محمد عمر كرداس
شكَّل التدخل الروسي عام 2015 لحماية النظام السوري بداية النهاية لانتشار الفصائل المسلحة على الأرض السورية بعد عجز النظام وإيران والميليشيات التابعة إنهاء وجود هذه الفصائل، وبعد سياسة الأرض المحروقة والحصار التي اتبعتها روسيا والنظام في مختلف الأراضي السورية، خرجت روسيا بصيغة أسمتها مناطق خفض التصعيد الأربع في الشمال والجنوب والوسط السوري التي مالبثت أن أنهت ثلاثة من هذه المناطق وسلمتها للنظام بعد أن هجرت مقاتلي الفصائل ومن أراد من المواطنين من هذه الفصائل إلى موقع واحد في إدلب التي كانت تسيطر عليها جبهة النصرة المصنفة عالميًا بأنها منظمة إرهابية، ولم يبق من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام غيرها وغير المناطق التي احتلها التحالف الدولي وصنيعته قسد والتي كانت تتواجد فيها عصابات مايسمى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الرقة والجزيرة السورية..وبعد العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري أصبحت عدة مناطق تتبع مباشرة للجيش التركي وتواجدت فيها فصائل عسكرية متعددة باسم(الجيش الوطني). وبينما ألغت النصرة في إدلب الوجود المسلح لجميع الفصائل في مناطق سيطرتها كونها تنظيمًا شموليًا لايعترف بأحد، تعددت الولاءات والاتجاهات والمصالح في المناطق الأخرى وشهدت في الفترة الأخيرة حربًا بين هذه الفصائل كان الخاسر الأول فيها الشعب المسالم والمنهك في هذه المناطق، تعيش هذه المناطق ومعها قسد وإدلب تحت ظل حكومات متعددة وكلها ضعيفة لاتعرف من أصول الحكم إلاّ جني الأموال ولا تقدم أية خدمات حقيقية للسكان فالتعليم منهار والصحة في تدهور حتى إننا نشهد أمراضًا حسبناها انقرضت في المجتمع السوري كالكوليرا وغيرها من الأمراض الفتاكة، وإذا لم يكن هناك تدخل من منظمات وجمعيات عالمية إنسانية وصحية، يتردى الوضع بسرعة خاصة أن كثير من تلك المنظمات تنسحب تدريجيًا ويتراجع دعمها منذ سنوات بحجج مختلفة من كورونا إلى الحرب الأوكرانية إلى غيرها من الأسباب، والمواطن الذي لا يجد عملًا ولا موردًا هو الوحيد المسؤول عن إعالة عائلته من مأكل وملبس وطبابة وتعليم وهو العاجز عن كل ذلك ولا ترى هذه الفصائل المتناحرة والمقتسمة لمناطق النفوذ غضاضة من العيش مرفهة ومنعمة على حساب هذا الشعب المقهور، عبر دخلها من المعابر التي تسيطر عليها وتجارتها بأرزاق الناس، فبين الفيلق الثالث وجبهة النصرة هناك معابر وأيضًا بينها وبين قسد وأيضًا مع النظام وكلها تجني الملايين لتصبح أسعار المواد الضرورية لحياة البشر لاتطاق، كل ذلك بكفة والسكن ضمن الخيام ونحن على أبواب شتاء رأيناه في العام الماضي يهدم الخيام ويشرد ساكنيها ويصنع الكوارث في هذه البيئة الضعيفة ومايسمى(الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) يسكن القصور الفارهة ويتمتع بالرواتب العالية وبالعملات الأجنبية وليس له من عمل إلاّ إطلاق التصريحات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع وهو عاجز عن تقديم أية مساعدة لأهلنا في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بأوامر داعميه وأولياء نعمته.
نحن نعلم تمامًا أن كم الضباط والجنود المنشقين عن النظام والذين أبعدوا عن أي دور قيادي في المعارضة كانوا قادرين وهم المدربون والمؤهلون للقيادة أن يكونوا لبنة أساسية في بديل عسكري وسياسي للنظام ونعلم أيضًا أن الدول الداعمة لامصلحة لها في ذلك فهي بأكثرها متجهة لإعادة تأهيل النظام الذي أصبح بكل التصنيفات الدولية نظام الكبتاغون والمخدرات الأكبر على مستوى العالم وأن هذه التجارة الرائجة تدر عليه أموالًا من القطع الأجنبي تغنيه عن الحاجة لغيرها وتجعله قويًا لتعطيه إمكانية الاستمرار والقبول ولا نبرئ الكثير من الفصائل من هذه التجارة أيضًا.
إن أهلنا في المناطق خارج سيطرة النظام تعيش وضعأ مأساويًا بكل معنى الكلمة كما أهلنا تحت سيطرة النظام فسجون الفصائل ممتلئة بالأبرياء وبالثوار الحقيقيين كما سجون النظام، ولا أحد يلتفت إلى ذلك محليًا ودوليًا، والاغتيال يلاحق العناصر النشطة في الإعلام وفي الثورة من درعا إلى مناطق الفصائل إلى كل المناطق التي يحاول الصوت الجريء أن يؤكد استمرار الثورة بأهدافها الحرية والعدالة والكرامة. فإلى متى يستمر هذا الوضع وكيف الخروج من ذلك لتعود للناس آمالها بأنها على طريق أهداف ثورتها التي أجهضها النظام وحلفائه كما أجهضتها الفصائل المسلحة المدعومة كلها خارجيًا بالمال والسلاح لا لتحقق أهداف الثورة بل لتزيد الفرقة ولتبعدنا عن الحل الوطني الديمقراطي الذي ننشده..أعان الله سورية وشعبها المقهور من قبل النظام وحلفائه ومن مدعي الثورة الذين خربوا الثورة وأعطوا النظام مبرر البقاء والاستمرار.
المصدر: إشراق