باريس: تصاعد القلق الدولي الثلاثاء حيال ما وصفه ناشطون بحملة أمنية “دامية” في إيران ضد متظاهرين خرجوا احتجاجا على وفاة شابة بعد توقيفها على أيدي “شرطة الأخلاق” في طهران.
وتوفيت مهسا أميني (22 عاما) الجمعة بعد ثلاثة أيام من نقلها بشكل طارئ إلى المستشفى بعدما أوقفتها الشرطة الإيرانية المسؤولة عن التحقق من تطبيق قواعد اللباس الإسلامي ومنها إلزامية وضع الحجاب.
وذكر ناشطون أنها تعرّضت إلى ضربة على الرأس أثناء احتجازها، وهو أمر لم تؤكده السلطات الإيرانية حتى الآن، وقد فتحت تحقيقا بشأن الحادثة.
وتعد هذه الاحتجاجات الأخطر في إيران منذ تظاهرات تشرين الثاني/نوفمبر 2019 احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود، وهذه المرة تميزت بمشاركة أعداد كبيرة من النساء اللواتي خلعن حجابهن في بعض الأحيان في تحد لقوانين الجمهورية الإسلامية الصارمة، وفق ما أظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووقعت صدامات كانت الأعنف في محافظة كردستان التي تتحدّر منها أميني.
والثلاثاء، أعلن محافظ كردستان الإيرانية اسماعيل زاري كوشا في تصريح نقلته وكالة أنباء فارس أن “ثلاثة (أشخاص) قتلوا في ظروف مشبوهة” في إطار “مخطط للعدو” من دون تحديد تاريخ الوفيات.
ولم يذكر أي تفاصيل عن الوفاة الثالثة أو متى حدثت عمليات القتل.
ونقلت وكالة فارس عنه قوله إن “أحد مواطني مدينة ديفاندره قتل بنوع من الأسلحة العسكرية التي لا تستخدمها القوات المسلحة”، مضيفا أن شخصا آخر قتل في مدينة صاغيز و”ترك في سيارة بالقرب من مستشفى”.
لكن نشطاء أفادوا بأن عشرات الأشخاص أصيبوا أيضا، واتهموا القوات الأمنية باستخدام الذخيرة الحية التي تسببت في وقوع إصابات.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن شهادات شهود وتسجيلات مصورة تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي “تشير إلى أن السلطات تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين واستخدمت على ما يبدو عنفا قاتلا في محافظة كردستان”.
وأكدت الباحثة البارزة المتخصصة بالشأن الإيراني لدى “هيومن رايتس ووتش” تارا سبهري فار أن “القمع باستخدام الغاز المسيل للدموع والقوة القاتلة ضد المتظاهرين الذين يطالبون بمحاسبة المسؤولين عن وفاة المرأة أثناء احتجازها لدى الشرطة يعزز طبيعة الانتهاكات الحقوقية للحكومة والإفلات من العقاب”.
في جنيف، أفادت الأمم المتحدة بأن المفوّضة السامية لحقوق الإنسان بالإنابة ندى الناشف أعربت عن قلقها حيال وفاة أميني و”ردّ قوات الأمن العنيف على المتظاهرين”.
ولفتت إلى وجوب فتح تحقيق مستقل في “وفاة مهسا أميني المأسوية وفي الاتهامات بالتعذيب وسوء المعاملة”.
“عمليات قتل ترتكبها الدولة”
وأفادت “منظمة هنكاو لحقوق الإنسان” الكردية، ومقرها النرويج، بأنها تأكدت من سقوط ثلاثة قتلى في محافظة كردستان، مشيرة إلى أن الضحايا سقطوا في بلدات ديواندره وسقز ودهغلان.
وأضافت أن 221 شخصا أصيبوا بجروح، بينما تم توقيف 250 آخرين في منطقة كردستان التي شهدت إضرابا عاما الاثنين.
وذكرت أن فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات انتشرت صور جسدها الملطخ بالدماء على مواقع التواصل الاجتماعي، أصيبت في بلدة بوكان، لكنها على قيد الحياة.
وأظهرت تسجيلات مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي صدامات عنيفة خصوصا في بلدة ديواندره بين المحتجين وقوات الأمن، بينما سمعت أصوات إطلاق الرصاص الحي.
وأظهرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي استمرار الاحتجاجات الثلاثاء في كردستان وحول جامعات طهران الرئيسية، وأيضا بشكل غير معتاد في سوق طهران.
وردد المتظاهرون شعارات “الموت للديكتاتور” و”المرأة، الحياة، الحرية”.
وقال مدير منظمة “حقوق الإنسان في إيران” محمود أميري مقدّم إن “على المجتمع الدولي ألا يراقب بصمت الجرائم التي ترتكبها الجمهورية الإسلامية بحق شعبها”.
وأضاف “ندعو الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إيران، الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، لمنع وقوع مزيد من عمليات القتل التي ترتكبها الدولة عبر دعم مطالب الشعب بنيل حقوقه الأساسية”.
وذكرت المنظمة أن قوات الأمن استخدمت الهراوات والغاز المسيل وخراطيم المياه والرصاص المطاطي والذخيرة الحية في مناطق محددة “لاستهداف المتظاهرين مباشرة وسحق الاحتجاجات”.
“اضطهاد ممنهج”
وقالت منظمة “حقوق الإنسان في إيران” إن قوات الأمن استخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي والذخيرة الحية في مناطق معينة “لاستهداف المتظاهرين بشكل مباشر وسحق الاحتجاجات”.
وأشار موقع “نت بلوكس” لمراقبة انقطاعات الإنترنت أن الإنترنت انقطع لأكثر من ثلاث ساعات في محافظة كردستان، إضافة إلى انقطاعات جزئية في طهران ومدن أخرى خلال الاحتجاجات الاثنين.
وهذا الوضع المستجد سيزيد الضغط على الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الموجود في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، حيث يتوقع أن يواجه أسئلة عديدة متعلقة بسجل بلاده في مجال حقوق الإنسان.
وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه نظيره الإيراني رئيسي الثلاثاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة على “احترام حقوق النساء” في إيران.
وأثارت وفاة أميني استياء في العالم، إذ دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الاثنين “الحكومة الإيرانية إلى وضع حد لاضطهادها الممنهج للنساء والسماح بالتظاهرات السلمية”.
وفُرض الحجاب على النساء في إيران بعد مدة قصيرة من قيام الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه عام 1979.
وتتحقق وحدة خاصة في الشرطة تعرف محليا باسم “كشت ارشاد” (أي دورية الإرشاد) من تطبيق هذه القواعد، علما بأنها تملك سلطة توقيف أي امرأة تعتبر أنها خرقت قواعد اللباس قبل أن يفرج عنها عادة بعد توجيه تحذير لها.
وفي انتقاد قلّما يصدر من الداخل الإيراني، قال النائب جلال رشيدي كوشي لوكالة أنباء “إسنا” إن هذه الشرطة “لا تحقّق أي نتيجة سوى إلحاق الضرر بالبلاد”، مضيفا “المشكلة الرئيسية تكمن في أن بعض الأشخاص لا يريدون رؤية الحقيقة”.
المصدر: أ ف ب/القدس العربي