د-محمد مروان الخطيب
تواجه الثورة السورية المزيد من الألاعيب الدولية من أجل إجهاض مبتغاها في الحرية والكرامة، وإحدى أخطر هذه الألاعيب تمييع مقاضات العصابة الأسدية لاستخدامه السلاح الكيماوي في مواجهة الشعب السوري الثائر والذي أكدته لجان الأمم المتحدة، كما أن مصادر بحثية مستقلة مثل فريق الــ بي بي سي أكد وجود 164 تقريراً عن هجمات كيمياوية منذ أيلول 2013 حتى 2018 نصفها وقعت في محافظتي إدلب وحماة، وهذه التقارير من مصادر متنوعة ليس لها دور في الأحداث الدائرة على الأرض السورية، ومن بينها هيئات دولية ومجموعات لحقوق الإنسان ومنظمات طبية ومراكز بحثية.
وبالرغم من منع باحثي الـ بي بي سي من الوصول لزيارة المواقع التي تم الإبلاغ عنها على الأرض السورية، وبالتالي، منعه التحقق بشكل قاطع من الأدلة، إلا أن قوة الأدلة المتاحة في كل حالة، كانت كافية للتأكيد على توصيف هذه الحالات التي ينظر فيها إلى عصابات الأسد على كونها المشتبه الرئيس. إضافة لما استطاعت أن تقوم به بعثة لتقصي الحقائق تابعة للأمم المتحدة ولجنة تحقيق تابعة لمجلس حقوق الإنسان بالتحقق من الهجمات بشكل متزامن. والتي أشارت إلى أنه لدى الجناة إمكانية الوصول إلى المواد الكيميائية من مخزون الجيش السوري. وبالرغم من محاولة نرع الأسلحة الكيميائية الذي تم تنفيذها خلال عام 2014، فإن استمرار عصابات الأسد باستخدام السلاح الكيماوي في العمليات اللاحقة وأبرزها الاعتداء على مدينة خان شيخون في نيسان/ابريل 2017، هذا الاعتداء الذي أثار أول عمل عسكري أميركي ضد القاعدة الجوية التي تسيطر عليها العصابات الأسدية في الشعيرات والتي رصد منها انطلاق منفذيه.
ويتمثل التراخي الدولي في الصمت عن محاولات عصابات الأسد التملص من عملية الكشف الكامل عن المخزون من الأسلحة الكيميائية ومواقع تصنيعها من خلال عدم السماح للأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من دخول كبير الخبراء الفنيين بالفريق، والاستمرار في عرقلة أنشطت الفريق في التحقيق بالهجمات الكيماوية التي ارتكبتها عصابات الأسد، وبالتالي فشل هذه العصابات في معالجة القضايا المعلقة المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية.
إن المنظومة الدولية التي صمتت عن عمليات القتل والتدمير التي قامت بها عصابات الأسد في سورية طوال سنوات الثورة، مع عدم وجود نية للعقاب أو المحاسبة قد أوصلت لهذه العصابات، عمداً أو عن غير عمد، رسالةَ أنه بإمكانها الاستمرار بما تفعله. وما عملية استخدام السلاح الكيماوي من قبل هذه العصابات سوى لتحقيق غرضين، الأول هو إيصال رسالة للسوريين عموماً بأنها طليقة اليد تجاههم وقادرٌة على استخدام كل شيء ضدهم دون أن يمنعها أحدٌ فعلياً، على هذا فإنه يقصد بالكيماوي أن يكون قاتلاً للأمل قبل أن يكون قاتلاً للروح. أما الغرض الثاني فهو ردع لمن حمل السلاح دفاعاً عن الأرض والعرض ومنعهم عن تجاوز توافقات عسكرية ضمنية، وهذا ما مثلته مذبحة خان شيخون عقاباً على التقدم الواسع الذي حققته الفصائل المسلحة في حماة قبل ذلك الهجوم الكيماوي بأيام. إضافة لكل ذلك فإن استخدام السلاح الكيمياوي كان لتأكيد أنه مازال لدى هذه العصابات فائض قوة لم تستخدمه بعد؛ ومازال زمام المبادرة بيدها، على الرغم من خسارتها لبعض المواقع العسكرية.
فبالرغم من قيام الإدارة الأميركية في 20 آب/أغسطس 2012، على لسان رئيسها قد استخدمت عبارة «الخط الأحمر» في إشارة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أنها حولت الأمر إلى تسليم للسلاح الكيمياوي بعد استخدام غاز السارين في هجوم الغوطة في 21 آب/أغسطس 2013، وهو ما رحبت به عصابات النظام السوري ، لتدخل سورية في أيلول 2013 عدة اتفاقات دولية لتدمير أسلحتها الكيميائية، علماً أنه قبل هذا التاريخ لم تكن عصابات الأسد قد اعترفت علنًا بامتلاك أسلحة كيميائية. حيث يحظر القانون الإنساني الدولي استخدام السلاح الكيميائي منذ ما يقارب الــ100 عام بغض النظر عن وجود أي هدف عسكري، لأن آثار هذه الأسلحة تنتشر على نطاق واسع بشكل عشوائي، وتُحدث أضراراً وإصابات جمة ومعاناة للكائنات بطريقة غير مبررة. وتقول منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية، وهي هيئة المراقبة العالمية التي تشرف على تنفيذ اتفاقية «حظر الأسلحة الكيمياوية»، إن هذه الأسلحة هي عبارة عن مواد كيمياوية تُستخدم للتسبب في موت أو في إلحاق ضرر متعمد من خلال خصائصها السامة، كما أن المشافي الميدانية عادة لا تمتلك العلاج اللازم لها.
لقد وقف العالم «المتحضر» متفرجاً تاركاً الشعب السوري يواجه آلة القتل والاجرام وحده، وبالرغم من كون ذلك من مصلحة روسيا والولايات المتحدة، وما يخدم استقرار «الكيان الصهيوني» أن يتم تدمير سورية كبلد ووطن ومنشآت، وهو ما قامت به عصابات الأسد. وإن كان إطالة أمد الثورة السورية سيحقق المزيد من الدمار، وإضعاف البلاد لسنوات طويلة في وسط تبادل للأدوار بين الولايات المتحدة وروسيا لعرقلة الدعم الحقيقي للشعب السوري تمهيداً للحظات الأخيرة لمنع تحقيق انتصار شعبي على عصابات الأسد، ولإبقاء الوضع في موضع المراوحة.
لكننا على ثقة أن الشعب السوري بطلائعه الثورية، والذي سجل أروع الملاحم في التضحية والفداء والاصرار على نيل الحرية، لن يقبل أبداً بإجهاض ثورته، ولا بتدخل عسكري سافر يأتي فقط لتنفيذ مخطط حماية «الكيان الصهيوني» بعد أن أصبح سقوط عصابات الأسد الحامية له وشيكاً، حتى لو تطلب الأمر ثورة أخرى جديدة ضد غزاة جدد، تآمروا عليه وشاركوا في ذبحه. والحاضنة الشعبية للثورة تعي أن موجات الاستنكار والتنديد والقلق لا يمكنها أن تحقق العدالة والاقتصاص من الجناة، وأن الواجب هو بلورة طليعة سياسية وحقوقية تستطيع أن تحمل هموم شعبها، وتتكاتف مع المنظمات الدولية الحقوقية لتشكيل ضغط حقيقي على القوى الدولية صاحبة القرار، للانتقال بالملف السوري من مرحلة الإدانة إلى مرحلة المحاسبة، ولن يكون ذلك بجهود فردية إنما من خلال مؤسسات تعيد للقضية السورية أهميتها على الصعيد الدولي من كونها قضية شعب يواجه عصابات تستخدم كل المحرمات ليؤيد حلمه في العيش ضمن وطنه بحرية وكرامة.
المصدر: إشراق