أمين العاصي وعثمان لحياني
بات النظام السوري رسمياً خارج القمة العربية المقبلة، والمقررة في العاصمة الجزائرية في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ما يعني فشل الجهود لإعادة تعويم هذا النظام، بعدما رفضت دول عربية “فاعلة” مشاركته في القمة.
وقال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في تصريح صحافي على هامش افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان الجزائري، أول من أمس الأحد، إن “الجزائر جاهزة” لعقد القمة العربية المقررة في الأول والثاني من نوفمبر.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية أن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد أبلغ لعمامرة، في اتصال هاتفي، بأن دمشق “تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر، وذلك حرصاً منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
وجاءت هذه الصيغة لتشكل مخرجاً سياسياً يرفع الحرج عن الجزائر، ويعفيها من التمسك بمطلب إدراج عودة سورية إلى مقعدها. ومن شأن استبعاد ملف مشاركة سورية إزالة أحد أبرز النقاط الخلافية بين الجزائر كبلد مستضيف للقمة وعدد من الدول العربية التي ما زالت ترفض مشاركة نظام الأسد في القمة.
وكانت الخارجية الجزائرية قد حاولت أخيراً إيجاد توافق عربي على دعوة النظام السوري للقمة المقبلة، تمهيداً لعودته إلى الجامعة العربية، والتي كانت قد علّقت عضويته بعد قرار أصدره وزراء الخارجية العرب في 12 نوفمبر 2011، في ذروة الحراك الثوري السلمي في سورية، عقب رفض النظام السوري مبادرة للحل طرحتها الجامعة.
ودعت المبادرة التي لم يكترث بها النظام، إلى وقف كل أعمال العنف، والإفراج عن المعتقلين، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سورية. كما دعت الجامعة في حينه لسحب السفراء العرب من دمشق، إلا أن دولاً عربية لم تلتزم بالقرار نظراً إلى أنه غير ملزم.
فشل تعويم النظام السوري وإبعاده عن إيران
في السياق، اعتبر القيادي في المعارضة السورية يحيى العريضي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن عدم توجيه الدعوة للنظام السوري للقمة العربية المقبلة “يعني فشلاً روسياً بالدرجة الأولى في تعويم هذا النظام، وجدية أوروبية – أميركية بمقاطعته والاستمرار في فرض العقوبات عليه، وأن محاسبة نظام بشار الأسد آتية”.
وأشار العريضي، وهو متحدث سابق باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إلى أن عدم حضور نظام الأسد للقمة العربية في العاصمة الجزائرية “يعني أيضاً اهتزازاً للموقف المصري، وثباتاً للموقفين القطري والسعودي”.
وأعرب عن اعتقاده بأن قرار الجامعة العربية عدم دعوة الأسد للقمة “يعني ارتياحاً إيرانياً رغم تظاهر طهران باهتمامها بعودة النظام للجامعة”.
ويبدو أن تعنّت النظام السوري ورفضه المضي الجاد في العملية السياسية وفق قرارات الأمم المتحدة وأبرزها القرار 2254 (الصادر عام 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية)، وراء رفض دول عربية عدة “فاعلة”، أبرزها السعودية وقطر، أي حضور للنظام في القمة المقبلة.
وما زال النظام، مدعوماً من الروس والإيرانيين، يرفض التعامل مع القرار 2254 الذي يدعو إلى انتقال سياسي وكتابة دستور جديد ثم إجراء انتخابات على أساسه.
وكانت دول عربية قد أعادت خلال العام الماضي علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين، بعد انقطاع دام لأكثر من عقد، في محاولة – تشير المعطيات إلى أنها فشلت – لجر النظام السوري بعيداً عن إيران، التي باتت أحد اللاعبين الأساسيين في الملف السوري.
وتتحكم إيران اليوم بالكثير من مفاصل القرار داخل النظام السوري الذي يبدو أنه ليس بصدد إعادة تقييم علاقته مع طهران، كما كانت تأمل العديد من الأطراف العربية، وهو ما أجهض المحاولات الجزائرية الحثيثة التي بُذلت لدعوة هذا النظام إلى القمة المقبلة.
محاولات فاشلة لإعادة النظام السوري للجامعة العربية
من جهته، قال الباحث في مركز “الحوار السوري” للدراسات أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، إن مسألة عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية “ليست جديدة”، مشيراً إلى أنه “منذ عام 2018 تتكرر المحاولات على هذا الصعيد وتفشل”.
ورأى أن هناك العديد من الدلالات لفشل الجزائر في تحقيق توافق على عودة نظام الأسد إلى الجامعة؛ “الأولى تتعلق بالموقف الأميركي”، موضحاً أن واشنطن “ترفض أي محاولات أو خطوات لإعادة تعويم النظام، وموقف أميركا مؤثر على هذا الصعيد، ويبدو أنها أكدت عليه مجدداً خلال اجتماع جنيف لممثلي المجموعة المصغرة الخاصة بسورية الأسبوع الفائت”.
وأشار القربي إلى أن “بعض الدول العربية جرّبت التطبيع مع النظام، ومنها الإمارات والأردن، ويبدو أنها باتت تحبّذ التريث بالانفتاح عليه بعد فشل مقاربتها القائمة على التطبيع معه للحد من النفوذ الإيراني في سورية”.
وتابع: “هناك دول عربية، منها المملكة العربية السعودية ومصر، نتيجة خلافات إقليمية، صار موقفها صلباً تجاه عدم تعويم النظام السوري خلال الفترة الحالية”.
وأشار القربي إلى أن “الدول الداعية إلى عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، ومنها لبنان والعراق والجزائر، دورها هامشي في السياسات الإقليمية بشكل عام”.
بدوره، اعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن عدم دعوة نظام الأسد إلى القمة العربية المقبلة “يعني فشل دول مثل الجزائر والإمارات في فرض أجندتها على الجامعة العربية”، مضيفاً “ولا ننسى أيضاً الضغوط الأميركية السياسية والقانونية، التي كان لها تأثير واضح في عدم توجيه الدعوة للنظام السوري”.
ورأى زيادة أن “الموقف القطري المعلن والمدعوم من السعودية الرافض لعودة النظام السوري للجامعة، كان من الأسباب التي حالت دون حضور هذا النظام القمة”، وأضاف “ليس هناك الكثير مما يمكن أن تكسبه الجامعة من عودة الأسد. الخسائر أكبر”.
موقف الجزائر حول دعوة نظام الأسد للقمة العربية
من جانبه، شرح مسؤول جزائري، لـ”العربي الجديد”، وجهة نظر الجزائر حول دعوة النظام السوري للقمة العربية، وقال إن “هناك بعض الالتباس السياسي والإعلامي حول الرؤية الجزائرية بشأن سورية”.
وأوضح أنه “نظرياً، الجزائر لم تكن بصدد دعوة سورية إلى القمة، فهي دولة مستضيفة وليست الجهة المنظمة التي هي الجامعة العربية. وباعتبار مقعد دمشق كان معلّقاً، فإن حضورها قمة الجزائر لم يكن ممكناً، لأن الأمر يتعلق بآلية عمل عربي مشترك تضبطه النصوص المنظمة لعمل هيئات الجامعة العربية، وهذا الأمر يتطلب مصادقة مسبقة من المجلس الوزاري العربي برفع التعليق أولاً”.
وتابع “ما كانت تريده الجزائر هو تضمين أجندة القمة بنداً يناقش مسألة عودة سورية إلى الجامعة العربية، على أن يكون حضورها آلياً في القمة التي تلي قمة الجزائر”.
لكن الجزائر التي توفّر لها مخرج بشأن مسألة سورية قبل القمة، تعتبر أن انعقاد القمة أولوية سياسية تستحق التضحية بالملف السوري في المرحلة الأولى، على أن تتيح القمة لها في ما بعد صفة رئاسة القمة لمدة عام، والتي تبدو كافية بالنسبة لها لإعادة طرح القضية السورية في ظرف مغاير، قد تكون المعطيات فيه تغيّرت على صعيد العلاقات بين دمشق والأطراف العربية التي تعترض في الوقت الحالي على عودة سورية للجامعة.
وهو ما أكده بيان الخارجية الجزائرية مساء الأحد الماضي، الذي ثمّن ما قال إنه “الموقف السوري الداعم لمختلف سبل تعزيز العمل العربي المشترك على المستويات الثنائية والجماعية، بما يعود بالنفع على الأمن القومي العربي بكل أبعاده”.
وأضاف البيان أن “الجزائر تعتزم مواصلة مساعيها في أفق القمة العربية المقبلة لبلورة مخرجات تمكن من تكريس هذا التوجه واستكماله على النحو التوافقي المنشود، خلال فترة الرئاسة الجزائرية قصد تحقيق انطلاقة جديدة للعمل العربي المشترك تقوم على لم الشمل”.
وفي السياق، قال عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري عبد الوهاب يعقوبي، لـ”العربي الجديد”، إن “هذا التطور يُبرز بشكل لافت التزام الجزائر بمبدأ توحيد الصف العربي والعمل على تقريب ما أمكن من وجهات النظر العربية، وفي المقابل إبداء الليونة السياسية اللازمة من أجل إزالة كل النقاط الخلافية وتحقيق ظروف أفضل لانعقاد القمة أولاً، ونجاحها على الصعيد السياسي ثانياً”.
وأضاف أن “هذا أمر مطلوب من بلد مستضيف للقمة، ومُطالب بأن يبذل ما أمكن من جهد لإنجاح اللقاء العربي، بغض النظر عن مخرجاته التي ستتحكم فيها ظروف أخرى”.
وقبل ذلك، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد أبدى ليونة كبيرة بشأن الموقف الجزائري إزاء ملف عودة سورية إلى الجامعة العربية.
وقال في حوار تلفزيوني بث في بداية شهر أغسطس/ آب الماضي، إن “بقاء سورية خارج المجموعة العربية لم يعد مقبولاً ولا مبرراً، لكن هناك تفهماً للموضوع من قبل السوريين أنفسهم”، وتابع “الإخوة في سورية أكدوا أنهم لن يكونوا سبباً في مزيد من الخلافات العربية، ولديهم ولدى كل الأطراف العربية وقت كاف للتفكير”.
المصدر: العربي الجديد