محمد عمر كرداس
منذ 16 تشرين ثاني/ نوفمبر1970 ومع مجيء حافظ أسد إلى السلطة في سورية بانقلاب عسكري في فترة حرجة من تاريخ المنطقة التي كانت على حافة بركان، كان واضحًا تمامًا أنه جاء لوظيفة معينة، فهو وزير الدفاع المهزوم في عام 1967 والذي كان من المفروض تنحيته عن أي منصب وأن يخضع لمحاسبة كونه أعلن انسحاب الجيش كيفيًا من الجولان السوري بدون حرب، نجده ينقلب على رفاقه ويعلن نفسه حاكمًا فردًا وزعيمًا منقذًا، والغريب أن نظام البعث كان منبوذًا إقليميًا وعالميًا، لكن مجيء هذا الطاغية قوبل بترحيب إقليمي ودولي أتاح له تحركًا واسعًا شرقًا وغربًا، فوطد علاقاته مع الاتحاد السوفياتي ومع الغرب ودول المنطقة العربية وغير العربية في آن واحد، فباشر بإرضاء الجميع، ولكن على حساب شعبه فأعطى الامتيازات شرقًا وغربًا ولم ينس جماعته الأقربين من المنافع والمصالح ، وبدأ، وخوفًا من المستقبل ومن الطامعين بالحكم ببناء جيش “عقائدي” أي جيش حزبي إسمًا، ولكنه طائفي أيضًا اعتمد في المراكز الحساسة على أفراد ومجموعات قبلية تنتمي بمجملها لطائفته، وباعتماده هؤلاء لايعني أن طائفته كانت تحكم، بل هو الحاكم الفرد، هو حكم طائفي ولكنه ليس حكم الطائفة، إذ كثير من أقطاب الطائفة ناصبوه العداء فاغتال من اغتال وسجن من سجن وشرد من شرد منهم، وزاد من اعتماده على الأمن فأحدث الكثير من الفروع والشعب والإدارات حتى وصلت لأكثر من ستة عشر فرعًا أمنيًا، وزعها حتى وصلت للقرى والمزارع، فأحكم بذلك قبضته الأمنية والعسكرية على كامل البلاد والعباد، تعاون مع السوفيات ومع الدول التي تدور في فلكهم مثل كوريا وألمانيا الشرقية في إحداث مراكز تطوير للأسلحة المحرمة دوليًا تحت نظر الغرب ومخابراته لمعرفتهم بأن هذه الأسلحة لن توجه لإسرائيل التي كانت بحماية الغرب وحماية مؤسستها العسكرية، فتُرك له الحبل على الغارب.
مع وفاة حافظ الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000 واستلام وريث (عرشه) الحكم برعاية ودعم غربي وشرقي وعربي، لما قدمه النظام من خدمات للجميع،لاحت تباشير تغيير في سياسته، فبشر بانفتاح وبعهد جديد ولكن ذلك كان وهمًا، وسرعان ما كشَّر عن أنيابه وظهر على حقيقته العارية، وتجسد ذلك أكثر ما تجسد مع بدء المطالب السلمية في بيانات وتوقيعات من جانب المثقفين الذي اعتقلوا وصدرت بحقهم الأحكام التعسفيه، وما إن بدأت بوادر ثورة سورية في آذار/مارس 2011 حتى أفلتَ كلابه المسعورة على المتظاهرين السلميين في درعا فقتلوا واعتقلوا ودخل الجيش العقائدي إلى المدينة وأريافها لتتوضح وظيفة هذا الجيش في مواجهة مواطنيه وليس عدوهم، ومع تطورات الثورة السورية وفشل النظام بجيشه وأمنه وميليشياته والمليشيات التي استعان بها عبر الحدود، ومع خسارته أكثر من 60% من مساحة سورية لصالح الثورة، لجأ إلى السلاح الذي كان يخزنه لمثل هذه الساعة وهو السلاح الكيماوي المحرم دوليًا وبدأ باستعماله ضد المدنيين العزل، وقد رأينا كيف كان الأطفال يسقطون صرعا هذا السلاح خنقًا، وقد تم توثيق أكثر من 60 مرة استعمل فيها هذا السلاح القاتل، ومع أن رئيس الولايات المتحدة في حينها باراك أوباما حذر النظام بأن استخدام هذا السلاح خط أحمر إلا أن خطه الأحمر بدا باهتًا ولم يتحرك هو أو المجتمع الدولي لمحاسبة من أجرم بحق هذا الشعب، ومازلنا نسمع ونتابع الاجتماعات واللقاءات الكثيرة التي تتحدث عن المحاسبة وأنه لايجب السماح بالافلات من العقاب، لكن ذلك إلى الآن يمكن اعتباره ذرًا للرماد في العيون أو طمسًا للحقائق. فبعد كل هذه السنوات من إجرام النظام ضد شعبه وباعتراف العالم أجمع عدا مجموعة من الدول المارقة،مايزال المجرم طليقًا وليس مستبعداً أن يعاد تأهيل هذا النظام المجرم الذي شرد شعبه وجعل أكثر من نصفه مجموعة لاجئين ونازحين تلعب بهم الأقدار لعبتها ونحن نراهم في قوارب الموت يبحثون عن ملاذ آمن من ظلم نظامهم والمجتمع الدولي الذي ضاق بهم ويحاول بمختلف دوله إلقائهم إلى فم هذا الوحش الكاسر ليقتص منهم جزاء مافعلوه بهربهم من تحت حكمه.
لقد أضاف هذا النظام لقبًا جديدًا من ألقابه فأصبح ملك الكبتاغون والحشيش وكل أصناف المخدرات مع رعاته الإيرانيين ومازال المجتمع الدولي يدرس ويدرس وما زال المجرم طليقًا..ولكن. لن يكون هناك حل لمشكلة سورية إلا بزوال هذا النظام بكل أركانه ومهما اجتمع المجتمعون وقرر المقررون فالقرار لنا نحن السوريون أصحاب الحق الشرعي.
المصدر: إشراق