عمرو أحمد
الأسباب “الأزمة الاقتصادية والأسعار وشح المياه والقمع” والنظام يواجه بـ”الرصاص والغاز والاعتقالات”
تنوعت أسباب الاحتجاجات التي اندلعت في إيران طيلة السنوات الخمس الماضية بين اعتراض على سوء الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار وشح المياه في بعض المحافظات، وكذلك استخدام أجهزة الدولة الأمنية أساليب تتعلق بالقيود الاجتماعية وقمع الحريات وآخرها مقتل مهسا أرميني الفتاة الإيرانية البالغة من العمر 22 سنة على يد ما يعرف بـ”شرطة الأخلاق” بحجة عدم ارتداء الحجاب المطابق لمعايير النظام.
لكن اللافت للنظر في تعاطي وتعامل النظام الإيراني مع الأزمات التي تطفو على السطح من وقت لآخر، يعكس مدى عجز طهران عن تقديم أو إيجاد حلول، بل الاستمرار في الاتجاه المعاكس لمطالب الشارع، إذ يقتصر الحل دائماً على استخدام القمع المفرط والاعتقالات لتهدئة الاحتجاجات.
احتجاجات 2022
يوم السبت 17 سبتمبر (أيلول) 2022 دفنت مهسا أميني في مدينة سنندج مركز محافظة كردستان الإيرانية، بعد اعتراضها من “شرطة الأخلاق” في العاصمة طهران وإلقاء القبض عليها وقتلها، مما تسبب في خروج احتجاجات كبرى في كردستان لتتوسع رقعتها إلى نحو 31 محافظة إيرانية وأكثر من 80 مدينة.
شهدت شوارع المدن والمحافظات الإيرانية موجة غضب شعبي واشتباكات بين قوات الأمن والمحتجين وسط هتافات ضد المرشد الإيراني علي خامنئي وتمزيق صور له ولبعض رموز النظام الإيراني.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية رسمية مقتل 41 شخصاً في الاحتجاجات التي اندلعت منذ أكثر من أسبوع في إيران.
وأعلنت “منظمة حقوق الإنسان” الإيرانية (غير حكومية) عن مقتل ما لا يقل عن 50 شخصاً على أيدي قوات الأمن. وأفادت أن ارتفاع الحصيلة جاء بعد مقتل ستة أشخاص بنيران قوات الأمن في محافظة جيلان الشمالية مساء الخميس، مع تسجيل وفيات أخرى في بابل وآمل في شمال إيران أيضاً، مضيفة أن الاحتجاجات شملت نحو 80 مدينة منذ بدئها قبل أسبوع.
انتفاضة ضد الغلاء
وفي منتصف مايو (أيار) الماضي انتشرت احتجاجات في أنحاء إيران بعد إجراءات خفض الدعم الحكومي للمواد الغذائية، مما تسبب في ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 300 في المئة لمجموعة متنوعة من المواد الغذائية التي تعتمد على الطحين (الدقيق)، كما رفعت الحكومة الإيرانية أسعار بعض السلع الأساسية مثل زيت الطهي ومنتجات الألبان في البلد الذي يعيش ما يقرب من نصف سكانه البالغ عددهم 85 مليون نسمة تحت خط الفقر بحسب الأرقام الرسمية.
ووسع المحتجون مطالبهم منادين بمزيد من الحرية السياسية وإنهاء الجمهورية وإسقاط زعمائها، بحسب شهود ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت متظاهرين يحرقون صور المرشد الإيراني علي خامنئي.
وانتشرت الاحتجاجات في عشرات الأقاليم مثل الأحواز وأردبيل ولورستان وخراسان الرضوية، وجابت 40 مدينة وبلدة في أنحاء إيران، بما في ذلك بلدة كوتشان بالقرب من الحدود مع تركمانستان ومدينة رشت الشمالية ومدينة همدان في غرب البلاد.
وقالت وكالة الأنباء الحكومية إن بعض المتاجر “في بعض المدن اشتعلت فيها النيران” مما دفع الشرطة إلى اعتقال عشرات المحرضين، وشهدت طهران انتشاراً مكثفاً لقوات الأمن، وأفادت منظمة “نتبلوكس” التي ترصد حجب الإنترنت عالمياً بحدوث انقطاع استمر ساعات في إيران وسط الاحتجاجات، وهي خطوة اتخذتها السلطات لمنع المتظاهرين من التواصل مع بعضهم بعضاً، ومشاركة المقاطع المصورة على مواقع التواصل.
وفي يوليو (تموز) الماضي تجددت الاحتجاجات على خلفية جفاف بحيرة أرومية في محافظة أذربيجان، ونظم المحتجون مسيرات تلقي باللائمة على عدم كفاءة السلطات، فمياه البحيرة شهدت تناقصاً مستمراً منذ عقود مما يعد كارثة بيئية كبيرة في المنطقة، وتدخلت قوات الأمن الإيراني واعتقلت العشرات مما أدى إلى إخماد التظاهرات.
احتجاجات 2021
عرفت باحتجاجات شح المياه، وبدأت في يوليو واستمرت لأكثر من 12 يوماً في إقليم الأحواز الذي يضم غالبية عربية، وانتقلت التظاهرات خارج حدود المحافظة، إلى محافظة أذربيجان الشرقية وخراسان الشمالية ولرستان وأصفهان، تضامناً مع المتظاهرين.
وفشلت محاولات الأمن الإيراني في فض التظاهرات بالقوة، فيما تحدثت تقارير دولية عن مقتل ثمانية أشخاص في الأقل. وقالت السلطات في إيران إن أربعة متظاهرين في الأقل لقوا مصرعهم، وإن ضابط شرطة قتل أيضاً في هذه الأحداث، مشيرة بأصابع الاتهام إلى “مثيري الشغب”.
لكن تجددت التظاهرات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 في أصفهان بسبب شح المياه. وقالت الشرطة الإيرانية إنها اعتقلت نحو 70 شخصاً خلال احتجاج على نقص المياه في مدينة أصفهان، لكن منظمة حقوقية قدرتهم بنحو 120 معتقلاً بعد تدخل قوات الأمن الإيرانية لإنهاء أكثر من أسبوع من الاضطرابات.
وذكرت وكالتا أنباء “فارس” و”الطلبة” الإيرانيتان أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع خلال الاشتباكات مع أشخاص كانوا يلقون الحجارة عليها احتجاجاً على جفاف نهر زايدنة رود الذي يعبر المدينة.
وقال اللواء بالشرطة الإيرانية حسن كرامي “اعتقلنا 67 من المحرضين الرئيسين وراء الاضطرابات”. وأضاف أن ما بين 2000 و3000 من “مثيري الشغب” شاركوا في الاحتجاج.
احتجاجات 2020
تسبب إسقاط طائرة مدنية أوكرانية بصاروخ إيراني فوق سماء إيران في يناير (كانون الثاني) 2020، في موجة من الاحتجاجات داخل العاصمة طهران وسرعان ما انتقلت إلى الجامعات الإيرانية وسط هتافات ضد النظام الحاكم، كما أفردت بعض الصحف الإيرانية مساحة لتغطية وقفات احتجاجية غضباً من إسقاط الطائرة ولتأبين الضحايا، ووصفت ما حدث على صدر صفحاتها بأنه “عار” وأمر “لا يغتفر”.
وبدأت الاحتجاجات بتجمع الطلاب الغاضبين خارج جامعتين في الأقل في طهران من أجل تأبين ضحايا الطائرة وتكريمهم، لكن تغير الموقف في المساء وتحولت التجمعات إلى احتجاجات، كما عبر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي عن غضبهم من تصرفات الحكومة. وانتشرت قوات الأمن في شوارع طهران لمنع تدفق مزيد من المتظاهرين وتصعيد الاحتجاجات في الشارع.
وفي يوليو من العام نفسه، خرجت تظاهرات في بهبهان بمحافظة خوزستان (جنوب غربي البلاد) احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية، وشهدت الاحتجاجات اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين وسط هتافات “لا غزة، لا لبنان، روحي فداء إيران” و”لا نريد حكم الملالي”.
ووجهت الشرطة في بهبهان تحذيرات للمواطنين من الخروج في تظاهرات، وانعكس صدى الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي حتى وصلت إلى مدينة مشهد وبعض مدن شمال شرقي البلاد.
احتجاجات 2019
عرفت باحتجاجات البنزين، وخرجت يوم 15 نوفمبر في الأحواز بعد إعلان الحكومة زيادة سعر البنزين بنسبة 300 في المئة، ثم انطلقت بعد ذلك في مختلف أرجاء إيران بما فيها العاصمة طهران، وعلى رأسها المدن الكبرى مثل عبادان والمحمرة وبوشهر وبهبهان ومعشور ومشهد وشيراز وتبريز وسيرجان وكازرون وكرج ومقاطعة غشساران وبيرجند ومقاطعة ممسني وياسوج وبوكان.
واتسعت رقعة الاحتجاجات في اليوم الثاني لتغطي أكثر من خمسين مدينة، ووصل عدد القتلى بين المتظاهرين في تلك الأيام إلى أكثر من 1000 قتيل، إضافة إلى جرح عشرات الآلاف واعتقال ما يزيد على سبعة آلاف متظاهر، في حين قتل ثلاثة أفراد من الأمن، وأحرق 731 فرعاً بنكياً و140 مبنى حكومياً بحسب ما نشرت بيانات حكومية إيرانية.
واعترف مدير مكتب الرئيس الإيراني محمود واعظي في تصريحات للتلفاز يوم الأربعاء 11 ديسمبر (كانون الأول)، بحدوث “مجزرة معشور” جنوب الأحواز التي قتل فيها عشرات المتظاهرين السلميين، لكنه ادعى أن مسلحين مجهولين هم من أطلقوا النار على المتظاهرين، بينما أقر عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني أمير حسين هاشمي، بمقتل كثير من المتظاهرين أثناء المجزرة التي قامت بها قوات الأمن والحرس الثوري الإيراني ضد المحتجين في 18 نوفمبر، واعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي أنه يجب تنفيذ زيادة سعر المحروقات، متهماً من وصفهم بـ”معارضي الثورة والأعداء” بالتخريب.
وكان وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي هدد المتظاهرين بالقول إن “قوات الأمن ستتحرك لاستعادة الهدوء”، كما دفعت قوات الشرطة وعناصر الحرس الثوري و”الباسيج” إلى إطلاق النار والغاز المسيل للدموع على الحشود، مما أوقع ضحايا في صفوف المتظاهرين، قبل شن حملة اعتقالات في صفوف المحتجين.
احتجاجات 2018
في نهاية 2017 وتحديداً في 28 من ديسمبر انطلقت تظاهرات في مدينة مشهد (في الشمال الشرقي) تحت شعار “لا للغلاء” احتجاجاً على السياسات الاقتصادية لحكومة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، لكن سرعان ما انتقلت الاحتجاجات إلى مدن ومحافظات مختلفة.
بدأت دعوات الاحتجاج خارج مشهد على مواقع التواصل الاجتماعي ثم ترجمت إلى احتجاجات في الشوارع، وتصاعدت معها الهتافات من رفض الأوضاع الاقتصادية إلى المطالبة بإسقاط النظام وامتدت تلك التظاهرات حتى بداية فبراير (شباط) 2018.
لكن التيار المحافظ استغل تلك التظاهرات وطالب بمساءلة الرئيس الإيراني وحكومته، وخلال أسبوع واحد من التظاهرات وصل ضحايا الاشتباكات إلى 21 قتيلاً بحسب التصريحات الرسمية، فيما وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 1500 شخص، وواجهت قوات الأمن الإيراني التظاهرات باستخدام العنف وإلقاء القبض على عدد من المشاركين فيها.
وفي نهاية يناير انضمت الاحتجاجات النسوية اعتراضاً على ارتداء الحجاب في العاصمة طهران في ما عرف بـ”الأربعاء الأبيض”، وعلى أثر التظاهرات النسوية تم اعتقال ما يزيد على 29 امرأة، ونقلت وكالة أنباء “تسنيم” عن شرطة طهران أن هذه الأفعال يحرض عليها أجانب ووصفت النساء المتظاهرات ضد الحجاب بـ”المخدوعات”.
وفي نهاية يناير من العام نفسه قال رئيس جهاز الدفاع المدني الإيراني في ذلك الوقت العميد غلام رضا جلالي، إن هناك ثلاثة أضلع للاحتجاجات الأخيرة أحدها يتمثل بشبكة التواصل الاجتماعي “تيليغرام”.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية على لسان جلالي قوله إن “أسباب الأحداث الأخيرة تكونت في إطار مثلث ضم في ضلعه الأول الفضاء الافتراضي، وفي ضلعه الثاني أرضيات المشكلات الاقتصادية، والضلع الأخير تهديدات الأعداء”، مشدداً على “ضرورة دراسة هذه العناصر برمتها.”
وبعد هدوء استمر أشهراً قليلة عادت مدينة مشهد من جديد لتتصدر محرك التظاهرات في المحافظات احتجاجاً على الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فيما أعلن التجار في بازار طهران الكبير عن إضراب ونظموا مسيرات بعد انهيار قيمة العملة الإيرانية أمام الدولار وسط مخاوف الإفلاس.
كما اندلعت تظاهرات واسعة في مدينة المحمرة (جنوب غربي البلاد) احتجاجاً على نقص مياه الشرب النقية وسط اشتباكات أسفرت عن إصابة 10 من منتسبي قوات الأمن الداخلي وفق الرواية الرسمية.
وطالب المحتجون باستقالة الرئيس الإيراني وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في طهران ومشهد والمحمرة، لكن روحاني قال حينها “إذا كان أي أحد يعتقد أن الحكومة ستستقيل أو تذهب بأية طريقة فإنه مخطئ.”
المصدر: اندبندنت عربية