في مثل هذا الوقت من العام 2013 صدر عن دار العارف للمطبوعات ببيروت كتاب:
“ادمان السياسة – سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية”
يبقى الكتاب مفيدا لمن يريد ان يطلع على الاوضاع السياسية في الشرق الاوسط منذ منتصف القرن الماضي الى بداية الربيع العربي اوائل القرن الحالي، فلفهم ما يجري حاليا لابد من الاطلاع على مقدماته.
* ملخص الكتاب ومقدمته ادناه:
ملخص الكتاب
تتحدث السيرة عن العقود السبعة التي عاشها الكاتب منذ اربعينيات القرن الماضي حتى الآن، منذ طفولته المبكرة في مدينة القدس التي بدأت بنكبة فلسطينية ثم هجرة ورحيل تطور إلى غربة دائمة وانقطاع عن الموطن الأول وانتقال لموطن جديد ليشهد ملامح الحياة السياسية الديمقراطية في سوريا ثم الانقلابات العسكرية الأولى التي رافقتها ولينخرط في الاهتمام بالسياسة التي أدمنها منذ الصغر بحكم عوامل عديدة منها بشكل خاص هزيمة 48 ذاتها، ليتعزز الأمل في تجاوزها مع صعود عبد الناصر للسلطة والنجاح في صد العدوان الثلاثي على مصر ومنعه من تحقيق أهدافه، والتعلق بالوحدة العربية كحل سحري يعيد للعرب القدرة على صنع تاريخهم من جديد، والانخراط في التيار الناصري وخاصة في أجواء القاهرة التي درس في جامعتها وتخرج منها بالإضافة للانتماء لتنظيم سياسي ناشئ، “حركة القوميين العرب”، التي كانت، حسب اعتقاده حينها، رافعة هامة لتحقيق الأهداف الكبيرة.
تتعرض السيرة لما عايشه الكاتب من تطورات في “الحركة” سياسية وفكرية بالانتقال من الافكار القومية التقليدية إلى الأفكار الاشتراكية، ودور “الحركة” في الأحداث الجارية في منطقة الشرق الاوسط، والهزيمة التي شهدتها بانهيار الجمهورية العربية المتحدة وإعلان الانفصال السوري، الذي تلاه تجربة الكاتب الأولى في الاعتقال السياسي في سجن المزة بدمشق ثم مواكبته لانقلاب 8 آذار الذي أتى بحزب البعث للسلطة الذي رغم أنه كان من أهم الأحزاب الوحدوية، فقد كرس الانفصال وأنشئ حكماً قطرياً سورياً استبداديا، أدى الصراع معه من خلال “الحركة” لاعتقال جديد للكاتب ولمدة أطول في سجن السويداء، إلى أن اندلعت حرب حزيران لتستولي إسرائيل على أراض عربية جديدة، وأثر الهزيمة الجديدة على “الحركة” التي هربت للأمام نحو الأفكار الماركسية والكفاح المسلح. وينتقل الكاتب للأردن للالتحاق بالجبهة الشعبية ثم يساهم بتشكيل ما اصطلح على تسميته “البؤرة الغيفارية” على حدود الجولان في محاولة فشلت منذ بدايتها في إرساء “مقاومة” سورية مفترضة، إلى جانب المقاومة الفلسطينية التي انطلقت ونجحت بالاستمرار لفترة طويلة.
كما تتحدث السيرة عما مر به الكاتب من اعتقال جديد في سجن القلعة بتهمة “قتل” سياسية ملفقة من قبل الأجهزة الأمنية البعثية التي كان يقودها عبد الكريم الجندي والذي انتحر فيما بعد أو “نحر”. ثم خوض محاكمة طويلة انتهت بعد ثلاث سنوات بحكم البراءة. لينتقل بعد الخروج من السجن مباشرة إلى لبنان للمشاركة في العمل العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي كان يقودها نايف حواتمة، والتي انتقلت مع بقية الفصائل الفلسطينية إلى لبنان بعد خروجها من الأردن إثر الحملة العسكرية التي شنتها ضدها السلطة الاردنية في “أيلول الاسود” والتي انتهت بإزالة أي وجود عسكري او سياسي لها من الأردن. الكاتب في لبنان عمل كمسؤول عن القطاع الشرقي للجبهة ثم مسؤولاً عن ميليشيات الجبهة في مخيمات لبنان، لكنه لم يستمر طويلاً لعدم توافقه مع قيادة الجبهة فتركها وغادر لبنان بعد ان شهد بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، ليتزوج وينتقل إلى بغداد ويعمل في اختصاصه حيث كان قد تخرج من كلية زراعة عين شمس بالقاهرة.
كانت تلك نهاية عمله السياسي الملتزم بتنظيم ما ولكن ليبقى الاهتمام بالشأن السياسي ومتابعة ما يجري في المنطقة وخاصة التدخل العسكري السوري في لبنان والعمليات الإرهابية للطليعة المسلحة للإخوان المسلمين في سوريا التي تلتها مجزرة حماة. كما تابع توجه أنور السادات للصلح مع إسرائيل وأحداث الثورة الإيرانية وغرق العراق في مستنقع الحرب مع إيران بالإضافة لغرق السوفييت في المستنقع الأفغاني، ثم احتلال إسرائيل لعاصمة عربية، دون أن تحرك الدول العربية المجاورة ساكناً، لتليها متابعة ما حدث في لبنان إثر الاجتياح الإسرائيلي من حرب مخيمات وإخراج ياسر عرفات من طرابلس وانتفاضة الحجارة في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
خلال هذه الفترة تطور فكر الكاتب من الماركسية إلى نقدها مع اكتشاف المفكر الماركسي المصري سمير امين، وقراءات لإلياس مرقص وياسين الحافظ ودويتشر وروزا لوكسمبورغ وتروتسكي وغيرهم، بالإضافة لمتابعة ما حدث من تمردات على الهيمنة السوفييتية في أوروبا الشرقية بدءاً بثورة المجر ثم ربيع براغ كبداية لتليها حركة التضامن في بولونيا، مع خوض نقاشات حول جميع هذه الافكار والأحداث مع شلل من الأصدقاء المتابعين للشأن السياسي في سوريا، ليندفع الكاتب مع صديقه وليد مبيض لكتابة دراسة عن بيروسترويكا غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي، التي أعقبها سقوط جدار برلين وتحرر دول أوروبا الشرقية من الهيمنة السوفييتية ثم انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه. لينتقل الكاتب من نقد الماركسية من داخلها إلى نقدها بعد التخلي عنها بنشر دراسة حول أولوية الوقائع على النصوص، والتوجه لكتابة مقالات سياسية في نشرات لتنظيمات سياسية ثم في صحيفة “الكفاح العربي” اللبنانية بعد أن أصبح هناك هامش ضيق للكتابة دون التعرض لمشاكل كبيرة مع أجهزة الأمن السورية.
المقالات السياسية بأغلبها كانت تعكس الهم الديمقراطي الذي أصبح له الأهمية الأولى لدى الكاتب بالإضافة لحقوق الإنسان والحقوق القومية للأقليات وحقوق المرأة والحريات الدينية. لم يغب الاهتمام بالشأن الفلسطيني، لكنه أصبح في المرتبة الثانية مع القبول بالحل المرحلي بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وبفك الاشتباك التاريخي مع إسرائيل والانتقال لحلول واقعية. وصار بإمكان الكاتب أن ينشر مقالاته في صحف سورية وعربية منها الحياة والنهار والسياسة الكويتية وصحف أخرى مختلفة ومواقع الكترونية سياسية، متعرضاً لانطلاق “ربيع دمشق” أوائل الألفية الثالثة، التي شهدت أحداثاً أخرى تابعها في مقالاته ومنها بشكل خاص “غزوة نيويورك” الإرهابية وما ادت إليه من تغييرات دولية وأخرى في السياسة الخارجية الاميركية تجاه المنطقة العربية والعالم، التي أصبح ممكنا الابتعاد عن “شيطنتها” السائدة أثناء الحرب الباردة المنقضية، ليليها غزو أفغانستان و”الزلزال العراقي” الذي أدى لاستئصال أول نظام ديكتاتوري عربي، وما تلاه من عملية سياسية لإنشاء نظام ديمقراطي في العراق على وقع العمليات الإرهابية لتنظيم القاعدة وفلول النظام القديم، التي ابتلى بها العراق بعد الاحتلال الأميركي.
كما يشير النص لمشاركة الكاتب في مؤتمر قبرص لحق العودة الفلسطيني ومؤتمر إربيل الذي اهتم بالعلاقات الكردية العربية، فالمسألة الكردية كانت من اهتماماته التي جعلته ينشر حولها العديد من المقالات وخاصة حول انتفاضة القامشلي والحركة السياسية الكردية في سوريا. كما يعطي النص فكرة عن كتابين ألفهما بمشاركة وليد مبيض، يبحث أحدهما في العلاقات الروسية العربية في القرن العشرين، والآخر في خيارات إيران المعاصرة، بالإضافة لفكرة عما تضمنته دراسة لإشكالية الديمقراطية في حركة القوميين العرب التي قدمت ل “مركز دراسات الديمقراطية في البلدان العربية” الإماراتي. كما يعرض الكتاب لمقالات نقدية للاتجاهات السياسية الرئيسية في المنطقة العربية ومنها التيار القومي العربي الذي ما يزال مصراً على التمسك بشعارات مضى زمانها، وتيار الإسلام السياسي بأشكاله المختلفة من حماس وحزب الله والإخوان المسلمين السوريين والطالبان والمحاكم الإسلامية الصومالية، والنظام الديني الإيراني بعد إقصائه للتيار الخاتمي من السلطة الذي فشل في تنفيذ إصلاحاته وإنتقل لصفوف المعارضة وشارك في الانتفاضة الشعبية التي تلت تزوير الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة.
كما يتعرض الكتاب للمقالات التي نشرت حول قضايا الاقليات في المنطقة العربية ومنها إلى جانب الكردية، القبطية والامازيغية والأيزيدية والبهائية، وأزمة الوجود المسيحي في المشرق العربي. ويبدي اهتماما خاصاً بالشأن السوري من خلال التعرض لمحاولات الإصلاح السياسي الفاشلة للنظام السوري، ودور ثورة الأرز بإنهاء الوجود السوري في لبنان، ونقد المعارضة السورية وإعلان دمشق من موقع مؤيد، وخاصة “حزب الشعب” السوري الذي تحول من تنظيم ماركسي إلى حزب يساري ليبيرالي لم يقطع نهائياً مع أوهام الأيديولوجيا الشمولية، ونقد لنموذج حزب “ما العمل؟” اللينيني المعروف، بالإضافة لمشاركة الكاتب في مؤتمر للمعارضة السورية بواشنطن، ولتقديم اقتراحات لبرنامج ليبرالي سوري كمشاركة في “ورشة نقاش سورية” تضم مهتمين بانتقال سوريا من الاستبداد إلى الديمقراطية.
وينتهي النص برأي الكاتب في ثورات الربيع العربي وأمله في نجاح الثورة السورية في تغيير النظام القائم، بعد عرض سيرة، تكاد تكون سياسية أكثر منها ذاتية، رغم التعرض لشؤون شخصية، موزعة على مائة وخمسة عشر عنواناً ومكونة من حوالي مائة وثلاثين ألف كلمة، لمشاركته ومتابعته وشهادته على العصر خلال حياته الحافلة.
مقدمة الكتاب
الحياة مسيرة طويلة من المعاناة والألم والفرح والنجاح ومعاني أخرى كثيرة لكنها تستحق أن تعاش بلحظاتها الحلوة والمرة مع طلب المزيد. لكن الكتابة عنها ليست بنفس صعوبة خوض غمارها والانتقال بين مراحلها المختلفة. وقد تمنيت لو كتبت مذكرات شبه يومية بحيث لا أحتاج لمحاولة التذكر لما حدث في سنوات العمر المديدة، فالكتابة المتأخرة تضطر صاحبها للتركيز على المفاصل الرئيسية التي تركت أثرها في حياته ولا يمكن نسيانها، لتضيع تفاصيل تمحوها الذاكرة الانتقائية.
كانت حياة حافلة بأحداث متلاحقة من نكبة ولجوء وانتقال من بلد لآخر وسجون ومحاكمات وتطور فكري وثقافي وسياسي مع آخرين متنوعين ترك كل منهم أثره فيها. قد لا نسيطر على الظروف والأحداث التي تمر بنا في الأماكن التي نولد ونتواجد فيها والأزمان التي نعايشها، ولكن ذلك لا يمنع من أن لاختيارنا دور في توجيه حياتنا الى الوجهة التي ذهبت إليها. قد تكون الولادة في القدس ثم قضاء السنين الأولى من العمر في دمشق الخمسينيات الحافلة بالسياسة حددت الطريق منذ البداية، ولكن لا يمكن تجاهل دور الاختيار الحر وإمكانية توفر الفرص لخيار مغاير. لحظات الندم كانت قليلة والأغلب كان الشعور بأن الحياة لها مغزى وهدف قد يتغير، لكنه ينطلق دائماً من فهم أنه الهدف الأفضل لغالبية المجتمع المعاش ضمن إطاره.
وفيما عدا الظروف المكانية والزمانية فالدور الأكبر في التأثير على مسيرة الحياة هم أصدقاء قريبين وبعيدين ذكرنا العديد منهم وربما نسينا البعض الآخر، أصدقاء من المجال السياسي وليس أصدقاء الطفولة أو الدراسة أو العمل الوظيفي، تبدلوا في المفاصل الأساسية للحياة وتغيرت مواقفهم قرباً وبعداً لأسباب مختلفة ولكن ظلت الصداقة مزدهرة بأشخاصها المتعددين كأهم ما في الحياة من علاقات إنسانية بالآخر. الأصدقاء وليس الأهل كان لهم الأولوية في كثير من الأوقات بحكم تشتت العائلة في بقاع الأرض المختلفة بسبب الهجرة من الوطن المحتل وتقطع الصلات بين أفرادها.
لا طريق ممهد في الحياة أو مخطط له مسبقاً، بل التجربة والخطأ الطريق الوحيد السالك فيها، بما في ذلك من فشل متكرر ونهوض من جديد، إذ كانت هناك أوهام في البداية بتبني أيديولوجيا محددة، سرعان ما تحطمت على صخرة واقع التطور الإنساني الذي لا تحكمه قوانين مسبقة ولا ثوابت فكرية جامدة كما كنا نظن، بل إنه يخط طريقه بتأثير عوامل متضافرة ومجتمعة دون أن يكون لأحدها أفضلية على الآخر في التأثير على مجرى الحياة. تعلمنا من تجربة طويلة أن نرمي الثوابت جانباً وننظر بالدرجة الأولى للمتغيرات التي لا تغير شكل الحياة فقط، بل مضمونها أيضاً.
التعلق بالأيديولوجيا كان الخطأ الرئيسي الأول لما يقارب عقدين من الزمن، والخطأ الثاني كان قبولنا، بتأثير تبني الايديولوجيا، لتأجيل الديمقراطية لمرحلة تالية قادمة بعد استنفاذ أهداف التحرير والوحدة والاشتراكية. لم ننتبه إلا بعد فشل متلاحق أن حرية الإنسان هي التي تصنع التاريخ الحديث وتمكن من الوصول لجميع الأهداف الأخرى. كان بديل الاعتراف بالوقائع الموضوعية العنيدة الهروب إلى الأمام مع موضة العصر في ذلك الوقت وإلقاء مسؤولية الهزائم على طبقات سائدة في المجتمع، فيما المسؤولية يتحملها المجتمع بكل طبقاته. الاستغراق في الأيديولوجيا لم يستمر طويلاً فقد تعلمنا إثر تجارب طويلة نقد أية أفكار مهما كانت منتشرة ومقبولة في الحقل السياسي، حتى لو بدونا نسير عكس التيار السائد. وأول ممارسة لذلك كانت نقد “الماركسية” وإعادة تقييم الأفكار القومية العربية المتبناة سابقاً، والانتقال للكتابة السياسية لما لها من قدرة على إيصال الأفكار والتحليلات السياسية لأكبر عدد من المهتمين.
لا أظن أنه كان هناك خطأ في تبني الديمقراطية وحقوق الإنسان كأولوية على أي شيء آخر، فقد جاءت الأحداث بعد انهيار الإمبراطورية السوفييتية لتثبت أنها النظام الوحيد الذي يمكّن البشر من ممارسة حياتهم على أفضل وجه، والوسيلة لتحقيق الأهداف الأخرى للجميع بلا تمييز. وبذلك انخرطنا في نشاطات ما سمي “بربيع دمشق” في أوائل القرن الجديد بشكل مستقل دون الالتزام بجهة سياسية ما، بقناعة أن الفلسطيني في سوريا قضيته الرئيسية العمل في إطار المجتمع السوري من أجل ديمقراطية علمانية. وكان ذلك بكتابات تلتزم بالديمقراطية كتوجه رئيسي وتتناول الأحداث بالتحليل وتشخص نتائجها بروح نقدية لكافة التيارات السياسية في الساحة السورية خاصة والعربية والكردية عامة.
هذه الجهود لم تذهب هدراً كما حصل للجهود العربية المختلفة المتحولة لحروب وهزائم وكوارث لتحرير مستحيل “من البحر إلى النهر”، بل أثمرت في النهاية ليس الثورة السورية فقط، بل الربيع العربي الديمقراطي في ست بلدان عربية، والباقي قد يأتي دوره لاحقاً. جهودنا لم تصنع الثورات التي انطلقت شرارتها من الأجيال الشابة، وليس من السياسيين المخضرمين، لكن الجهود كانت نقاط في نهر، فقطرات المطر تتجمع من كل حدب وصوب لتتحول إلى سيل جارف. لكن لم تساورنا الأوهام حول أن ما بعد الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا سيكون ربيع ديمقراطي دائم، فما حدث فتح الأبواب لتطور نحو الأفضل، بعد أن كانت مغلقة ويقف لحراستها أنظمة استبدادية وتيارات أيديولوجية، “حراس الثوابت”، الذين عملوا لإغلاقها بحجة الأفكار المدعاة عن “المقاومة والممانعة”، التي تلطت خلفها طويلاً أنظمة ومنظمات لمنع التحول للديمقراطية.
من حسن حظنا أننا عشنا لنرى براعم الحرية والديمقراطية بدأت بالتفتح كما انتعشت الآمال بمستقبل أفضل للشعوب العربية. ولا ينتقص من ذلك صعود تيار الإسلام السياسي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، فالثقة بأن الصناديق لن تدع في السلطة من تتعارض أهدافه مع مصالح الناس في الحريات الفردية والحداثة والحياة الدنيا الأفضل، وسيصحح الناس تصويتهم لصالح من يعمل من أجل هذه الأهداف. لن يتمكن الإسلام السياسي أن يفرض على مجتمعات ناهضة من أجل الحرية والتقدم أفكار مستقاة من نصوص قديمة لم تعد ملائمة للعصر، فهو سيذهب لنفس نهايات أنظمة الاستبداد القومية و”الاشتراكية” إن لم يتكيف مع العصر بالتخلي عما لم يعد مناسباً من التراث كما حدث في تركيا. الأبواب فتحت ولم يعد بإمكان أحد إغلاقها بأية حجة حتى لو كانت “مقدسة”. الحداثة والعلمانية آتية لا ريب فيها، إذ أن التجارب أثبتت أنها مرافقة للديمقراطية التي لن تنجح دونها.
نأمل أن تكون كتابة هذه السيرة السياسية التي تلخص تجربة شخصية بالإضافة لكتابات سياسية في مواضيع مختلفة نقطة في بحر الديمقراطية التي سيكون المستقبل لها في دول المنطقة العربية، التي أعيق طويلاً تطورها ولحاقها بالمسيرة الإنسانية الظافرة.
المصدر: صفحة جورج كتن