د معتز محمد زين
في القصة المشهورة تاريخيًا، عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة إلى هرقل ملك الروم صادف ذلك وجود قافلة تجارية من مكة في بلاد الشام يرأسها أبو سفيان وهو حينها من أشد أعداء الدين الجديد، استدعى هرقل زعماء الوفد المكي وطلب أقربهم نسبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وطرح عليه مجموعة من الأسئلة للتعرف على الدين الجديد كان أحدها: هل يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم ؟؟
أجاب أبو سفيان: بل ضعفاؤهم .. فقال هرقل: هم أتباع الرسل.
استوقفني هذا السؤال وجوابه كثيرًا، مع أن الحوار بأكمله عميق وجميل ويحمل دلالات مهمة، إلا أن هذه النقطة بالذات لها في قلبي موقع خاص ربما لأنها تتلاقى مع فهمي لفلسفة الدين وجوهره وأهدافه.
جوهر الدين وهدفه الأكبر ومحور اهتمامه يدور حول نصرة المظلومين واستعادة حقوق المستضعفين وتحقيق المساواة بينهم وبين بقية أفراد المجتمع بما يكفي لكي يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم وإدراكهم لدورهم في بناء المجتمع وتقدم الأمة. جوهر الدين الإسلامي يقوم على الاخلاق والعدل وهذا سر قوته وانتشاره. يعيد الإسلام للمستضعفين إحساسهم بذواتهم ويستفز طاقاتهم الكامنة ويحافظ على كرامتهم المسلوبة بسبب تسلط الأقوياء والأغنياء والمستبدين. من أجل ذلك كان معظم أتباعه في بداية الدعوة من الضعفاء والمضطهدين والمظلومين والباحثين عن كرامتهم الإنسانية الضائعة بين جشع أصحاب الثروة واستكبار أصحاب السلطة.
جاء الإسلام ليعيد ترتيب العلاقات بين أفراد المجتمع. أهمية الفرد في المجتمع الإسلامي تنبع من قدرته على العطاء ومساعدة الآخرين( خير الناس أنفعهم للناس) ومقدار المخزون الأخلاقي الذي يضبط سلوكه مع الآخرين( أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا).
تحت مظلة الدين الرسالي لم يعد هناك أهمية كبيرة لكونك غنيًا أو من قبيلة عريقة. لم يعد هناك أهمية كبيرة للونك أو عرقك أو مهنتك أو نسبك. أهميتك بمقدار قربك من مبادئ وقيم هذا الدين(الإنسانية والعالمية والأخلاقية) وإخلاصك له واستعدادك للتضحية من أجله. لقد نجح الإسلام بتجاوز الحدود الجغرافية والفكرية والاجتماعية والعرقية ليقدم نفسه كدين عالمي جاء لكي يخرج الناس من عبودية الناس إلى عبودية الواحد القهار، يعطي للإنسان قيمته ويضمن له حقوقه ويحافظ على كرامته دون أدنى اعتبار للعصبيات ودون أدنى اهتمام بالأفكار العنصرية الموجودة لدى شرائح متكبرة من معظم أمم الأرض. لقد نجح الإسلام باستقطاب المستضعفين والمقهورين والمضطهدين من خلال نصوصه وممارساته العملية التي تجعل مقياس التفاضل بين الناس هو سرعتهم في التسابق للخيرات والمبرات، والتي تعاملهم وبقية أفراد المجتمع على قاعدة من المساواة والعدالة ( الناس سواسية كأسنان المشط ). ليس ذلك فحسب، أنت مطالب إسلاميًا أن تغامر بنفسك واستقرارك وأحيانًا بلدك دفاعًا عن المستضعفين الذين لا يجدون لهم نصيرًا ولا معينًا. قال الله تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾
لقد أسقط الإسلام الكثير من قيم الجاهلية وتشريعاتها وأحلافها، لكن ذلك لم يمنعه من الحفاظ على حسنها وما وافق منها قيم الإسلام وما كان فيه خدمة للإنسان وحفاظًا على حقوقه وكرامته لذلك أشاد النبي بحلف الفضول والذي كان متنه أن زعماء قريش ( تعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه) وقال عنه صلى الله عليه وسلم: ” لقد شهدت مع عمومتي حلفًا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت”.
من أجل تلك الروح التي تسري في جسد الإسلام، ومن أجل تلك القيم التي تشكل جوهر الدين الإسلامي وركيزته فإن هذا الدين يتسع يومًا بعد يوم وينتشر في مساحات واسعة من الكرة الأرضية بما في ذلك أرض أعدائه التاريخيين والاستراتيجيين على الرغم من كل المؤامرات التي تحاك والخطط التي تنفذ لخنق الإسلام ومحاصرته وتشويه صورته ومحاولة اجتثاث جذوره.
الإسلام باق، منارة للحائرين وملاذًا للمظلومين وكهفًا للمستضعفين، فليمكر أعداء الإسلام له وليعدوا عدتهم وليضعوا خططهم، فإن هذا الدين باق ما دام في الأرض مظلوم يبحث عن عدالة، ومستضعف يبحث عن نصير، وذليل يبحث عن كرامته الضائعة.
المصدر:إشراق