يحيى قلاش
مروة جمال صحفية شابة وباحثة واعدة، سعدت بحضور مناقشة رسالتها للحصول على الماجستير، فى موضوع مهم يؤكد الثقة فى وعى الأجيال الجديدة بأبعاد قضية الصراع مع الكيان الصهيونى.
وكان مجرد سماعى لعنوان موضوع الرسالة كافيًا لتلبية دعوتها دون تردد، لحضور المناقشة التى جرت بإحدى قاعات كليات جامعة عين شمس، قبل أسبوعين.
لقد استحقت مروة ــ بجدارة ــ تقدير الامتياز الذى منحته لها لجنة علمية أشهد لها ــ من خلال حضورى المناقشة ــ بالرصانة والجدية وعمق الإلمام بموضوع الرسالة عن «تعرض المراهقين المصريين لمنصات التواصل الإسرائيلية الناطقة بالعربية».
الباحثة أوضحت أن أسباب اختيارها لموضوع الرسالة أنها لمست ــ من خلال عملها الصحفى ــ إلى أى مدى أحكمت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبضتها على السياسة الإعلامية؛ بداية من وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث يعمل نحو 10 مسئولين بالخارجية وعشرات الموظفين المدربين على كتابة المنشورات ونشر الصور، وترجمة المواد من العبرية إلى العربية، وكتابة تعليقات للمتصفحين، كما تمتلك المؤسسات العسكرية الإسرائيلية، دون استثناء، وحدات خاصة تتعامل مع جميع منصات التواصل الاجتماعى، وفى مقدمة تلك المؤسسات «الموساد» للترويج له وتجميل وجه الجهاز الاستخباراتى، وهو ما يقوم به أيضًا جهاز الأمن العام الإسرائيلى «الشاباك»، الذى يعتبر أصغر الأجهزة الاستخبارية فى إسرائيل، كما لاحظت فى الفترة الأخيرة أن منصات التواصل الاجتماعى الإسرائيلية باتت تغزو المجتمع المصرى ونجحت فى استقطاب ملايين المتابعين، فكان لا بد من محاولة دراسة هذه الظاهرة وأبعادها، والتنبؤ بما قد ينتج عنها من نتائج، لأن هذه المنصات تعمد إلى ضخ آلاف المنشورات الموجهة لإمداد جمهورها العربى المستهدف بالأخبار والمعلومات والأحداث داخـل المجتمـع الإسـرائيلى وخارجه، مـع مراعاة صياغة هذه المواد الإعلامية بما يخـدم الأهداف الإسرائيلية ويروج لها، كما تراعى صياغة هذه الأخبار وأسلوب عرضها تكوين اتجاهات إيجابية لدى المتلقى العربى عن إسرائيل، ومحاولة مسح ما استقر بوجدانه. خاصةً أنه لم يعد خافيا على أحد أن وسائل التواصل الاجتماعى بمنصاتها المختلفة وفى مقدمتها الإخبارية باتت من أهم وأكثر العوامل المؤثرة فى تشكيل وعى أفراد المجتمع بشكل عام، والمراهقين بشكل خاص، لأن فى هذه المرحلة العمرية تتشكل مفاهيمهم واتجاهاتهم.
وترى الباحثة أنه رغم أن منصات التواصل نشأت فى الأساس للتفاعل الاجتماعى بين الأفراد العاديين، إلا أنه تم تسييسها وأصبحت من أهم أدوات تشكيل الاتجاهات النفسية، وباتت سـلاحًا حديثًا تلجأ إليه الحكومات والدول فى إدارة صراعاتها الداخلية والخارجية، ونظرا لأهمية الاتجاهات النفسية تسعى العديد من الدول والمنظمات والأفراد إلى استخدام وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، من أجل بناء اتجاهات إيجابية نحوها، وتغيير الاتجاهات السلبية الشائعة عنها بأخرى إيجابية وإن كانت تنافى التاريخ والواقع المعايش، خاصة أن هذه المنصات تعد من أنجح الوسائل فى الوصول للشعوب، بما تتيحه من إمكانيات سمعية وبصرية ومؤثرات صوتية من نص وصورة وفيديو.
توقفت الدراسة بالتحليل عند المنشورات التى تبث من خلال بعض المنصات الإسرائيلية، وأشهرها «أفيخاى أدرعى» المتحدث باسم جيش الكيان الصهيونى و«إسرائيل تتحدث العربية» خلال مدة زمنية مدتها أربعة أشهر ونصف الشهر بداية من 1/12/2021م، وحتى 16/3/2022م، واختارت عينة من طلاب الجامعات المصرية الخاصة والحكومية والكليات النظرية والعملية بالريف والحضر فى المرحلة العمرية ما بين سن ١٧ و ٢٠.
الباحثة رصدت كيف تركز صفحة ادرعى على الجانب العسكرى والصفحات الأخرى على المضمون السياسى، وكيفية قلب الحقائق والمغالطات التى تقدمها فى صورة معلومات وكيف تتلاعب فى الأحداث السياسية والتاريخية والدينية بل وبعض آيات القرآن.
وأشارت نتائج الدراسة التحليلية إلى توزيع أساليب التضليل الإعلامى المستخدمة فى المنشورات، حيث جاء فى الترتيب الأول (التلاعب بالمعلومات) ثم (التحيز فى اختيار المعلومات) ثم (إهمال خلفية الأحداث أو وصفها بطريقة مختلفة) وأخيرا (تكرار بث الشائعات والمعلومات المغلوطة، والخلط بين المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة، كما أوضحت النتائج انه غلب على اتجاه أفراد العينة من الشباب شعورهم بالتعاطف مع الفلسطينيين وإدراكهم أن إسرائيل تستخدم السوشيال ميديا لتشويه الحقائق التاريخية وتشويه القضية الفلسطينية، ولمحاربة الهوية الوطنية العربية، ولتغيير اتجاهات الشباب العربى تجاهها.
مروة تحذر من استمرار انفراد هذه المواقع الإسرائيلية بشبابنا وتدعو إلى ضرورة قيام الباحثين بمزيد من الأبحاث حول الدور الدعائى الإسرائيلى فى كل مواقع التواصل الاجتماعى الآخذة فى الازدياد والتنوع، وإلى ضرورة النهوض بوسائل الإعلام العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص باستخدام الأساليب الإعلامية الصحيحة للرد على الدعاية الإسرائيلية ورفع مستوى الوعى لدى الجمهور العربى، خاصة فئة الشباب والمراهقين، تجاه عمليات غسيل الدماغ وتغيير الاتجاهات التى تقوم بها منصات التواصل الإسرائيلى الناطقة بالعربية.
كما ترى ضرورة بذل المزيد من الجهود البحثية للوقوف على الأسباب التى أدت إلى عجز إعلامنا عن توظيف الإعلام الرقمى بشكل يخدم أهدافه القومية كما نجحت فيه إسرائيل بجدارة.
صرخة الباحثة الشابة وكشف عجز رؤيتنا وعجز إعلامنا لا بد من الوقوف عنده، خاصةً أن وجدان الشعب المصرى تجاه الكيان الصهيونى ما زال هو حائط الصد.
وقبل مناقشة الرسالة بيوم توقفت عند نتائج استطلاع لمعهد واشنطن، يؤكد أن المصريين أكثر الشعوب العربية رفضًا للتطبيع مع إسرائيل، وأن نسبة الرافضين ــ طبقًا للاستطلاع ــ تتجاوز ٨٥٪ من الشعب المصرى.
هذه الرسالة بموضوعها وبعمر الباحثة يزيد من عمق قناعتى بفشل رهان مستقبل التطبيع، لأنه كما كتبت من قبل عن فشل الرهان على نسيان شبابنا للقضية الفلسطينية ومخططات دولة الكيان الصهيونى، وقلت: «أكاد أجزم بأن هذه الأجيال هم الرهان الرابح، لأنهم ببساطة لن ينتزعوا حقهم فى مستقبل حقيقى إلا بمواجهة امتلاك العلم وفهم حقائق هذا الصراع على المستوى السياسى والاجتماعى.. وهنا يكونون أو تكون إسرائيل!».
المصدر: الشروق
————–
في التصدي للتضليل الإعلامي الإسرائيلي
د. مخلص الصيادي
ليست مجرد رسالة ماجستير لصحفية شابة نالت عليها تقدير امتياز، لكن الرسالة التي جاءت بعنوان:”تعرض المراهقين المصريين لمنصات التواصل الاسرائيلية الناطقة بالعربية” هي شهادة وعي تخص أجيال الشباب من الإعلاميين والباحثين المصريين، وتخص البيئة العلمية في الجامعات المصرية، وهي تؤكد وعي الطرفين ورصدهم لخطورة ما تقوم به وسائط التواصل الاجتماعية الموجهة للعرب، ولضرورة التصدي لهذا التخريب الاسرائيلي المستهدف المتلقي العربي وخصوصا الشباب منهم، وتكشف حجم الجهات والأجهزة والامكانات التي وضعها الاسرائيليون لخدمة أهدافهم على هذا الجانب.
الاستاذ يحيى القلاش الذي حضر مناقشة الرسالة بدعوة من الصحفية المعنية ينقل لنا في تعليقه المرفق شيئا عن هذا الحدث، وعن أهميته، وأهميةالعلم في مواجهة محاولات الاختراق من جانب العدو الصهيوني، ولعله من قبيل ربط الظواهر ببعضها أن نشير إلى أن القنوات الفضائية العربية التي تستضيف المتحدثين الاسرائليين ومن بينهم أو في مقدمتهم “أفخاي أدرعي” المتحدث باللغة العربية باسم جيش الاحتلال تقدم منصات إضافية لهؤلاء المتحدثين قد لا تقل خطورة، إن لم تكن أكثر خطورة من المنصات الاسرائيلية التي تشير إليها الدراسة ( منصة المتحدث أدرعي، ومنصة ” اسرائيل تتحدث بالعربية”)، باعتبار أن انتماء هذه المنصات للعدو مباشرة يقيم حاجزا فوريا من الشك بينها وبين المتلقي العربي، في حين أن ظهور الاسرائيليين على القنوات العربية يمكنهم من التسلل الى المتلقي العربي، وتطبع مع هذا المتلقي وجود “الاسرائيلي” أما عينيه، وتعامله الاعلامي مع منطقه.
البحث مهم، وهو في حقيقته يمثل سلاحا علميا اعلاميا يحتاجه العاملون في هذا الميدان من شبابنا، كأسلوب في العمل، وأيضا للتعاطي مع نتائجه وما يصل إليه من خلاصات