د. مخلص الصيادي
أيها السوريون أصلحوا ذات بينكم، قد تفتح بوابات الفرج لوطنكم من موسكو أو طهران أو العراق، وستكون فرصة لا تعوض. فأجمعوا أمركم على كلمة سواء يجتمع عليها الوطن والمواطن، وتحتضن في طياتها تاريخ هذا الوطن وقيمه وهويته، وتسترد عبرها الأهداف الحقيقية للحرك الثوري السوري، وللثورة السورية قبل أن تتشتت بفعل عمليات الاختطاف والارتهان لجهات ومشاريع لا تمت بصلة حقيقية لتلك الثورة.
ليس هذا تنبؤ تدفع إليه الرغبة، وإنما استشراف تتيحه قراءة المتغيرات والتحركات والأزمات التي تعصف بالعواصم الثلاثة. والصراعات والكوارث التي أرهقت العالم كله. وباتت تضغط لولادة اسلوب جديد، أو نمط جديد من العلاقات على المستوى الدولي.
والخشية الكبرى أن تأتي هذه التغيرات والمعارضة السورية مشتتة ممزقة، فيذهب استثمار هذه الفرصة إلى الحضن الأمريكي الاسرائيلي، وهو حضن مليء بالسم وبالعداء لسوريا الواحدة الموحدة ضمن فضاء أمتها والتزامات انتمائها لهذه الأمة.
يبدو لي أن هناك في المعارضة من لم يتعرف بعد إلى خطورة النظر إلى تحالف “واشنطن / تل أبيب”، بغير عين العدو المتربص بسوريا الموحدة الصانعة بزهو وافتخار ثوب أمتها الحضاري. فيتطلع إليه تطلع المنتظر منه الخلاص،أو المساعدة على الخلاص، تسوقه في ذلك أوهام،أو جهل بالدور الأمريكي في استقرار النظام السوري في يد آل الأسد، لخمسين عاما متصلة، ودوره في إفشال كل محاولة لتجاوز هذا النظام، فأمريكا تريد استمرار هذا النظام – رغم كل ما ارتكب ويرتكب من جرائم لكن في إطار منهجها ومخططها في ابقاء سوريا” الجغرافيا البشرية، والجغرافيا السياسية، والبنية التحتية، والرؤى السياسية” في حالة فشل استراتيجي.
مطلوب من السوريون، والمعارضة السورية في الخارج وفي الداخل بكافة تجلياتها أن تراجع رهاناتها، وتعيد صوغ هذه الرهانات لا على ما تشتهيه، وإنما على ما تتيحه العوامل الموضوعية المتوفرة.
تركيا لها أهدافها، ومصالحها، وموضوعيا لا يجوز النظر إليها، أو أن ننتظر منها شيئا خارج هذه المصالح وهي مصالح في مستوى معرف مشروعة ومفهومة، ويمكن تحديدها في إطار هدفين اثنين:
1- أمن الحدود في مواجهة الانفصالية الكردية ممثلة بحزب العمال الكردستاني ونظيره السوري الاتحاد الديموقراطي.
2 – ومسألة اللاجئين وتوفر ظروف عودتهم الطوعية الآمنة.
وفي الهدفين هناك مصلحة لسوريا
( الشعب والمعارضة، والوطن، والوطنية، والسلام الاقليمي).
وهذا يكفي للبناء عليه وإقامة علاقة استراتيجية مستقرة دائمة. إنه أمن قومي مشترك للبلدين الجارين لا بد من توفيره والالتزام به.
ورغم كل ما عاناه الشعب السوري، وثورته، من عبث النظام العربي وعجزه، فليس من الإيجابي قطع الأمل من موقف عربي رسمي مساعد للشعب السوري لكن دون أوهام ذلك أن الدول العربية لم توفر من قبل ظروفا ايجابية راسخة لمعالجة الملف السوري، لكن لا بأس من التشجيع على قيام النظام العربي بهذا الدور الذي إن بانت مؤشرات له فلن يكون ذلك نتيجة “صحوة ذاتية لهذا النظام”، وإنما سيكون ذلك مؤشرا على توفر فرصة دولية تتيح له القيام بذلك.
مهم جدا في هذا الوقت الدقيق أن يضع أصحاب المشاريع الخاصة في المعارضة السورية – إن كانوا صادقين في الانتماء إلى هذا الوطن – مشاريعهم وراء ظهورهم:
** الحالمون بسوريا العلمانية التي يشتهون.
** والحالمون بدولة اسلامية تتوفر فيها قناعاتهم.
** والمتطلعون لاصطياد مكاسب لجماعاتهم أو طوائفهم نتيجة الأزمة السورية. وعبر مفهوم الدولة الحامية للأقليات، وهو مفهوم إمبريالي في أصله ومبتغاه.
كل هؤلاء يجب أن يقنعوا بأنهم لن يحققوا شيئا مما يريدون، إن استمرت هذه الأوهام توجه تحركاتهم وتقيدها، وأن أفضل أمل يمكن التطلع إليه هو إعادة سوريا على أركانها الاجتماعية والروحية والحضارية التي عرفت بها، بعد وضع ذلك في إطار دولة مواطنة، يتساوى الجميع فيها بالحقوق، ويقوم الجميع فيها بالواجبات، ويصبح الجميع فيها قادرون على طرح أفكارهم، وتطلعاتهم ، ومشاريعهم، على المواطنين السوريين الذين لهم وحدهم الحق باختيار ما يرونه مناسبا.
لا يجوز أن يمنع أحد من حلمه، أيا ما كان الرأي في هذا الحلم، لكن يجب أن تكون الراسخ في اليقين بأن السبيل إلى تحقيق الحلم أو إلى اختبار جديته وفرص فرص تحقيقه، هو قناعة المواطن، واختياره الحر.
هذه هي المواطنة الحقة التي تطلع إليها السوريون منذ انطلاق ثورتهم في مارس 2011. حينما أرادوا التخلص من الاستبداد والطائفية، ورفعوا شعار وحدة سوريا شعبا وأرضا.
ومثل هذه المواطنة الحقة والحقيقية هي وحدها التي تدفن مرة واحدة الفكرة الخبيثة في التطلع الى نظام حكم صفته حماية الأقليات، لتولد مقابل ذلك الدولة الوطنية الحامية والممثلة لمواطنيها. بكل تكويناتهم، وبكل تنوعاتهم العرقية والدينية، والملتزمة بتنمية وتعزيز خصائص هذه المكونات في المجتمع الوطني.
مهم للمعارضة السورية أن تبذل قصارى جهدها من الوجهتين العملية والفكرية/ الرؤية والسلوك، لحماية المكون الكردي من أن يكون تابعا للأحزاب الانفصالية الكردية في تركيا أو العراق، وأن تكون راعية لهذا المكون. وأن تنفتح على الاحتياجات الثقافية والانسانية والقيمية للأكراد، وأن تكون حامية حقيقية لهذا المكون في مواضع سيطرتها، باعتبار ذلك مظهرا حقيقيا من مظاهر الالتزام الوطني، فلن يكون لسوريا وجود بدون هذا المكون، سيفقد هذا الوطن توازنه الداخلي المولد للاستقرار والسلام.
لكن لن يكون هذا بالتهاون مع النزعات الانفصالية المرتبطة بأحزاب غير سورية تغذيها أوهام ليست بعيدة عن المخططات الأمريكية / الصهيونية.
وبهذا تعود للسوريين ثورتهم بالأهداف والتطلعات التي جعلوها شعارات لهم.
وبهذا يتوفر لقوى المعارضة في الخارج والداخل، المسلحة وغير المسلحة الفرصة لبناء موقف موحد يستعد للتفاعل الايجابي مع أي تغيير مقبل، ويستعد ليمثل رقما حقيقيا مؤثرا فيما يعد لمستقبل سوريا . فرصة يحب العمل الجاد للتفاعل معها حين تتحقق، ويمكن لمثل هذا النهج أن يساهم في ولادة الفرصة ذاتها.