الكاتب : دي . سنوك . هرخرونييه
معقل زهور عدي
الجزء الثاني
الفصل الأول : شرافة مكة
تظهر الطريقة التي أسرع فيها الرأي العام ( طبعا الغربي ) إلى الاستنتاجات والتوقعات لدى سماعهم خبر الثورة في الحجاز كيف يميل الرأي العام للتسرع في إصدار الأحكام للأحداث الجارية , تلك التوقعات التي هي محض افتراضات نظرية لأن صحة التقارير التي وردتنا حول ذلك لايمكن القول بمطابقتها للواقع سوى بصورة تقريبية حتى الآن .
وفقا لرسالة رويتر فإن الشريف المعظم لمكة قد أعلن الثورة ضد الحكم التركي , وكقائد للعرب الموالين له فقد تمكن بالقوة من فرض الاستسلام على الحاميات العثمانية في كل من مكة والمدينة والطائف , كما تمكن من عرقلة جدية لحركة القوات التركية التي تهدده بتدمير جزء من الخط الحديدي الذاهب من المدينة نحو الشمال .
في مقابل ماسبق نشر مكتب وولف تقريرا للوكالة الوطنية التركية يفيد أن مقاتلين عربا من الذين يطلق عليهم عادة لقب قطاع الطرق قد تم حشدهم وتوجيههم من قبل قائدهم الذي شجعته مشاة البحرية الانكليزية قاموا بقصف مكة , وأن الحامية التركية هناك قد استعادت بسرعة النظام , وأن المهاجمين أنفسهم الذين تبين لهم أن قائدهم تم إغراؤه بالمال الانكليزي ليتصرف بمثل تلك النذالة , قد قاموا بتسليم قائدهم للسلطة في مكة .
سواء كانت الأخبار الأولى لرويتر صادقة أم الأخبار الثانية للوكالة الوطنية التركية , فينبغي فهم الأهمية السياسية لشرافة مكة وينبغي توضيح مايحمله مصطلح ” شريف مكة الأكبر” لجمهور القراء بعيدا عما تتخيله غالبية الناس .
ليست مكة هي المركز الذي انطلقت منه سلطة النبي محمد “صلى الله عليه وسلم هوبالطبع يذكر الرسول بالاسم فقط ” على معظم شبه الجزيرة العربية , بل إن عاصمة دولته كانت المدينة .
“هنا سأسمح لنفسي بالقفز فوق فقرة مطولة للكاتب حاول فيها شرح فكرته في أن مكة لم تكن منذ وقت مبكر من الاسلام ذات مركز سياسي هام , خاصة بعد الهجرة , وأن أهميتها السياسية قد استمرت في التقلص مع تحول عاصمة الخلافة لدمشق ثم بغداد , بل إن أهمية الحجاز السياسية قد تقلصت بما في ذلك المدينة المنورة أيضا , لكن تقلص الأهمية السياسية لم ينقص من أهميتها الدينية كونها مدينة الكعبة المشرفة والمسجد الحرام الذي يحج إليه المسلمون من كل أنحاء العالم , ومثل ذلك يقال عن المدينة المنورة وبالتالي عن الحجاز عموما .”
ونظرا لأهمية موسم الحج كل عام فقد كان ضروريا الحفاظ على الأمن في مكة والمدينة , وتزويد المدينتين بمايلزم من تجهيزات وتموين خاصة لموسم الحج , وكانت تلك دائما من المهام الصعبة التي لابد للعالم الاسلامي من الاضطلاع بها .
ولكون المنطقة قد استمرت عبر القرون مسرحا للقبائل البدوية التي لاتخضع لسلطة أو نظام فقد كان لابد من يد قوية حازمة للحفاظ على الأمن والسلام في مكة والمدينة والحجاز عموما . وقد كانت المنطقة مفتقرة دائما لمثل تلك اليد القوية .
بعد أن ضعفت سلطة الامبراطورية العباسية , ازدادت المنافسة بين الدولة العباسية والدويلات التي نشأت ضمنها بحيث أصبحت سلطة الخليفة في تلك الدويلات مجرد ظل باهت , فلم تعد قادرة على ممارسة القوة في تلك الدويلات , وحتى تلك الدول الهامة التي كانت مؤهلة من خلال مركزها وموقعها للحفاظ على الأمن والنظام في الأراضي المقدسة والتي كانت تلك مسؤوليتها لم تكن مستعدة لتزويد الحجاز بما يلزم من قوات من أجل استقرار الحكم .
هكذا تقلص الاهتمام بهذا الجزء من الامبراطورية الإسلامية الأقل إنتاجا والأكثر صعوبة على الحكم إلى الحد الذي أصبح معتادا تركه للفوضى باعتبار الفوضى إحدى خصائصه الأصلية . بالتالي فقد اقتصر اهتمام البلاد الاسلامية القوية نسبيا على تأمين قوافل الحجاج التي تنطلق من دولها نحو شبه الجزيرة العربية . وبما يخص تلك القوافل خلال استقرارها هناك .
ومن رحم الفوضى في غرب شبه الجزيرة العربية الناتج عن انحلال الامبراطورية الاسلامية ( يقصد العباسية ) ولدت ظاهرة ” شرافة مكة ” .
“ملاحظة : سنوك هنا يبحث في البيئة التاريخية والشعبية – االقبلية الممزوجة بالمعتقدات المستمدة من التعلق ( الصوفي) بأثر وأهمية النسب للرسول عليه الصلاة والسلام , وهو هنا غير مهتم بمناقشة مدى تطابق المعتقد الشعبي بالنص القرآني والحديث النبوي وروح الاسلام عموما .
عذره كباحث في التاريخ أن مايهمه هو كيف تتحول تلك المعتقدات إلى قوة معنوية يجري توظيفها في حقل السياسة .”
من بين فروع السلالة الهائلة العدد التي تنحدرمن زواج فاطمة بنت النبي بعلي ابن عمه , استقر قسم منهم في شبه الجزيرة العربية باعتبارهم أصحاب شجرة النسب مثل فرسان على رأس قبائل البدو قطاع الطرق . أو كمنافسين ضمن البيئة التي كان يزداد فيها باضطراد تقديس النسب للدم النبوي . أما خارج الجزيرة العربية فقد انخرط أحفادعلي في ثورات سياسية على نحو يزيد أو ينقص .أو أنهم ملؤا أيديهم من حكام البلاد الاسلامية . لكن جشعهم المتسم بقصر النظر , وافتقارهم العام للموهبة السياسية أحال بينهم وبين الاضطلاع بإنجاز أي مشروع هام . وكل نجاح أحرزوه كان يتصف بكونه مؤقتا .
“ملاحظة : هنا تبدو فكرة الكاتب غير واضحة فهو لايتحدث عن فترة زمنية محددة أو مجموعة سياسية محددة ومعلوم أن أحفاد علي بن أبي طالب وأتباعهم قد ظهرت ضمنهم فرق متعددة , وأنهم أخفقوا تارة في الوصول للحكم ونجحوا تارة أخرى هم أو من يدعي الانتساب اليهم مثل الفاطميين في مصر وشمال أفريقيا . وربما انصرف نظر الكاتب للثورات ضد الأمويين ثم ضد العباسيين خاصة الثورات التي كان الفشل نصيبها , ونشير هنا إلى أن العباسيين في بداية ثورتهم ادعوا أنهم ورثة آل البيت أيضا , واستخدموا تلك الراية للحشد والتعبئة ضد الأمويين لكنهم ابتعدوا عن التشيع تماما بعد استتباب حكمهم .”
حوالي العام 1000 ميلادي أتاحت الظروف العالمية المحيطة بشبه الجزيرة العربية الفرصة لتحول جزء من الأراضي المقدسة لتصبح ولاية أشبه بالمملكة الفردية . حيث بدأ رؤساء عوائل محددة من بين أحفاد علي بن ابي طالب ( هم من أحفاد الحسن ) بتقوية مراكزهم في الحجاز وحيازة الأراضي , ومنذ تاريخ 1200 ميلادي حتى اليوم ( يقصد العام 1916 ) فإن فرعا من سلالة علي بن أبي طالب على رأسه قتادة قد تمكن من المحافظة على السيادة في مكة .
“ملاحظة : في 1200 تقريبًا استولى الشريف قتادة بن إدريس على السلطة واعترف به السلطان الأيوبي كأمير، واحتفظت سلالته بالإمارة حتى ألغيت في عام 1925 م . المرجع للملاحظة : من كتاب :
Prothero, G.W. (1920) ، Arabia , المكتبة الرقمية العالمية”
وقفة:
في الحقيقة ليس في الاسلام ما يمنح أحفاد الرسول عليه الصلاة والسلام أي امتياز ديني أو دنيوي , وعلى النقيض من ذلك فهناك تأكيدات متعددة على أن عمل الانسان وخلقه وتقواه هو مايقربه من الله أو يبعده عنه ولاشيء آخر .
تأمل فيما جاء في القرآن الكريم : ” وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُۥ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَٰكِمِينَ”
فنوح لايسأل الله عز وجل لابنه سوى النجاة من الطوفان باعتباره من أهله , فماذا كان الرد : ” قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيْرُ صَٰلِحٍۢ ۖ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ إِنِّىٓ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ”
وفي الحديث الشريف : ” يا مَعْشَرَ قريشٍ ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا ، يا بني عبدِ مَنَافٍ ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا ، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ ! لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا ، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ ! لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا ، يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ ! سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا”
فإذا كان الله لم يمنح النسب أهمية في معرض حكمه على الانسان .
وإذا كان الرسول لم يمنح النسب أهمية في معرض القيمة والجزاء النهائي نزولا من قريش وحتى فاطمة بنت الرسول عليه السلام .
فكيف يمكن إعطاء النسب قيمة فيما هو أقل بكثير مما سبق من أمور التفاضل بين الناس في شؤون السياسة والمكانة الاجتماعية؟
وكل ماجرى من إعطاء النسب قدسية ومكانة دينية ودنيوية إنما هو اختلاق ومخالفة لروح الاسلام ونصوصه الثابتة , اصطنعته الخلافات السياسية على الحكم ونفخت فيه , ثم تداخل مع العقلية القبلية التي تنظر لرابطة الدم والنسب باعتبارها أهم الروابط على الاطلاق .
من أجل ذلك كان مناسبا للسيطرة على القبائل العربية في شبه الجزيرة أن يحكمها أحفاد الرسول , فنسبهم كفيل بإعطائهم ميزة تقدمهم على أي منافس آخر , وسيستمر ذلك حتى تفرض قوة قاهرة الحكم عليهم كما حدث لاحقا .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي