د. زكريا ملاحفجي
انتشرت ظاهرة الاختفاء القسري في سورية، على إثر فرض قانون الطوارئ عام 1963، واتسع نطاقها إبان حكم حافظ الأسد، إذ بات الاختفاء القسري سياسة ممنهجة، تمخض عنها اختفاء عشرات آلاف السوريين، منذ عام 1970، فضلًا عن اختفاء آلاف الفلسطينيين واللبنانيين في سجون الأسد، وما زال مصيرهم مجهولًا حتى الوقت الحالي، بالرغم من مطالبات ذويهم الحثيثة السلطات السورية، بالكشف عما حدث لهم. وما هو مصيرهم ولو كان الموت، ولكن النتيجة هي اللاجواب.
الاختفاء القسري كما يعرف هو: إلقاء القبض على أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة أو دعم لهذا الفعل والسكوت عنه، أو الرفض بالإقرار بحرمان الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة.
واعتبر الاختفاء القسري للأشخاص إذا ارتكب بشكل واسع النطاق ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، جريمة ضد الإنسانية، وفق ما تم إقراره بميثاق روما عام 2002.
ويعتمد رموز النظام على إخفاء المعتقلين وعدم إيراد أية معلومة عن معظمهم، كسلاح موجّه ضد ذويه ومصدر لجني الأموال، حيث أثبتت التقارير الحقوقية أن ضباط وعناصر لدى النظام استغلوا ملفات المختفين قسرياً لابتزاز المعارضة السورية، بل حتى ميليشيات أجنبية تساند النظام في سورية ضالعة في هذه الجرائم مستغلة سلطتها المطلقة بسورية.
حتى بات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري سياسة ممنهجة، تمارسها أجهزة الأمن، ضد أي شخص يثار حوله أي شك، بخصوص عدم ولائه لنظام الأسد، كالموظفين والجنود والطلاب والمسؤولين، ممن يشتبه بأن لديهم نية بالانشقاق عن النظام أو معارضته. ووفقًا لتقارير المنظمات الدولية (منظمة العفو الدولية) و(هيومن رايتس واتش)، لجأت أجهزة أمن النظام إلى اعتقال أفراد من عائلات الأشخاص المطلوبين للنظام، واتخاذهم كرهائن لردع أقربائهم وذويهم، عن القيام بأي نشاط سياسي أو عسكري ضد النظام، وقد تعددت الجهات التي انتهجت سياسة الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سورية، بدافع تحقيق مكاسب شخصية ومادية.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان لغاية نهاية 2021 هناك قرابة 102 ألف مواطن مختفٍ منذ آذار 2011، غالبيتهم العظمى لدى النظام السوري لتحطيمهم وترهيب الشعب بأكمله.
هذا الرقم الموثق وهناك غير الموثق ويَعتبر النظام أن حالات الإخفاء القسري الضالع بها هي إحدى الأسلحة الفعالة بالنسبة له ضد الشعب السوري، وتتماشى مع سياسة بث الرعب التي انتهجها منذ عقود للتضييق على السوريين ودعم سياسة تمجيد الحاكم الواحد.
وهو سلاح للجبناء والمجرمين ممن يخشون من خصومهم ولو كانوا بالسجن أو أمام القضاء بشكل واضح ومعروف، كما يخشى الإفصاح عن مصير هذا المختفي سواء تم قتله أو مازال موجودا.
وهذا سلاح خطير انتهجه النظام وينبغي ألا يغيب عنا، وأن يحصل تحرك دولي لهذا الملف كما الكيماوي وباقي الأسلحة فهو جريمة ضد الإنسانية.
الإخفاء القسري جزء من جرائم كثيرة يمارسها نظام الأسد ضد السوريين، لذلك فإن تعويل بعض الدول على تغيير سلوك النظام بشكله الحالي هي مضيعة للوقت، كما أن السوريين لا يقبلون بالالتفاف على مطالبهم في الحرية والكرامة وتحقيق الانتقال السياسي.
المصدر: اشراق