سامر القطريب
أصدر “مجلس الإفتاء السوري” التابع للمجلس الإسلامي السوري، فتوى جديدة وصف فيها طالبي اللجوء الذين يسلكون طرقاً غير آمنة بأنهم “آثمون ومجرّمون” في حال تعرض أحدهم للموت، مشيراً إلى أن المتسبب بسلك طالبي اللجوء تلك الطرق “آثم ومشارك في الجرم”.
وتُقدر منظمات الأمم المتحدة أعداد اللاجئين السوريين بنحو 6.8 ملايين لاجئ فروا إلى دول الجوار وأوروبا، معظمهم سلكوا طرقا “غير آمنة”، كي لا يموتوا قصفا أو اعتقالا أو جوعا في سوريا، وخوفا من الترحيل في بعض الدول.
وخلص المجلس في فتواه التي وقع عليها 19 من أعضائه، إلى أنه “من سلك هذه الطرق غير الآمنة في السفر فهو آثم، وإذا أفضى ذلك إلى موته أو موت من هم تحت ولايته؛ فالإثم أعظم، وهو من التسبب في القتل. ومن ادعى أنه مضطر لهذه الهجرة؛ فإنه لا يسلم له في معظم الأحوال، ولعل بقاءه حيث هو يكون أرجى للسلامة من ركوب المخاطر”، بحسب “مجلس الإفتاء”.
ورغم أن الفتوى ركزت على فكرة الضرر المحتمل في رحلة اللجوء، وأظهر الموقعون عليها حرصهم على سلامة المسلمين، إلا أنها حملت مخاوف المجلس الإسلامي المبطنة عندما قالت الفتوى: “إن المفاسد المترتبة على هذه الهجرة بلاد الغرب أشد من مفاسد بقائه في بلاد المسلمين”، وفي ذلك استباق أن من يصل أوروبا فإنه سيتخلى عن دينه، وهو ما لم تسجله تقارير أو دراسات اجتماعية كظاهرة ملاحظة.
فتوى المجلس لاقت ردود فعل غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشار ناشطون إلى أن السوريين يعيشون ظروفا صعبة في الداخل السوري وفي بعض الدول، وليس أمامهم سوى الهجرة “غير الآمنة” بعد أن أوصدت بوجهم السبل الطبيعية لللجوء والهجرة سعيا للأمان والحياة الكريمة، وأضاف البعض أنهم غير قادرين على اللجوء بـ “الطائرة” كما فعل أعضاء المجلس.
وقال ناشطون سوريون في منشورات أخرى إن الموت يتربص بالسوريين من “أمامهم ومن ورائهم”، واعتبر آخرون أن مجلس الإفتاء غير كفء بعد هذه الفتوى. في حين رأى آخرون أن المجلس تجاوز مهامه الدينية إلى مقاربة قضايا تتعلق بالأفراد وبتقدير الصالح العام.
كم استغرب من مجلس الافتاء السوري كان لديهم انفصام شخصي على الحال الذي وصلت له غابة المحرر ويطالبون بعدم الهجرة الا عبر الطرق الآمنة!!! وهم يعيشون في تركيا
في أمان بعيدا عن الذي نراه ويحصل في المحرر يعني معليش الشيوخ تعيش بأمان في تركيا والشعب يضل هون حدا يسحب منهم
ورد سوريون على الفتوى بالقول إن الرسول “ص” هاجر من مكة إلى المدينة المنورة ولم تكن هجرة آمنة ومريحة، بل كانت محفوفة بالمخاطر.
وحذّرت الصحفية صبا مدور من أن يستغل النظام السوري هذه الفتوى، مشيرة إلى أن فتوى المجلس الإسلامي اليوم تتناقض مع فتوى صادرة عنه عام 2015 بترخيص الهجرة هربا من القصف والتهديد.
في الفتوى التي اصدرها المجلس الاسلامي السوري تناقض مع بيانه ٢٠١٥، انذاك منح السوريين حق الهجرة هربا من القصف والتهديد و طالب الدول بفتح حدودها لهم. اليوم بفتواه يحرم عليهم كل ذلك ويستنكر وجودهم في الغرب. من المهم ان يراجع المجلس موقفه انصافا بالسوريين ودرءا لاستغلاله من النظام pic.twitter.com/BVzhTiDsEU
وكتب رامي في تغريدة:” إن المجلس الإسلامي السوري يتحمل وزر كل من صدق الفتوى وبقي فتعرض للظلم أو القتل أو أجبر على الضرر والفساد أو جاع أو اعتقل أو تعذب”.
واستندت فتوى المجلس على أن المهاجر سيتعرض في الطريق للإذلال على يد تجار البشر وخفر السواحل وجنود الحدود، وهنا أبدت ريم اعتراضها في منشور على فيسبوك، وقالتك: “معناها العيشة بسوريا حرام بحرام ، لانو هاد الخطر تبع الاذلال والاهانة حايفه للإنسان كيف ما التفت وبشكل يومي، وكمان اضاعة الاموال بالدفع لهاد وهداك مشان تمشي ابسط معاملاتك الحياتية اللي بتضل واقفة اذا ما دفعت … وعلى فكرة قصدي بسوريا كل سوريا، بناءً على منطق فتواكم تحرم العيشة بكل مناطق سوريا سواءً اللي تحت سيطرة النظام او اللي تحت سيطرة الفصائل”.
مجلس الإفتاء السوري واليمين المتطرف
تتزامن الفتوى مع حدة الخطاب العنصري الموجه ضد اللاجئين السوريين في عدد من الدول الأوروبية التي يصعد فيها اليمين المتطرف، إضافة لتركيا التي تشهد خطابا عنصريا من قبل بعض الأحزاب المعارضة قبيل الانتخابات الرئاسية، في حين بدأت عمليات الترحيل من لبنان تحت عنوان “العودة الطوعية”، هذه العودة التي أبدى السوريون خوفهم منها بسبب عدم وجود ضمانات دولية أو أممية تحميهم من انتهاكات النظام السوري، إضافة إلى عودتهم إلى “بلد غير آمن” بحسب تقارير أممية ودولية.
يرفض اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوروبي وجود مهاجرين ولاجئين معتمدا على نظرية “الاستبدال العظيم” أو العداء للأجانب المعروف بـ “زينوفوبيا” وأيضا العداء للإسلام “الإسلاموفوبيا”، حيث ضغط هذا اليمين خلال السنوات السابقة لتشديد الإجراءات الأمنية على الحدود بين تركيا واليونان لوقف عبور اللاجئين وإحدى حججه كانت “مجازفة اللاجئين بحياتهم”، وهو ما يتقاطع مع الفتوى التي “تحرم” اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي لأنها “غير آمنة” وقد تكون نهايتها بالموت.
وهو ما يذكر بـ خطاب زعيم حزب “الرابطة” الإيطالي اليميني المتطرّف، ماتيو سالفيني، الذي أطلق حملته الانتخابية الأخيرة من جزيرة لامبيدوزا، المحاذية للسواحل التونسية، والتي تُعدّ أبرز نقطة استقبال للاجئين في أوروبا والعالم. وقال سالفيني وقتها في اجتماع خطابي: “من يحقّ له المجيء إلى إيطاليا يأتي في الطائرة وليس في زورق مجازفاً بحياته. ومن لا يحقّ له ذلك، فلا يأتي”.
فتاوى أخرى للمجلس مثيرة للجدل
في حزيران الماضي، قال “مجلس الإفتاء السوري” إن “الأصل في تغيير الاسم أو النسبة (اسم العائلة) عند التجنيس هو المنع”، مؤكداً على أنه “لا يباح التغيير إلا للحاجة الشديدة وبضوابط محددة”.
وفي بيان له، قال المجلس إن “المسافرين والمهاجرين ما زالوا ينتقلون بين البلدان، ويحصلون على جنسيات أخرى منذ عشرات السنين دون تغيير للأسماء والأنساب”، مؤكداً على أن “تغيير الاسم لا يترتب عليه تلك الفوائد المتوهّمة من اندماج المجتمع ونحوها، والتي يمكن تحصيلها بغير هذه الطريقة”، إلا أنه “أباح” التغيير ضمن عدة شروط ذكرها في بيانه، وهو ما أثار ردود فعل معارضة لبيانه خاصة أن عددا كبيرا من السوريين حصلوا على الجنسية التركية وقاموا بتغيير الاسم والنسبة مثلما يسمح به القانون التركي.
كما أثار بيان المجلس بخصوص مشاهدة المسلسلات الرمضانية التي تنشرها قنوات موالية للنظام السوري، جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ عبّر البعض عن رفض تدخل المجلس في مثل هكذا مواضيع، أو وصايته على السوريين وما يجب أن يشاهدونه، في حين رأى آخرون أن البيان يأتي ضمن مهام المجلس، المتمثلة بالتحذير من “المنكرات”.
وفي آب من العام 2021 ألقى رئيس المجلس الشيخ أسامة الرفاعي خطبة في مدينة اعزاز، تمحورت حول دور منظمات المجتمع المدني ومشاريع تمكين المرأة، وهاجم الرفاعي المنظمات لدرجة وصفها بأنها مراكز من دول الاستعمار والضلال”، أن هدف هذه المنظمات هو تعري المرأة. وجاءت الخطبة في الداخل السوري الذي يعيش أزمات وكوارث على كافة الصعد، ويعاني من شح كبير في الدعم، وتحديدا دعم المرأة كبرامج سبل العيش والتمكين والتدريب المهني.
وسبق أن أصدر المجلس بيانا عن العنصرية التي يتعرض لها السوريون في تركيا، وطالب البيان السوريين بالتزام الأخلاق، وأعاد وصفهم بـ “الضيوف”، وهو ذات الوصف الذي أسس لأزمة التوصيف القانوني للسوري بأنه ليس لاجئا.
الإفتاء ليس وصاية مطلقة
احتفى السوريون بقرار تعيين الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما للجمهورية العربية السورية، بناء على موقفه الأخلاقي من النظام وعلمه الديني وتجربته في الإفتاء، وذلك لضرورة وحاجة الناس لمرجعية إفتائية تضبط وتحدد لهم أمور دينهم، إلا أن المجلس الإسلامي ككيان ديني راح باتجاه التبيان في كل القضايا السياسية والاجتماعية، والتحكم بنمط وأسلوب حياة الناس والتدخل في حرياتهم الشخصية.
ورغم كل الاعتراضات السابقة على نمط عمل المجلس الإسلامي وضرورة ضبط وتأطير مهامه وصلاحياته وواجباته، إلا أن المجلس بات يصدر فتاوى تستفز السوريين وتضر بمصداقيته كمرجعية إفتائية، ويراها كثيرون بعيدة عن الواقع أو مناقضة له، فالسوري في لبنان على سبيل المثال، المهدد بالترحيل إلى مناطق سيطرة النظام والذي ركب القارب وفقد حياته هربا من موت محقق تحت التعذيب في سجون النظام أو الموت جوعا في بلد منهك، بات بحسب الفتوى الأخيرة آثم و”برئت منه الذمة”.
والسوري المهاجر المخاطر يخطط أشهرا لرحلته ويحسب كل تحركاته حفاظا على حياته، ويدفع مبالغ أكبر -معظمها مبالغ مستدانة- لضمان طريق أقل خطورة، ولذلك فلكل حالة مقالها وهو قرار شخصي ليس ترفا بحثا عن مرتب أفضل أو منزل أجمل، إنما هي هجرة تشابه إلى حد كبير هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعه واضطر إلى إنقاذ نفسه وعائلته.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا