لان الأسود يليق بها ….. والأدب يليق بمكانتها، فقد انبرت الأديبة أحلام مستغانمي لتتحفنا بهذه الرواية الرائعة، بل التحفة الروائية التي انحدرت من جبال الجزائر الجميلة لتنهمر علينا قصاً روائياً جميلا وعشقا هيامياً متماسكاً، ورومانسياً، دون الارتداد إلى ما قبل الصحراء العربية.
من يقرأ هذه الملحمة الروائية “الأسود يليق بك ” يدرك أهمية قول القائد الجزائري الكبير والراحل احمد بن بلا الذي قال عن أحلام مستغانمي “إن أحلام مستغانمي شمس جزائرية أضاءت الأدب العربي ” فهي تمتلك موسيقى في فن الكتابة والقص الروائي قل من يمتلكها في هذا العصر المتهالك.. فهي تقترب من “نجيب محفوظ ” و”عبد الرحمن منيف” وسواهم من العمالقة.
في هذه الرواية انسياب في الحبكة، لا يمتلكه إياها وشلالاً يلقي بك الى المصب، وحوارية متماسكة يصعب على غيرها الإمساك بها، وهي كما قال، عمرو بن معد يكرب “:( ذهب الذين أحبهم وبقيت مثل السيف فرداً) هي كما الناي الذي جاء به إلى حلب يومًا، ذاك المتصوف جلال الدين الرومي ” فأقام في حلب مع نايه ،لأنه الآلة الموسيقية الأولى لدى الصوفية، كما الدفوف ترافق “المولوية “.
من يقرأ روايتها هذه” تغمره سعادة من وقع على سر جميل ” فهي تعزف على العود بطريقة المحب العاشق للغة والموسيقا والدندنة والسلطنة، وهي التي قالت على لسان بطلة الرواية “يعنيني العود لقيمته العاطفية …. في الواقع أنا ابنة الناي “
لقد حاولت مستغانمي الإمساك بكل حيثيات العمل الروائي الضخم، والمتكامل، والمتناغم دون البعد عن السياسة حيناً، والمجتمع حيناً آخر والهيام والوله والعبث أحياناً، أخرى مرورًا بالوجع الكبير الذي عاشته وتعيشه الأمة من العراق إلى سورية إلى الجزائر إلى كل الأمة.
وهي في هذا العمل الروائي نراها أحياناً، كما الاوركسترا الوطنية العراقية “تقيم حفلات سرية لا يرغب المنظمون في الإعلان عنها، بل يفضلون أن يعلم بأمرها اقل عدد ممكن “! وكانقطاع مفاجئ للكهرباء، يختفي صوت الحب والوطن معه، بعد تلك الإضاءة المعمية للبصر، وهي كذلك كما بطل الرواية ….. وهي احياناً كثيره تتركنا تائهين في خضم الأسئلة، فيبادرنا الندم على خطأ اقترفناه ولا ندري ما هو. في الرواية كانت مستقبلات الأوطان احياناً “منهارة، شاحبة، ذابلة، باكية، كانت كائناً من دموع هشة الى حد ما كان هؤلاء /يحتاجون معه إلى قتلها كان من الواضح أنها ستموت قهراً”.
ونحن نباشر الخروج النهائي من بين دفتي الرواية ذات ال/331/صفحة نجد أنفسنا مكرهين على المغادرة ولكأن القارئ يغادر سفينة رائعة الجمال، عالية السواري باسقة المحيا، تنير قبل أن تنار وتضعك على سفوح جبال هملايا أحياناً، وعلى سفوح الاوراس أحياناً أخرى، ومن ثم تقتلعك اقتلاعاً من رواسي لا ترغب في تركها وحيدة بلا خليل أو أخلة فهي غالبا ًلينة المراس، صعبة المنال، شاهقة الارتفاع، وعرة الطريق، حتى يحلو لك المقام في زمان لا حلو فيه، خارج سياق هدير الشعوب. وصوتها الغارق في يم من الحرية أبداً.