أحمد مظهر سعدو
تواصل “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) الغرق طوعاً لا كرهاً، وتستمر في الدخول التطوعي في باحات التلوث السياسي البراغماتي عبر الولوج من بوابة الاستبداد الأسدي/الإيراني، وهي تحركات سياسية لقادتها الذين باتوا في انشغال كلي ضمن حلقات الارتماء بأحضان المحتل الإيراني للعديد من الساحات العربية مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان.
و”حماس” تفعل كل ذلك دون النظر مطلقاً إلى ما يربطها موضوعياً وما يمثل مصيراً وانجدالاً مشتركاً ومفترضاً بكل هذا المحيط العربي، والذي لا ينفك كفاحاً ضد الأطماع الإيرانية بالأرض العربية، وهي تصطف إلى جانب الظلم والظلام الطغياني الفاشيستي، المتمثل بنظام بشار الأسد، وسياسات الحشد الشعبي في العراق وما يلوذ بها، وإرهاب حزب الله وحسن نصرلله في لبنان، وكذلك سرقة الثورة اليمنية من قبل الحوثيين، الذين يريدون أن يعيدوا اليمن السعيد إلى عصر الإمامة المتخلف، عبر الارتباط بسياسات إيران الخارجية، التي تريد ربط العالم العربي المحيط، بسياسات تصدير الثورة الخمينية، وتنفيذ استطالات المشروع الفارسي، الذي طالما حلمت به دولة الملالي في إيران.
يتابع قادة “حماس” بكل وضوح وإباحية سياسية الارتماء بأحضان القاتل الأسدي، وهو الذي قتل وما زال ما ينوف عن مليون إنسان سوري وفلسطيني، خلال 11 سنة خلت، بينما قتلت إسرائيل وفي كل حروبها العدوانية ضد العرب والفلسطينيين ليس أكثر من 56 ألفاً من كل العرب المحيطين بكيانها المصطنع، حسب توثيقات حسنين هيكل في أحد كتبه.
لقد كانت حصة الفلسطينيين في المقتلة الأسدية عالية وكبيرة ومكلفة، فقد تم تحطيم مخيماتهم بغارات للطائرات الأسدية، وكذلك بالمدفعية والبراميل، ثم نبش نظام الأسد أهم وأكبر مقابر شهداء فلسطين في مخيم اليرموك، وهو يبحث بأمر روسي، عن جثة ذلك الصهيوني، حيث تم تسليمه كهدية مهداة من الرئيس الروسي بوتين لرئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق نتنياهو، وعفّش النظام السوري وشبيحته كل شيء في مخيم اليرموك والحجر الأسود، كان قد تركه اللاجئ الفلسطيني أو خلفه تحت الركام، ولا ننسى كيف تم سحل وقتل وتعذيب عشرات الآلاف من الفلسطينيين في معتقلات وأقبية النظام السوري الذي يركض قادة حماس اليوم للتطبيع معه.
لقد كانت معاناة الفلسطينيين في معتقلات بشار الأسد أكبر وأدهى وأمر، وأكثر حقداً، وكان المعتقل الفلسطيني في فرع فلسطين وفرع الجوية وكذلك الفرع 227 العسكري، وحسب شهود عيان، يسمع أعتى وأحط وأرذل الشتائم والكلمات النابية التي لم يكن الفلسطيني يسمعها سوى من المستوطنين الصهاينة العنصريين، ولقد تم اغتصاب الكثيرات من المناضلات الفلسطينيات في أقبية النظام السوري (المقاوم)، وكذلك رجال فلسطين، لكسر شوكتهم وإنزال أشد العقوبات بهم حتى يشفى غليل الحاقد الأسدي.
كذلك وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وحسب بياناتها الحديثة التي صدرت خلال شهر تشرين أول/ أكتوبر 2022 أن النظام السوري قتل 3207 فلسطينيين بينهم 497 تحت التعذيب، واعتقل وأخفى قسرياً 2721 منذ آذار/مارس2011 حتى الآن.
كل هذه الأفعال الشنيعة لم تمنع قادة حركة حماس من الهرولة باتجاه دمشق وطلب الصفح والغفران من أجهزة “الأسد” القمعية وعلى رأسها بشار الأسد شخصياً، حيث كان اللقاء حاراً وودوداً (حسب وصف أحد أهم قادة حماس /خليل الحية) الذي كان في قمة سروره وهو في ضيافة المجرم الأسدي.
ويبقى السؤال الملح: الى أين هي ذاهبة (حركة حماس) ضمن هذه السياقات الارتمائية البراغماتية؟ وهل هي في كل ذلك تخدم القضية الفلسطينية بالفعل؟ أم أنها تلقي بها في غياهب اليم الأسود؟ لا شك أنها بعودتها هذه إلى حظيرة بشار الأسد إنما تفعل الآتي:
– تساهم (وعت ذلك أم لم تعه) في الإساءة إلى القضية الفلسطينية برمتها، التي طالما اعتبرها السوريون والعرب معهم قضيتهم المركزية، وعملوا من أجلها كل ما يستطيعون، لكن اليوم وبعد هذا الحلف الحمساوي الأسدي الإيراني فلن تجد حركة حماس في الواقع الشعبي السوري من يقف إلى جانبها أو الاصطفاف إلى جوار سياساتها، ومن ثم فإن ذلك سوف ينعكس بالضرورة على مجمل القضية الفلسطينية، وتعلق السوريين بها، وحرصهم على أن تكون قضيتهم كما في السابق، صحيح أن أهل السياسة يمكن أن يميزوا بين الفصائل الفلسطينية المصلحية النفعية وبين القضية الفلسطينية، لكن ذلك عند الشعب السوري الطيب لن يكون سهلًا عبر عملية الفصل بين قادة الفصائل ومنهم قادة حماس وبين القضية نفسها.
- بعد اليوم لن تكون مكانة حماس ولا القضية الفلسطينية التي يحملون راياتها المفترضة كما كانت لدى العديد من السياسات الرسمية العربية، حيث تصطف حركة حماس ومعظم الفصائل إلى جانب إيران والأنظمة (الممانعة) التابعة لها، ضد العرب وقضاياهم. وهذا لن يُغفر أبدًا، وسوف ينعكس مزيداً من الانشغال عن القضية الفلسطينية عربياً أكثر ممّا سبق.
- ولأن إيران ودعهما الشكلاني للفصائل الفلسطينية كان ويكون مشروطًا بالتبعية الكلية لها ولسياساتها، فإن مسألة المتاجرة بالقضية الفلسطينية ستكون سيدة الموقف، ولن يكون هناك من جدية ولامصداقية في التعاطي مع القضية الفلسطينيىة، والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وهو ماشاهدناه مؤخراً عبر توقيع وموافقة حزب الله الإيراني في لبنان على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الصهيوني، بأوامر إيرانية.
– لن يقدم نظام الأسد أي إجراءات حقيقية تخدم القضية الفلسطينية، وهو أي نظام الأسد من حمى حدود الكيان الصهيوني منذ اتفاق فض الاشتباك الموقع مع إسرائيل عام 1974 وحتى الآن، فكانت الجبهة السورية الإسرائيلية هي من أكثر الجبهات هدوءاً وأماناً لإسرائيل باعتراف الكيان الصهيوني نفسه وقادته الأمنيين، ولعل السؤال ما الذي سيقدمه النظام ليخدم قضيتهم هو السؤال الأكثر نصاعة ووضوحاً بما يحمل من إجابات معروفة للقاصي والداني، المتعلقة بما عرف به نظام الممانعة عبر ما يزيد على أربعين عامًا سلفت.
حركة حماس بتوافقها وتفاهمها مع نظام الأسد الذي وصفوه زوراً وبهتاناً بـ”حارس القلعة الأخيرة للمقاومة” لن تجد فيه إلا المزيد من الهوان، واللعب على الحبال، وخيانة القضية الفلسطينية، والكثير من المتاجرة الشكلية بها، ولامكان أبداً في سياساته الفعلية لفكرة مواجهة إسرائيل أو التصدي لها، بدلالة كل هذا الصمت المقيت عن مئات العمليات الجوية والصاروخية التي تستهدف الأراضي السورية منذ سنوات، دون احتمالات الرد، لأن معركته كانت وسوف تبقى ضد شعبه وليس ضد إسرائيل، وواهم من يعتقد أن نظام الأسد ومعه إيران يمكن أن يخوضوا حرباً ضد إسرائيل، أو حتى التفكير جدياً بتحرير فلسطين أو مرتفعات الجولان. فقد تحطمت على صخرة الواقع كل شعارات (الممانعة والمقاومة) وانكشف الوضع أكثر وأكثر، وبانت السياسات لمن لم تكن قد توضحت لديه مسبقاً، حيث كانت متغيرات الثورة السورية كاشفة بحق لكل من يدعون تحرير فلسطين أو الجولان.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا