القرار الذي اتخذه الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالانسحاب من هذا الاتفاق الدولي يتسق مع منطق الادارة الامريكية التي يقف على رأسها مثل هذا الرئيس، الذي اثبت منذ أن دخل البيت الأبيض أنه يريد أن يعيد صوغ علاقة الولايات المتحدة الخارجية باعتبارها الدولة الأعظم على قاعدة مصالحها كما يتصورها هو من زاوية الرأسمالي الفظ الذي لا يقيده أي التزام إلا ما يتصور أنه محقق لمصلحته ، وهي مصلحة يمكن ترجمتها وقياسها بالمال والثروة دون اي اعتبار لمفهوم تلك الثروة الحقيقية والمهمة التي توفرها القوة الناعمة القائمة على مفهوم أوسع للمصلحة وأبعد أثرا وديمومه. من هذه الزاوية سبق للإدارة الأمريكية أن انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ، ومن التزامات منظمة التجارة العالمية بشأن الحمائية التجارية، وقررت نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة على خلاف القرارات الدولية التي جعلت للقدس وضعا خاصا، وقرارات اخرى في هذا الاتجاه ، وأمس أضاف الرئيس الأمريكي الى تلك القائمة قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي. ويختلف هذا القرار عن كل ما سبق انه ليس فقط لا يقوم على أساس قانوني ولا يحترم التزاما دوليا، كما سابقاته، وإنما يحمل بصمة الإكراه لكل الدول الأخرى وهي في معظمها حليفة لواشنطن ، إذ يرفع في وجهها ووجه شركاتها سيف العقوبات الأمريكية التي ستطال كل من لا يلتزم بالعقوبات التي ستعيد واشنطن فرضها على طهران. ان الرئيس ترامب يقول للعالم كله أن الولايات المتحدة هي وحدها التي تقرر، وعلى الآخرين ان يلتزموا قرارها، وقد عبر وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو عن هذا المفهوم الجديد الذي باتت الدبلوماسية الامريكية تعتمده حين قال ان امريكا بحاجة الى اعتماد دبلوماسية القوة وان الرئيس ترامب يعبر عن هذه السياسية، وهذا مفهوم يعارض مفهوم التشاركية التي باتت معتمدة في السياسة الدولية بعد مرحلة الامبراطوريات. معظم عواصم الدول الكبرى ذات الصلة وقفت تعارض قرار ترامب وترى فيه تهديدا للأمن والسلام في المنطقة ، وأنه سيتيح لطهران ان تتحرر من القيود التي فرضها الاتفاق على برنامجها النووي. ورغم محاولات الرئيس ترامب تسويق هذا الموقف الامريكي فإن أحدا لم يستطع أن يجيب على تساؤل ذي شعبتين: ** أين خرقت ايران الاتفاق النووي ** وكيف من شأن الانسحاب الامريكي ان يضع حدا للطموح النووي الايراني اكثر جدوى من ذلك الاتفاق . ورغم الاعتراض القوي من جانب ايران على انسحاب واشنطن الا أنه يبدو وبشكل اساسي أن طهران وتل أبيب هما وحدهما من يمكن أن يوظف الانسحاب الامريكي لمصلحتهما. وهي المصلحة المتحققة بإبقاء المنطقة تحت لهيب الأزمات وطبول الحرب والصراعات. ومنع أي فرصة لوضع هذه المنطقة على بداية طريق يوصل إلى حل يتضمن تهدئة ومن ثم سلاما . موقف ترامب المفعم بالعنجهة والتجبر وضع حلفاء أمريكا الاوربيين وهم مكرهين إلى جانب ايران. وذلك حين رفض كل محاولات قادة اوربا لإثنائه عن موقفه، ثم حين وقف يهددهم بالعقوبات التي ستطال شركاتهم ومصالح بلدانهم ان لم يلتزموا مسار العقوبات الامريكية ضد طهران . كما وضع المنظمات الأممية وفي مقدمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية – وهي جهة الاختصاص في هذا المجال – إلى جانب الموقف الإيراني حيث أكدت التزام إيران التام بالاتفاق. هل يمكن تصور أن ترامب مقتنع بأن العقوبات يمكن أن تغير الوضع في إيران أو تغير سلوك إيران. إذا كانت مثل هذه القناعة متمكنة لدى الإدارة الامريكية فهي بلا شك كارثة لأنها تنم عن جهل حقيقي لبنية النظام الايراني. وإذا كانت الإدارة الأمريكية تأخذ هذا السبيل تغطية لهدف آخر فهي أيضا كارثة ، لأنها تجر المنطقة كلها الى تجاوز حافة الانفجار التي تقف عليها الآن. لا شك بأن سياسة إيران العدوانية في سوريا واليمن على وجه الخصوص ودوافعها الطائفية الامبراطورية جعلتها في موقع العدو للشعب العربي وللأمة العربية، وهو موقع ما كان عاقل في هذه الامة يتمناه لها، وهذه السياسة تستوجب التصدي لها ومقاومتها بكل حزم، لكن تاريخ الولايات المتحدة مع منطقتنا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن واشنطن لاتنظر إلى المنطقة ومصالح شعوبها إلا بمنظار مصلحة الكيان الصهيوني، وهي في عصر ترامب أشد تطابقا مع الصهيونية من أي إدارة سابقة، بل قد تكون أشد صهيونية من صهيونية أقصى اليمين الاسرائيلي . يجب الوقوف بوجه العدوانية الايرانية هذا امر لا جدل فيه ، لكن الموقف الحق من العدوانية الايرانية بالمنطقة يتطلب وحدة موقف عربي ، وسياسة أمن قومي عربي رسمي وشعبي موحدة، والموقف الحق من الطموح النووي الايراني، ومن البرنامج النووي الايراني، يكون بالعمل على إخلاء المنطقة كلها من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، والمقصود هنا بشكل مباشر السلاح النووي للعدو الإسرائيلي، ودون رؤيا شاملة لهذا الملف، تدمجه مع الامن القومي العربي، والمصلحة العربية والإقليمية العليا ستبقى كل المعالجات مجتزأة وخاطئة وفاشلة، وفي نهاية المطاف تصب في غير مصلحة الأمة العربية ككل، وفي غير مصلحة كل دولة وكل نظام عربي ، على حدة. إذ عند هذا المستوى من التحليل والرؤية تتطابق الى حد كبير المصلحة القطرية الضيقة ( مصلحة الدولة والسلطة)، مع المصلحة القومية العليا مصلحة الامة كلها.
سري القدوة إعلان وزير خارجية حكومة الاحتلال "يسرائيل كاتس" الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، شخصية غير مرغوب فيها ومنعه...
Read more