نيري زيلبر
مقالات وشهادة
يعارض كل من لبيد ونتنياهو استئناف «خطة العمل الشاملة المشتركة» – لكن من غير المرجح أن يقولا خلاف ذلك علناً حتى لو أيدا المقترحات الأخيرة.
منذ أسبوعيْن، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس، في وقت متأخر من بعد الظهر، عن عقد مؤتمر صحفي عاجل في صباح اليوم التالي دعا إليه وسائل الإعلام الدولية. وبطبيعة الحال، قاطعت وسائل الإعلام الرئيسية بث برامجها وأعادت تنظيم جداولها ووصلت مبكراً وفق تعليمات بروتوكولات الأمن الصارمة. ولكن بغض النظر عن جدول رئيس الوزراء الطارئ والموضوع الرئيسي على جدول الأعمال، أي إيران، واصل حراس “الشاباك” (“جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي”) لسبب مجهول فحص الصحفيين بعد ساعتين عند مدخل مجمع المكتب القديم في حين اعتلى رئيس الوزراء يائير لابيد المنصة.
وكما كان متوقعاً، كرر لبيد معارضته لأي اتفاق نووي جديد تتفاوض بشأنه حالياً القوى العالمية مع إيران، قائلاً إن “إسرائيل ليست ضد أي اتفاق. بل نحن نعارض هذا الاتفاق لأنه سيء”. وأضاف أنه “لا يفي بالمعايير التي وضعها الرئيس [الأمريكي] [جو] بايدن بنفسه، وهي: منع إيران من أن تصبح دولة نووية”.
ثم دعا لبيد إلى وقف المفاوضات بشكل عاجل والتزام الغرب بحزم بخطوطه الحمراء. ثم حرص على الإضافة: “مع كل ما قيل، لقد أوضحنا للجميع أنه إذا تم التوقيع على اتفاق، فلن يكون ملزماً لإسرائيل …. سنتخذ الإجراءات لمنع إيران من أن تصبح دولة نووية”.
واندرج المؤتمر الصحفي ضمن سلسلة من الإحاطات العامة والخاصة التي قام بها كبار المسؤولين الإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة حول قضية برنامج إيران النووي، لا سيما في أواخر الشهر الماضي، إذ أُجريت بشكل يومي تقريباً عندما بدا أن اتفاقاً نووياً جديداً بين الولايات المتحدة (بشكل أساسي) وإيران بات وشيكاً.
واسترعى تكثيف النقاشات في إسرائيل اهتماماً دولياً كبيراً، على الرغم من العطلة الصيفية التي شارفت على نهايتها، في ما اعتبره الكثيرون إشارة إلى أن الاتفاق كان وشيكاً بالفعل. (وفي هذه المرحلة، وفقاً لمحللين، تحافظ إيران على موقف متشدد بشأن قضيتين عالقتين على الأقل، وفي 5 أيلول/سبتمبر، قال الدبلوماسي الأوروبي الرفيع إن الجانبين يبتعدان في الواقع كثيراً عن إبرام اتفاق.)
ومع ذلك، لم يوجه لبيد تعليقاته إلى واشنطن أو لندن أو برلين أو باريس أو حتى إلى طهران، بل استهدف في الواقع الجمهور الإسرائيلي. فوسط حملة من الحملات الانتخابية الإسرائيلية الكثيرة، استخدم زعيم المعارضة، بنيامين نتنياهو، إيران كقضية سياسية أساسية في وجه الحكومة الحالية.
وكرر نتنياهو مزاعمه (الخاطئة) أن لبيد “أيد الاتفاق النووي الخطير السابق” وأن الحكومة “نامت في أثناء العمل” و”سمحت” لإدارة بايدن بتجديد اتفاق “يهدد وجودنا ذاته”. وأضاف نتنياهو أنه لو كان لا يزال رئيساً للوزراء، لذهب مجدداً إلى الكونغرس الأمريكي والأمم المتحدة وقام “بحملة علاقات عامة شرسة عبر وسائل الإعلام الدولية” ضد الاتفاق.
أما لبيد، فرد أن نتنياهو يكتفي “بالمؤتمرات الصحفية والعروض التقديمية” لمعالجة هذه القضية وأنه تسبب في أضرار لا توصف ليس فقط لمعركة إسرائيل ضد برنامج إيران النووي بل لمكانة البلاد لدى الولايات المتحدة أيضاً، في إشارة إلى خطاب نتنياهو المشهور أمام الكونغرس الأمريكي في عام 2015 والذي مارس خلاله ضغوطاً علنية ضد إدارة أوباما (وبعد ذلك تم التوقيع على الاتفاق النووي الأصلي).
وتعتّم هذه المعركة العلنية جداً بين السياسييْن الرئيسييْن في إسرائيل على حقيقة جوهرية واحدة هي أن الرجلين يعارضان تجديد الاتفاق النووي مع إيران ويستخدمان العديد من الوسائل عينها لتحقيق هذه الغاية (وإن كان ذلك مع اختلافات واضحة في الأسلوب والنبرة). وهذا على وجه التحديد ما حاول لبيد تسليط الضوء عليه، لا سيما للإسرائيليين.
وفي الأسبوع الماضي، قال لبيد بعد دعوة نتنياهو لتلقي إحاطة أمنية بشأن القضية أن “في مسائل الأمن القومي، لا توجد معارضة أو تحالف”. وأضاف “أدعو زعيم المعارضة والجميع إلى عدم السماح للاعتبارات السياسية بأن تضر بأمننا القومي”. كما أرسل لبيد في الأسابيع الأخيرة مستشاره للأمن القومي ورئيس جهاز المخابرات، “الموساد”، ووزير الدفاع بيني غانتس إلى واشنطن لإجراء محادثات رفيعة المستوى. وبطبيعة الحال كانت هناك الحرب الإعلامية المستمرة. .
وقال لي مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، “بالنسبة لنا [برنامج إيران النووي هو قضية] وجودية… ويمكنك أن ترى أنه لا يوجد خلاف سياسي حول هذا الموضوع”. وأضاف “لا يتفق [رئيس الوزراء] وزعيم المعارضة على أمور كثيرة”، ولكنهما يتفقان على هذه القضية.
ولكن نتنياهو لم يلِن وصرّح للصحفيين بعد اجتماعه مع لبيد، قائلاً، “لقد خرجت [من الإحاطة] أكثر قلقاً بعد الاجتماع مما كنت عليه عندما ذهبت”. وكرر مطالبته بممارسة المزيد من الضغط على إدارة بايدن لإفشال الاتفاق الذي يلوح في الأفق.
وتابع نتنياهو لافتاً إلى أن “الضغط الذي مارسناه أدى في النهاية إلى إخراج الولايات المتحدة من الاتفاق [الأصلي]”، في إشارة إلى انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق في أيار/مايو 2018.
لقد فشلت حملة “الضغط الأقصى” التي أعقبت هذا الضغط وشنها ترامب ضد إيران حتى وفق شروطها الخاصة، كما ذكر سابقاً كاتب هذه السطور في مجلة “نيو لاينز”: لم ينهار النظام الإيراني في وجه العقوبات الاقتصادية المتزايدة، ولم يعد إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد بشروط أكثر ملاءمة للغرب، ولم يوقف دعمه لوكلائه الإقليميين وفقاً لتقديرات المخابرات الإسرائيلية.
وصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، علناً عند توليه منصبه في العام الماضي أن برنامج إيران النووي قد وصل إلى أكثر المراحل تقدماً على الإطلاق. وفي الوقت نفسه، وبشكل دلالي، ندد عدد من كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين المتقاعدين بانسحاب ترامب من الاتفاق الأصلي وبحملة نتنياهو التي سبقته، لأنه تسبب في أضرار هائلة طالت المصالح الإسرائيلية. ويُعَد الكثيرون من هؤلاء المسؤولين من الأصوات الوحيدة في الجدل الإسرائيلي التي تدعو حالياً إلى العودة إلى الاتفاق باعتباره “الخيار الأقل سوءاً”.
وربما يستطيع هؤلاء تقديم هذا الاقتراح لأنهم لا يواجهون نتنياهو في الانتخابات. وشغل نتنياهو منصب رئيس الوزراء على مدى أكثر من عقد، ولطالما صوّر في عهده التهديد الإيراني والاتفاق النووي ضمن مشهد كارثي مأساوي يحفل بصور محرقة يهودية أخرى. ويواصل اتباع هذه الاستراتيجية الآن، ولا سيما قبل انتخابات 1 تشرين الثاني/نوفمبر. وكشف استطلاع للرأي أُجري في أواخر العام الماضي أن الإسرائيليين قد فهموا الرسالة، حيث أيدت الأغلبية العمل العسكري لحل الأزمة وليس الدبلوماسية.
وليس من المستغرب أن يعارض لابيد وغانتس وأعضاء الحكومة الحالية، أي اتفاق نووي جديد، وهم جميعاً “يقولون الأمر نفسه ويؤمنون بالأمر نفسه”، كما أخبرني المسؤول الكبير.
أما السؤال الحقيقي الذي يُطرح في إطار تسييس الملف النووي الإيراني في إسرائيل، فيتمحور حول قدرتهم على قول خلاف ذلك علناً، حتى لو آمنوا به.
ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم إبرام أي اتفاق نووي جديد فعلياً قبل توجه الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع. وإذا لم يُعقد اتفاق، فمن شبه المؤكد أن تواصل المعارضة الإسرائيلية احتجاجاتها بغض النظر عن الفائز، بموازاة التقدم المطرد لبرنامج إيران النووي.
نيري زيلبر صحفي مقيم في تل أبيب وزميل مساعد في معهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع “نيو لاينز” (New Lines).
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى