أحمد طه
تمر ذكرى الاختفاء القسري في 30 آب/أغسطس كما مرت قبلها ذكرى كيماوي الغوطة ومجزرة داريا ومجزرة بانياس ومجزرة الحولة. ليس الهدف هنا استعراض مجازر النظام وأفعاله الجرمية فهي أكثر من أن تستعرضها مقالة بل تحتاج إلى كتب لتؤرخ لهذه المقتلة، صحيح أن جريمة الاخفاء القسري ليست الجريمة الوحيدة التي ارتكبها النظام بحق السوريين، لكن هذه الجريمة هي جرح نازف، فشهداء القصف الكيماوي أو القصف بالصواريخ الفراغية أو العنقودية. قد ضمهم في النهاية قبر وعلم ذويهم بمصيرهم أما المختفون قسراً فلا أحد يعلم أين هم، علاوة على أنه لا أحد يعلم إن كانوا على قيد الحياة أم لا.
لكن أخشى ما أخشاه أن تتحول هذه الذكريات الأليمة لموجات من اللطم والردح ليس إلا، نبري أقلامنا على وقع ذكرياتها لتجود بعدها قرائحنا بلطميات الضحية التي افترسها القاتل، تنتهي هذه الذكرى لنعيد شحذ أقلامنا للذكرى التي بعدها وهكذا.
جريمة الاختفاء القسري التي ارتكب النظام 85.5% منها بحسب احصائية الشبكة السورية لحقوق الانسان، هي ليست جريمة بحق الأشخاص المختفين قسراً أو عوائلهم وحسب، بل هي جريمة بحق الإنسانية كلها، فـ”مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا”.
اعتقال إنسان بدون مذكرة قضائية هو بحد ذاته مخالف للمعايير الإنسانية، فكيف إذا كان هذا الاعتقال بدون سبب جرمي وفي مكان أو لدى جهة لا أحد يعلمها، ولا يكاد يخفى على أحد أن الاعتقال بموجب مذكرة قضائية في سورية هو ترف نحلم به ولم ندركه أو نصل إليه.
المؤسف في هذا الملف كما في الملفات الأخرى أن المعارضة السورية ورغم تكرارها لمقولة ومبدأ أن قضية المعتقلين ومثلها قضية المختفين قسراً هي مبدأ فوق تفاوضي ولكنها ورغم ذلك، فجلسات التفاوض مع وفد النظام يتم عقدها في المواعيد المقررة لها بدون أي اعتبار لهذا المبدأ الفوق تفاوضي، أو أي اقتراح لإيقاف المفاوضات ريثما يتم الكشف عن مصير مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسراً، فكيف يصح أن يتم التفاوض مع النظام الذي قتل وقصف ودمر واعتقل، على الدستور ومبادئ الدستور، وهي كما نعلم جميعًا مفاوضات لإضاعة الوقت ليس إلا، وهو يحتجز مئات الآلاف من المعتقلين في سجونه.
بل الأنكى من ذلك أن يبلغ (غير بيدرسون) وفد المعارضة بتأجيل الجلسة التاسعة التي كان من المقرر عقدها في تموز/يوليو من هذا العام، وذلك بناء على طلب وفد النظام الذي عبر أنه “سيكون مستعدًا للمشاركة في الدورة التاسعة فقط عندما تتم تلبية ما وصفها بالطلبات المقدمة من الاتحاد الروسي” والمقصود هنا المقترحات الخاصة بتغيير مكان انعقاد جلسات الدستورية عن جنيف وبالتالي عن غطاء الأمم المتحدة، كل هذا بسبب إجراءات الحصول على الفيزا أو أثناء التفتيش في المطار بجنيف للمبعوث الروسي لسورية ألكسندر لافرنتييف.
أي أن وفد النظام ومن وراءه المشغلين الروس يوقفون المفاوضات بل ويصرون على تغيير المكان لمجرد إجراءات الفيزا والتفتيش لمبعوثهم، ووفد معارضتنا يصر على المشاركة بل والاستمرار في العملية التفاوضية – ليظهر للعالم أن المعارضة السورية منضبطة وكيوت – على الرغم من عدم توقف عمليات النظام العسكرية وعلى الرغم أيضًا من عدم التقدم أي خطوة واحدة في ملف المعتقلين والمختفين قسرًا.
المصدر: إشراق