طارق علي
بسبب سوء خدمات الصحة والسلامة العامة والبيئة، وتلوث مصادر المياه وتدهور الواقع الصحي في سوريا عموماً، تتزايد الأمراض التي تصيب السوريين، لا سيما التهابات الكبد والزحار والأمراض الجلدية وغيرها من الأمراض المعدية، والتي يشكل انتشارها خطراً على المجتمع.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد وجهت نداءً طارئاً خلال العام الجاري لتوفير نحو 257 مليون دولار للرعاية الصحية في سوريا.
وبحسب المنظمة، فإنّه خلال العام الجاري، سيكون هناك نحو 12 مليون شخص بحاجة للمساعدة الصحية، بينهم أربعة ملايين نازح، ونحو 1.3 مليون طفل دون سن الخامسة، يشمل ذلك قرابة 500 ألف حالة ولادة متوقعة، وأيضاً 3.3 ملايين امرأة في عمر الإنجاب بين 15 و49 عاماً.
المنظمة الأممية أكدت أن زهاء نصف مليون من كبار السن سيحتاجون بدورهم لرعاية صحية شاملة وكافية، ويضاف إلى كل ما سبق الأشخاص المصابون بأمراض غير معدية، ولكنها مسؤولة عن قرابة 45 في المئة من مجمل أسباب الوفيات في البلاد، فضلاً عن الإعاقة التي تؤثر في 1.3 مليون سوري.
يمكن الحديث هنا بعد قراءة البيان الأممي بهدوء، عن كم التحديات والمخاطر والمشكلات التي يواجهها النظام الصحي في سوريا، والتي نجمت بصورة مباشرة عن انعدام الأمن الصحي الوقائي المزمن والمستمر، كإحدى أبرز نتائج الحرب التي أدت إلى تردي الواقع الصحي وانغلاقه وانهياره المتسارع، يمكن الاستدلال على ذلك ببساطة من جملة معطيات، أولها وأبسطها نزف الجسم الطبي حتى بات يخشى أن تصل البلاد إلى مرحلة لا أطباء فيها… وغير ذلك الكثير أيضاً.
الأخطر التهاب الكبد
ومن ضمن المخاطر تلك ارتفاع معدل الإصابات بأمراض التهابات الكبد، حصل ذلك على الأقل في حمص وطرطوس وحماه، وقد يكون حصل في أماكن أخرى، والمتهم بحسب مطلعين على الملف هو تلوث مصادر مياه الشرب بالدرجة الأولى.
“لا يمكن القول إنّ إصابات التهاب الكبد جديدة في سوريا، ولكن الطارئ هو ارتفاع نسبتها في الآونة الأخيرة”، يقول الطبيب علاء لـ”النهار العربي”، مضيفاً أنّ السبب يعود بالدرجة الأولى إلى تلوث مصادر المياه، سواء أكانت ينابيع أم مياه خزانات، وبكل الأحوال فالأمر بحسب الطبيب ليس مزحة، ويجب الوقوف عنده طويلاً، فهو على المدى البعيد سيحمل نتائج قد تكون كارثية.
أضاف الطبيب أنّ التهابات الكبد هذه تكون من نوع “أ” غالباً، وهي ناجمة عن فيروس يؤثر في قدرة الكبد على أداء وظائفه، “هناك طرق أخرى للإصابة به غير الماء الملوث، يمكن مثلاً عن طريق الطعام، أو أجسام ملوثة معينة، أو الاحتكاك المباشر مع شخص مصاب، وفيما لا تحتاج الحالات البسيطة للعلاج البروتوكولي المعقد، فإن الحالات المتقدمة تحتاج لعلاج أكثر خصوصية، ولكن بالمجمل يتعافى معظم الأشخاص دون أذيات دائمة بالكبد”.
مناطق الإصابات
في ريف حماه، سُجّلت في بلدة واحدة (بلدة السعن) في فترة متقاربة إصابة أكثر من 30 شخصاً بالتهاب الكبد. السلطات المعنية فتحت تحقيقاً بالأمر وحللت مياه الشرب ليتبين خلوها من الملوثات، قبل أن يستقر الاتهام على مثلجات “البوظة”، بحسب ما علم “النهار العربي” من مصادر في المنطقة، ليتم أخذ عينات من المثلجات تلك وتحليلها في مخبر مديرية التجارة الداخلية. وكذلك حامت الشكوك حول مياه أحد المسابح في المنطقة والذي أخذت منه عينات للدراسة أيضاً.
“النهار العربي” تواصل مع أحد المتعافين هناك ليؤكد أنّ ما أصابه كان نتيجة تناوله للمثلجات، “الطبيب أكد لي ذلك”، يقول، فيما يقول متعاف آخر: “أقعدني المرض قليلاً عن طلب الرزق وأنا معيل أسرتي الوحيد، ما زاد من معاناتنا قبل أن أتماثل للشفاء التام”.
وفي قرية (بتيسة تارين) غرب حمص، كانت هناك إصابات أيضاً، ويضاف إليها إصابة 16 تلميذاً في مدرسة البياضية في مصياف نتيجة تلوث آبار القرية وخزانات المياه.
إلا أنّ الخطورة تكمن، بحسب المعطيات، في منطقة الدريكيش في ريف طرطوس، التي تشهد اكتظاظاً سكانياً كبيراً، فهناك ارتفاع كبير بمعدل الإصابات بالتهابات الكبد، ففي بعض الأحيان كان يتم تسجيل أكثر من عشر إصابات يومياً.
تسرّب المياه الآسنة
مصدر طبي من المنطقة (الدريكيش) ذكر لـ”االنهارالعربي” أن تحليل عينات عشوائية من مياه الشرب أثبت وجود جراثيم فيها، وهذه النسبة لا تزال تختلف صعوداً وهبوطاً بين أسبوع وآخر.
الجهات الصحية في الدريكيش طلبت من الأهالي تفريغ الخزانات المائية وتنظيفها ووضع حبوب الكلور داخلها خلال التنظيف، والأمر ذاته ينسحب على المدراس وبقية المرافق.
ويعتقد على نطاق واسع أنّ أبرز أسباب تلوث المياه الجوفية هو سوء شبكة الصرف الصحية والبنية التحتية بصورة عامة، ما يسمح بتسرب المياه الآسنة إلى المياه الجوفية، فضلاً عن مخلفات المعامل وغيرها. فمثلاً يمكن الحديث عن أنّ المعامل لا تمتلك منشآت خاصة تابعة لها مختصة بإتلاف أو معالجة أو تدوير النفايات الخاصة بها، والتي تحوي مواد جرثومية أو كيماوية.
أرقام رسميّة
وكانت سوريا حتى العام الماضي قد سجلت نحو 6200 إصابة بالتهاب الكبد “ب” و6000 إصابة التهاب الكبد “سي”، فيما تباهي السلطات الصحية بأنّها لا تزال توفر الخدمات التشخيصية والعلاجية مجاناً من خلال مراكز متخصصة في دمشق واللاذقية وحماه وحمص وحلب. بيد أنّ هذه الأرقام مشكوك بصحتها في ظل كل ما تعانيه المنظومة الصحية من تهاو.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأنّ “11 عاماً من الصراع جعلت النظام الصحي السوري يكافح من أجل التأقلم، وأنّ التجمعات السكانية في جميع أنحاء البلاد تعاني عدم وجود مرافق صحية عاملة كافية، أو إمدادات طبية أساسية، أو موظفين مؤهلين”.
المصدر: النهار العربي