائي من قبل الصدر لخصومه بأنه يملك الإرادة اللازمة لمواجهة كل تصعيد، حتى وإن كان هو من أنهى حالة الاحتقان”.
سند عربي أمام التخلي الأميركي؟
ويرى المتخصص في الشأن الإيراني والمنطقة، ديفيد شينكر في تحليل له مطول عبر معهد واشنطن للسياسات، أن هناك سياسة لا مبالاة من قبل إدارة بايدن يراد بها منح إيران مجدداً اليد العليا في العراق، ولا أدل على ذلك – بحسب اعتقاده – من غياب انخراط الإدارة الأميركية في محاولات العراق لتشكيل حكومة بعد الانتخابات، “وهو ليس مجرد إغفال غير مقصود، بل قرار اتخذ عن سابق تصور وتصميم”.
تراجع اهتمام واشنطن بهذا الملف بين أسباب عدة تدفع الخليجيين إلى الاهتمام أكثر بالشأن العراقي خوفاً عليه وقلقاً من البؤر التي قد تتشكل في حال انهيار الدولة هنالك، لا سمح الله، أو تطورت المواجهات إلى حرب أهلية.
وتتذرع واشنطن عادةً بأنها لا تدلي برأيها حول نتائج الانتخابات في دول أخرى، وتفضل بدلاً من ذلك التركيز على دعم المؤسسات. لكن شنكر يبدي أسفه تجاه ذلك في حالة بغداد الراهنة لأن “العراق ليس بلداً عادياً، بالنظر إلى أن الحكم الديمقراطي الناشئ فيه يواجه العديد من الصعوبات في ظل الضغوط التي تمارسها الذراع الإيرانية الطويلة النافذة في العراق – أي ميليشيا «قوات الحشد الشعبي» التي يبلغ قوامها حوالي 100 ألف عنصر. وقد تكون الانتخابات التي شهدها العراق قد ساهمت في نهاية المطاف في إضعاف قبضة إيران الخانقة على البلاد، لكن فك الارتباط الأميركي خلال عملية تشكيل الحكومة ترك فراغاً لم تتأخر طهران في سدّه”.
ولهذا يرى الكاتب السعودي يوسف الديني الذي علق على التخلي الأميركي القاضي بـ”ترك العراقيين ليحلوا مشكلاتهم بأنفسهم”، أن حالة التخلي تلك في ملف حساس جداً كالعراق “يطلق صفارات الإنذار والحذر في المنطقة، فأمن العراق والخليج والمنطقة مرتبط تماماً”.
يأتي ذلك في سياق لا يخفي محللون عرب أمثال العراقي عماد السامرائي أن الدور الإيراني يفسر جانباً من التأزم الراهن في العراق، مشيراً في تعليق له على “تويتر” إلى أنه “لا أحد ينكر وجود الظواهر الطائفية السياسية في العراق ودورها في تمكين القوى الخارجية من التلاعب في المشهد الداخلي، فتلك حالة طبيعية بين مد وجزر يعانيها كثير من المجتمعات تاريخياً، لكن دور إيران القذر صار علامة فارقة”. ونأت طهران في الآونة الأخيرة بنفسها عن الانسداد القائم في العراق، بحسب تصريحات مسؤوليها، إلا أن تحركات المحسوبين عليها في بغداد تظهر عكس ذلك، فهي المتهم الرئيس بإعاقة تشكيل الحكومة.
بوادر الأزمة
وتعود بوادر الأزمة العراقية المتفاقمة حالياً في العراق إلى ما قبل ثلاث سنوات مرت خلالها بعديد من المحطات والتطورات الهادفة لاحتوائها، بدءاً بالانتخابات المبكرة قبل عام، وصولاً إلى إعلان حالة الطوارئ الحالية في البلاد. ففي عام 2019 اندلعت أول احتجاجات شملت العاصمة ومناطق الجنوب من البلاد احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية، وانتشار البطالة والفساد، مما أدى إلى إلى استقالة حكومة عادل عبدالمهدي وتشكيل حكومة موقتة. وفي السابع من شهر مايو (أيار) 2020 تم تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي لتسيير شؤون العراق في المرحلة الانتقالية. وفي مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021 أجريت الانتخابات البرلمانية التي تعد نقطة تحول مفصلية ترتبت عليها الأزمة الحالية، فعلى الرغم من إجراء الانتخابات المبكرة بحسب مطالب المتظاهرين، فإن فوز التيار الصدري بها واجه عراقيل من منافسيه المحسوبين على الخط المتشدد الموالي لطهران بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
العد التنازلي
وشكل التيار الصدري تحالف “إنقاذ وطن” مع ائتلاف سني والحزب الديمقراطي الكردستاني، ورشح محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان والسياسي الكردي هوشيار زيباري رئيساً للجمهورية، وجعفر محمد باقر الصدر رئيساً للحكومة، لكنه لم يتمكن من تشكيل حكومة لأن الأسماء التي اقترحها واجهت اعتراضات من قبل ائتلاف “الإطار التنسيقي”. وبلغ الخلاف بين الأحزاب السياسية مع إصرار زعيم التيار الصدري على تشكيل حكومة أغلبية وطنية عارضها الإطار التنسيقي الذي طالب بالعودة إلى أسلوب التوافق المتبع في الدورات البرلمانية السابقة لتشكيل الحكومة، مما ترتب عليه تعثر المحادثات لتشكيل حكومة بين القوى السياسية في البلاد في مايو (أيار) 2022، وبعد ما يقارب الشهر طلب مقتدى الصدر نوابه بالاستقالة من البرلمان، وتلا ذلك في 27 يوليو (تموز) الماضي إعلان ائتلاف الإطار التنسيقي ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، مما دفع أنصار الصدر إلى الاعتصام في البرلمان بعد الإعلان بثلاثة أيام احتجاجاً على ترشيح السوداني.
وفي الثالث من شهر أغسطس الماضي دعا زعيم التيار الصدري إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، قبل أن يعلن في 29 من الشهر نفسه اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي، مما ترتب عليه انفلات أمني في البلاد بسبب اقتحام أنصاره عدداً من المؤسسات الحكومية، بما فيها القصر الجمهوري، الأمر الذي أدى إلى إعلان حالة طوارئ في البلاد.
ولا يزال المشهد العراقي مرشحاً للانفجار في أي وقت، بسبب ما يعتبره متخصصون تدخلات أجنبية، خصوصاً من إيران المتهمة بفرض توجهاتها السياسية على بغداد عبر وكلائها وميليشياتها مثل “الحشد الشعبي”، على حساب الاتجاه الوطني الذي يدعو إلى استقلال العراقي في قراره، الذي يتزعمه الصدر وعدد من القوى الاجتماعية والشبابية.
المصدر: اندبندنت عربية