محمد عمر كرداس
سؤال أصبح على لسان كل سوري في تركيا: هل هناك فرصة للعيش المشترك بين السوريين الذين أتوا لاجئين مهجرين من بلدهم بفعل نظام مجرم طائفي حاقد. ولو كان هذا العيش المشترك مؤقتًا، بينهم وبين أبناء البلد من المواطنين الأتراك في ظل هذا التصعيد العنصري بفعل أحزاب ومجموعات تركية هدفها سياسي انتخابي لايرى مصلحة بلاده، ويساهم في زيادة المغرر بهم من مواطنيه بوهم أن السوريين يحلون محلهم في الوظائف والأعمال وحتى في المدارس ويتنعمون بخيرات البلد وحتى الوصول إلى أن الدولة التركية تعطي رواتب لهؤلاء اللاجئين وتقوم بالصرف على من لايعمل منهم. وهذا كله كلام فيه من المبالغة والتسييس وحتى العنصرية الشيء الكثير، وكان له الأثر الكبير في حوادث العنف من قتل وتعدي على السوريين من غير مبرر إلاّ التجييش الذي يقوم به البعض ضد هؤلاء اللاجئين.
أولاً: ليس هناك لاجئ سعيد بلجوئه أو أنه جاء لاجئاً عن طيب خاطر، فمنهم من تكبد الخسائر الكبيرة ماديًا وحتى خسارة وفقد أفراد من عائلته في طريقه إلى الوصول هربًا وتهريبًا إلى بلاد اللجوء والكثير من هؤلاء اللاجئين تركوا وراءهم أملاك وثروات كثيرة تعرضت للنهب أو المصادرة على يد نظام مجرم سارق وعلى يد شبيحته الحاقدين والمتعطشين للسرقة والنهب هربًا وخوفًا على حياته وحياة عائلته من القتل والسجن الذي كان يهددهم.
ثانيًا: لقد سهل النظام السوري خروج هذه الأعداد الكبيرة من البلاد لنيته المبيته في التغيير الديموغرافي الذي يمارسه منذ بداية الثورة السورية عام 2011 وبدعم من حلفائه الطائفيين المتمثلين بإيران وأذنابها من ميلشيات حزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية العراقية والروس الذين أعلنوا جهارًا على لسان وزير خارجيتهم أنهم لن يمكنوا الأكثرية السنية في سورية من الحكم. كما سهلت الحكومة التركية دخول اللاجئين السوريين وغيرهم سابقًا بدافع إنساني وانسجامًا مع موقفها بدعم الثورة السورية ومطالب السوريين بالحرية والكرامة والعدالة وبعد محاولات امتدت لشهور لإقناع النظام بتنفيذ بعض الإصلاحات لتجنيب سورية وشعبها ما وصلت إليه الأمور ومع فشل هذه المحاولات مع النظام الذي لايملك من أمره شيئاً انحازت الحكومة التركية مدعومة بأكثرية الشعب التركي لجانب الشعب السوري وثورته فعبر الملايين الحدود واستقر جزء كبير في تركية وتابع جزء أيضًا من اللاجئين إلى الاتحاد الأوربي الذي أنجز اتفاقًا مع تركية لتمويل الكثير من حاجات اللاجئين وقامت الأمم المتحدة أيضًا بجزء من هذا الدعم الذي نراه في الكثير من المنظمات العاملة في تركية وفي الشمال الخارج عن سيطرة النظام، فقد بلغ عدد اللاجئين والنازحين السورين حوالى نصف الشعب السوري ولذلك يمكننا أن نتصور هذا العدد الهائل وما يحتاجه من خدمات معاشية وصحية وتعليمية حرمهم منها نظام الإجرام في دمشق.
لاشك بأن الأجيال الجديدة من اللاجئين السوريين في تركية قادرة على التعايش والاندماج وأن يكون هناك عيش مشترك بينهم وبين نظرائهم من المواطنين الأتراك، فهم يعيشون الآن في نفس المدارس ويتعلمون نفس اللغة التركية ونفس المناهج وهذا يحسن بشكل كبير سبل العيش المشترك وأن يفهم بعضهم بعضًا وتنتفي هذه النزعة العنصرية عند البعض وللحقيقة لا يشعر الطالب السوري في مراحل التعليم المختلفة بأية مظاهر عنصرية في التعامل مع زملائه الأتراك بشكل عام. والمشكلة في ممارسة العنصرية ضد السوريين عند البعض بنقص أو انعدام المعرفة بما يجرى وجرى في سورية لذلك لايفهمون دواعي اللجوء ومن الواجب على الجانب السوري بماله من وجود إعلامي وعلى وسائل التواصل وبكل البيئآت المختلطة عليه عبء التوضيح والشرح والقيام بالفعاليات التي تشرح الوضع السوري وهذا الوجود المؤقت للسوري على الأراضي التركية وقد شهدنا في الفترة الأخيرة بعض النشاطات الإعلامية بعرض الأفلام التسجيلية الهامة التي تعرف بالوضع السوري ولابد من دعم هذه المبادرات لتؤتي أُكلها في التوضيح وتقريب وجهات النظر ويجب أن تستهدف هذه الفعاليات بشكل أساسي الإعلاميين الأتراك وبعض قيادات الأحزاب التي يمكن أن تتفهم الوضع بتفصيلاته ومآلاته.
أما على صعيد العمل فنحن نعلم تمامًا أن الكثير من السوريين يعملون في منشآت ومعامل غالبًا ما يكون أصحابها من السورين فهم بذلك لايصادرون على العمالة التركية حقها وبالعكس المفروض على هذه المنشآت أن تقوم بتوظيف عدد من الأتراك حسب القوانين المرعية فهي تساهم بدعم الاقتصاد من جميع النواحي ولكن الكثير من العمال السوريين وفي هذه الضائقة الاقتصادية من تضخم وارتفاع أسعار يشعرون بالغبن وعدم الاهتمام من جانب الدوائر الحكومية، فهناك مماطلة في أذونات العمل التي هي من حق أي عامل يقوم بعمله بشكل قانوني ووضعه نظامي، فهناك عمال يعملون منذ سنوات لإعالة أسرهم وإلى الآن لايملكون أذونات العمل الضرورية التي تحميهم من كل طارئ في العمل، ومن الواجب أن تسعى الدوائر الحكومية وراء العامل لاستخراج إذن العمل له ليصبح وضعه نظاميًا وغير مهدد بفقدان عمله أو بالترحيل.
يشتكي بعض الأتراك وخصوصًا من المزارعين بأن ترحيل العمال السوريين سيضر بأعمالهم إذ يجدون في العمالة السورية المهارة والاتقان والأجور الرخيصة وخاصة في الزراعة، ولاشك أن الفلاح السوري يساهم بشكل إيجابي في الزراعة التركية حتى أنه أدخل منتجات سورية لم تكن موجودة من قبل وتلقى رواجًا كبيرًا في الأسواق وتساهم المعامل الغذائية السورية وورشات تصنيع الأغذية أيضًا رواجًا كبيرًا حتى أصبح لها زبائن من الأتراك.
في الشمال السوري يطالب السوريون في مناطق الإشراف التركي على توحيد هذا الإشراف لتسهل على المواطن حياته وأعماله إذ من المعروف أن كل منطقة تتبع لولاية وتكون تحت رحمة كادر إداري قد تكون معلوماته ضعيفة عن الاحتياجات وطرق التعامل. وأن يعامل العامل السوري ماليًا وهو ابن المنطقة أسوة بمعاملة العامل التركي أو بحد أدنى مقبول خاصة في المنشآت الصحية والتعليمية فهل يعقل أن يكون راتب المعلم بحدود 1300 ليرة تركية والمعلم في كثير من بلدان العالم يفوق راتبه أكبر الموظفين في الدولة.
لقد عاش السوريون قرونًا في دولة واحدة مع الأتراك ففي سورية العديد من العوائل التركية أو من أصول تركية إلى الآن تحظى بمعاملة ممتازة وبعضها تتميز عن أهل البلد ولا بد من تصحيح نظرة البعض إلى السوري كلاجئ مقيم ولفترة مؤقته ولابد للطرفين من العمل سويًا حتى يكون هناك مستقبل مشترك بين السوريين والأتراك .
وفي القرآن الكريم الذي يجمعنا مع الأتراك يقول الله سبحانه وتعالى “وخلقناكم شعوبًا وقبائل لتعارفعوا” ومفهوم التعارف لايكون إلا بالتفاهم والتقارب والعيش المشترك وقد بينت الهجرات عبر تاريخ البشرية كم كانت هذه الآية حافزًا للتعارف والتواصل لا للتنابذ والفرقة.
المصدر: إشراق