ياسر الحسيني
خرج رئيس الوزراء الألباني (إيدي راما) على الشاشات ليعلن بأنّ بلاده تعرضت لهجوم الكرتوني “سيبراني” غير مسبوق من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية يستهدف ضرب البنى التحتية للبلاد، وعليه أمر الدبلوماسيين والموظفين الإيرانيين بإغلاق السفارة ومغادرة البلاد خلال أربع وعشرين ساعة.
وأوضح في تصريح لوكالة فرانس برس بأنّه قرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب الهجوم السيبراني الذي وصفه:” هدّد بشلّ الخدمات العامة، ومحو الأنظمة الرقمية واختراق سجلات الدولة وسرقة مراسلات الحكومة الداخلية بهدف إثارة الفوضى والإنفلات الأمني”.
لقد اعتبرت جمهورية ألبانيا الهجوم الالكتروني بمثابة إعلان حرب من قبل إيران! فماذا عن الهجوم الذي تتعرض له معظم الدول العربية من قبل إيران؟ هجوم لم يكن مجرد اختراق الكتروني بل اختراق مادي، يستهدف المنظومة المجتمعية. هجوم لا يتّسم باللحظية كما هو الحال في العالم الافتراضي، بل هو مستمر على كافة الصعد، لم توفّر سلاحاً إلّا واستعملته إن كان على الصعيد الثقافي أو العسكري وحتى العقدي، فلماذا لا تلجأ تلك الدول العربية إلى قطع العلاقات مع إيران وهي تتعرّض لهذا الكم الهائل من الاستهداف؟ مالذي تخشاه؟!
ميليشيات الحرس الثوري الإيرانية تسرح وتمرح وتعيث فساداً وتقتيلاً في العراق وسورية، والمسيّرات الإيرانية تهاجم المملكة العربية السعودية وتضرب عصبها الاقتصادي الأهم (أرامكو) وتقصف مطار جازان المدني، وتحتلّ جزر الأمارات العربية المتحدة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) وتهدّد بإغلاق مضيق هرمز لتحرم دول الخليج العربي من تصدير النفط، وتخرج تصريحات من المسؤولين الإيرانيين تتبجّح بأنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية، فأين كلّ هذه الأفعال من الهجوم الذي تعرّضت له ألبانيا؟ يقول رئيس الوزراء (إيدي راما) بأنّهم هددوا بشلّ الخدمات العامة وهل ما فعلوه في سورية ولبنان والعراق واليمن لم يكن يصل إلى ذلك؟ لقد دمّروا البنى التحتية في تلك الدول وحرموا شعوبها من جميع مقومات الحياة كما استهدفوا حياة البشر، وخلقوا موجات نزوح ولجوء لم تشهد لها المنطقة ولا العالم مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك لا نجد سفارة لنظام الملالي قد أغلقت ولا حتى استدعاء لسفير أو قائم بالأعمال لتوجيه احتجاج على ما تقوم به من أعمال تجاوزت بكثير مفهوم إعلان الحرب، فنحن نتوسط حالة الحرب بكل أبعادها بدون إعلان، تتم عمليات التغيير الديموغرافي بدون إعلان، وتتم عمليات التصفية الجسدية بدون إعلان، ونهب ثروات البلاد بدون إعلان، فهل هذا يعني أن نظام الملالي يقوم بتلك الحرب بموافقة الأنظمة والحكام العرب ومباركتهم ونحن لا ندري؟ أم أن أميركا التي أبدت انزعاجها الشديد للحدث الأخير وتوعدت باتخاذ المزيد من الإجراءات لمحاسبة إيران، تراها لا تحرّك ساكناً لما تفعله إيران في المنطقة.
صحيح أن ألبانيا تعتبر دولة حليفة لأميركا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكن دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تعتبر دول حليفة لأميركا هي أيضاً، فلماذا لا تدعم أميركا مثل هذا الإجراء إذا ما أرادت دولة عربية اتخاذه ضدّ إيران، أم أن أميركا هي من أطلقت الحرس الثوري الإيراني ليعبث بأمن الدول العربية وتبقى “بعبعاً ” تسلّطه على المنطقة لاستنزافها حتى آخر برميل نفط. وفي المقابل قد نجد تبريراً للهجوم السيبراني الإيراني على ألبانيا، فهي الدولة التي وافقت على استضافة ثلاثة آلاف عضو من منظمة (مجاهدي خلق) المعارضة الإيرانية على أراضيها، وسمحت لهم بالنشاط السياسي ضدّ النظام الحاكم في طهران، بينما لا نجد مثل هذه المواقف قد بدرت من الدول العربية التي تناصبها العداء حكومة الملالي وتهدد أمنها واستقرارها!
مازال حدث إغلاق السفارة ساخناً، وقد قام موظفوا السفارة بإحراق الوثائق في اليوم التالي قبل المغادرة نهائياً إلى طهران حيث قامت بعض الوحدات الأمنية الألبانية بتفتيش السفارة بعد مغادرة الإيرانيين، من أجل البحث عن أدلة إضافية قد يؤدي إلى اعتبار حلف الناتو هو المستهدف وبالتالي اعتبار ذلك الهجوم السيبراني بمثابة مشاركة إيرانية في الحرب الدائرة بين روسيا والحلف على الأرض الأوكرانية مما يستوجب الرد الحاسم ليس من قبل ألبانيا فحسب بل من جميع دول حلف الناتو وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية وخاصة في الملف النووي الذي يبدو متعثرّاً في الأيام الأخيرة وقد يفشل.
المصدر: اشراق