أثار قرار “أوبك+” الأخير خفض إنتاجها من النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا صدمة في واشنطن ومخاوف من تعاون روسي سعودي ضد المصالح الأمريكية.
ورداً على ذلك، اتخذت إدارة “بايدن” والديمقراطيون في الكونجرس خطوات لإحداث تغيير كبير محتمل في العلاقات الأمريكية السعودية.
ويأتي الخفض الهائل للإنتاج في لحظة محورية قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر/تشرين الثاني. ومن المعروف أن أسعار الطاقة كانت تاريخيا قضية رئيسية في الانتخابات الأمريكية.
وقال السناتور “بوب مينينديز” رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في بيان إن “الولايات المتحدة يجب أن تجمد على الفور جميع جوانب التعاون مع السعودية إلا ما هو ضروري للغاية”.
وأضاف: “لن أوافق على أي تعاون مع الرياض حتى تعيد المملكة تقييم موقفها فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا”.
وبعد هذا البيان، قال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض “جون كيربي” إن “بايدن” يعيد تقييم علاقة واشنطن بالسعودية وهو مستعد للعمل مع الكونجرس في هذا الشأن.
ويعد فتح علاقة الإدارة الأمريكية مع حليف أمام الكونجرس خطوة نادرة.
كما أعلنت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى “باربرا ليف”، عن زيارة إلى الشرق الأوسط تشمل الكويت ومصر وقطر والإمارات، مع غياب السعودية بشكل ملحوظ عن خط سير الرحلة.
في حين أن هناك بالتأكيد عددًا من الردود التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة، يقول الخبراء إن توقيت تحرك “أوبك+” يضع إدارة “بايدن” في موقف صعب، حيث يحتمل أن يكون لكل رد عواقب سياسية على علاقات واشنطن مع شركائها في الخليج وكذلك عواقب محلية وانتخابية.
وقال “كريستيان كوتس أولريكسن”، الزميل الباحث في معهد “بيكر” للسياسة العامة بجامعة “رايس”: “إنه وضع صعب للغاية بالنسبة للإدارة لأن الكثير من أعضاء أوبك هم نظريًا شركاء مقربون للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
وتابع: “الأمر الذي فاقم الغضب السياسي في واشنطن بشأن ما فعله السعوديون هو أنه جاء قريبا جدا من الانتخابات”.
قانون نوبك
إن أحد الخيارات التي تتم مناقشتها هو مشروع قانون “نوبك” الموجود حاليًا في مجلس الشيوخ. من شأن مشروع قانون عدم وجود منظمات لإنتاج وتصدير النفط أن يغير قانون مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة حيث سيلغي الحصانة السيادية التي تحمي “أوبك” وشركات النفط الوطنية التابعة لها من الدعاوى القضائية.
وسيمنح ذلك المدعي العام الأمريكي سلطة مقاضاة “أوبك”، أو أعضائها مثل السعودية أو شركائها مثل روسيا، في محكمة اتحادية بتهم تشمل التلاعب بالسوق.
وقال السناتور الجمهوري “تشاك جراسلي”، مقدم مشروع القانون، في بيان “لقد تجاهلت أوبك وشركاؤها مناشدات “ايدن لزيادة الإنتاج، والآن يتواطأون لخفض الإنتاج وزيادة أسعار النفط العالمية”.
وأضاف: “إذا أصرت هذه الإدارة على جعلنا أكثر اعتمادًا على منتجي النفط الأجانب، فيجب على الأقل أن نكون قادرين على تحميلهم المسؤولية عن تحديد الأسعار بشكل غير عادل.”
وقال “جراسلي”، الذي ألقى باللوم جزئيًا على “بايدن” في عرقلة إنتاج النفط المحلي، إنه يعتزم إرفاق مشروع القانون كتعديل على قانون تفويض الدفاع الوطني المرتقب.
لكن الباحث “جورجيو كافيرو”، يقول إنه حتى لو تم تمرير “نوبك”، فقد يأتي بنتائج عكسية على الولايات المتحدة.
وقال كافييرو: “هناك خطر يتمثل في قيام دول يستهدفها نوبك بالانتقام من الشركات الأمريكية. وهناك أيضا احتمال أن يسبب نوبك مشاكل دبلوماسية للولايات المتحدة في الخارج”، فيما أشار “أولريكسن” إلى أنه قد تكون هناك طرق أفضل لتحميل دول أوبك المسؤولة بشكل مباشر عن تخفيضات الإنتاج.
غضب الحزبين من السعودية والإمارات
تعد السعودية والإمارات من قادة “أوبك” ولهما تأثير كبير على عملية صنع القرار في المنظمة. وفي الوقت نفسه فإن البلدين شريكان مقربان للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولهما علاقات عسكرية وأمنية واسعة مع واشنطن.
ويقول الخبراء إن هذه العلاقات هي أقوى شكل من أشكال النفوذ الذي تتمتع به واشنطن في تعاملها مع الرياض وأبوظبي، لا سيما بالنظر إلى أن دولًا أخرى مثل روسيا والصين لا يمكنها في هذه المرحلة أن تضاهي ما تقدمه الولايات المتحدة.
وقال “أولريكسن”: “سأندهش إذا تمكنت روسيا أو الصين أو أي طرف حتى من تكرار النطاق الكامل للقدرات الأمنية والدفاعية الأمريكية”.
وقاد عضو الكونجرس “توم مالينوفسكي” الاتهام في هذا الصدد، حيث قدم تشريعًا الأسبوع الماضي من شأنه سحب جميع القوات وأنظمة الأسلحة الأمريكية من السعودية والإمارات.
ويضم مشروع القانون 3 رعاة فقط، لذلك من غير الواضح ما إذا كان سيتم تمريره بالفعل، لكن “أولريكسن” قال إنه حتى لو لم يتم تمرير مشروع القانون، فإن الحصول على قدر كبير من الدعم من الحزبين يمكن أن يرسل رسالة قوية إلى شركاء الولايات المتحدة في الخليج.
وأضاف: “إذا تم توضيح أن هذه قضية إجماع بين الحزبين وأن الجمهوريين والديمقراطيين يعارضون بشدة ما يفعله السعوديون والإماراتيون، وأن هذه ليست الأنشطة التي تتوقعها الولايات المتحدة من الشركاء المقربين، فقد يؤدي ذلك إلى إدراكهم لعواقب استمرارهم في هذا المسار. وتابع: “يمكن لذلك أن يرفع التكلفة أو التكلفة المتصورة للعمل بهذه الطريقة”.
كما ناقش العديد من كبار الديمقراطيين فكرة مدى الاستفادة من الدعم العسكري أو سحبه بشكل كامل كعقوبة محتملة حيث أثار بعض المشرعين أسئلة جادة حول طبيعة العلاقة الأمريكية السعودية.
وأعلن عضو الكونجرس “رو خانا” والسناتور “ريتشارد بلومنثال” أنهما سيقدمان تشريعًا يركز على حظر جميع مبيعات الأسلحة إلى السعودية.
ووجدت دراسة أجراها مكتب المساءلة الحكومية في يونيو/حزيران أن الولايات المتحدة قدمت ما لا يقل عن 54.6 مليار دولار من المساعدات العسكرية للسعودية والإمارات بين عامي 2015 و 2021.
وقال “خانا”: “من خلال خفض إنتاج النفط بشكل حاد، تضرب السعودية مصالح الشعب الأمريكي. نحن بحاجة إلى أن نكون صارمين معهم وأن نوقف على الفور جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية. دعونا نستخدم نفوذنا”.
وبالإضافة إلى دعوة “مينينديز” لتجميد التعاون مع السعودية، قال السناتور “كريس مورفي”: “لقد نظرنا منذ سنوات في الاتجاه الآخر، حيث قامت السعودية بتقطيع الصحفيين، وانخرطت في قمع سياسي واسع النطاق”.
وقال في حديث لشبكة “سي إن إن” عن حالة الاتحاد: “لقد اختاروا دعم الروس، ورفع أسعار النفط مما قد يؤدي إلى تفكيك تحالفنا في أوكرانيا. ويجب أن تكون هناك عواقب لذلك”.
يشار إلى أن إدارة “بايدن” بصدد إصدار رأي حول ما إذا كان ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” يتمتع بالحصانة أم لا في دعوى مرفوعة ضده داخل الولايات المتحدة.
وقال “أولريكسن”: “هذا شيء يمكن الاستفادة منه رغم أنه قرار قضائي قد لا يخضع بالضرورة للتدخل السياسي. لكن ربما تحاول الولايات المتحدة الاستفادة من ذلك”.
هل تستطيع الولايات المتحدة زيادة المعروض من النفط عالميا؟
بصرف النظر عن اتخاذ تدابير لمعاقبة قادة “أوبك”، يبدو أن الخيارات الأخرى لزيادة الإمدادات في جميع أنحاء العالم تحمل الكثير من التكلفة السياسية لإدارة “بايدن”.
وقد يؤدي إحياء الاتفاق النووي الإيراني ورفع الحظر النفطي على إيران إلى إغراق الأسواق بالنفط الإيراني. ومع ذلك، لا تزال المحادثات الجارية متوقفة ولا توجد عودة واضحة إلى طاولة المفاوضات في هذه المرحلة.
ويمكن للولايات المتحدة أيضًا أن تنظر إلى فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم. ولكن مثل إيران، تخضع فنزويلا لحظر نفطي.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة تدرس رفع العقوبات النفطية عن فنزويلا، وهي أنباء تقابل بتفاؤل حذر من قبل المستثمرين بالرغم من قول المسؤولين الأمريكيين إنه لن يكون هناك تغيير في سياستها تجاه كاراكاس.
وقال “كافييرو”: “من الواضح أن الولايات المتحدة لها مصلحة في الاستفادة مما تقدمه فنزويلا من النفط، والذي يُنظر إليه على أنه خيار لتعويض ارتفاع الأسعار على خلفية الأزمة في أوكرانيا”.
ومع ذلك، أشار “كافييرو” إلى أن “هناك سببًا وجيهًا للشك في قدرة فنزويلا على تغيير المعادلة، مع الأخذ في الاعتبار كيف أساءت الدولة إدارة قطاعها النفطي ومدى الضرر الذي لحق بفنزويلا بسبب العقوبات الأمريكية”.
المصدر | عمر فاروق/ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد