أحمد مظهر سعدو
طالما اشتغل الإيرانيون حثيثًا على الوصول إلى مدينة حماة وريفها، عبر سياستهم القصدية الممنهجة، للانقضاض على مدينة أبي الفداء، المعروفة بمواجهتها للنظام الأسدي الفاشيستي منذ ثمانينات القرن الفائت، وما أصابها نتيجة ذلك، مع العديد من المدن السورية، على أيدي رفعت الأسد، من عسف وقتل وتدمير، حيث تجاوز عديد شهدائها عام 1982 عتبة 40 ألفا في أقل التقديرات، ويومها أدرك الفرس الداعمين لحافظ الأسد معنى وماهية مدينة حماة، ضمن حالات الانتفاض الكبرى التي حصلت في تلك المرحلة، وما يوازيها بل يزيد، من ثورة جماهيرية سلمية عارمة، مع بدايات ثورة الحرية والكرامة عام 2011، ليتجاوز عدد متظاهريها في يوم واحد المليون وطنيًا سوريًا انتفضوا ضد الطغيان، وهم يعرفون ويدركون معنى وجود هذا النظام الإجرامي، ومن يدعمه من الحاقدين الفرس الطائفيين، الذين ماانفكوا داعمين لنظام الأسد منذ حافظ، وصولًا إلى ابنه السفاح بشار الأسد.
على هذا الأساس فقد وضع الإيرانيون نصب أعينهم، ومع سيطرة عصابات الأسد والميليشيات الإيرانية، والتابعين لها، من شذاذ الآفاق على مجمل محافظة ريف حماة إلا ماندر منها. ومعروف أن ريف حماة بقراه ومدنه، كانت قد تمكنت قوات النظام والميليشيات الطائفية الإيرانية السيطرة عليها، بين عام 2019 وحتى 5 آذار/ مارس 2020 يوم أُعلن عبر التفاهم الروسي/ التركي عن توقيع الاتفاق البروتوكولي لوقف إطلاق النار وصياغة الهدنة، وهي التي مازالت صامدة حتى اليوم، خلا الاختراقات المستمرة التي يقوم بها النظام والميليشيات الإيرانية والروس في الكثير من الأحيان. وهي مسألة يدركها القاصي والداني ويعاني منها أهالي إدلب وريفها بشكل يومي، حيث تحتشد قوات الميليشيات الإيرانية متربصة بماتبقى من ريف حماة، وجزء كبير من إدلب وريفها.
وكان القصف وسياسة الأرض المحروقة التي وقعت قبل تفاهم 5 آذار/مارس كانت سياسة إيرانية روسية نفذها النظام بالاشتراك مع الميليشيات الإيرانية والطيران الروسي، وهي أي إيران تتنافس مع الروس في غير مكان من الجغرافيا السورية، لكنها في إدلب وريف حماة تلتحم وتتفق لانجاز المشاريع المزمعة والغايات المرجوة. وهي تقوم بذلك بشكل مستمر لإخضاع أهالي حماة وإدلب.
تتمركز الميليشيات الإيرانية مع شبيحة النظام السورية في العديد من مناطق ريف حماة، وهو مايؤدي بين الفينة والأخرى إلى استهداف نقاطها العسكرية من قبل الكيان الإسرائيلي.
ففي مدينة مصياف بريف حماة، تفرض الميليشيات الإيرانية مؤخرًا طوقاً أمنياً مشدداً حول معسكرات الشيخ غضبان والرصافة ومركز البحوث العسكرية، وكذلك تعمل الفرق الهندسية في مايسمى «الحرس الثوري» الإيراني، على إزالة الأنقاض والمعدات الصناعية والأسلحة وتأمينها، بالأخص بعد غارات جوية إسرائيلية استهدفتها مؤخرًا وهي التي وصفت بالعنيفة.
ويتحدث أبناء المنطقة عن أن الفرق تلك قد قطعت الطرق العامة في المنطقة بالليل، وتقوم بنقل بعض الآليات والمعدات العسكرية إلى مناطق غير معروفة، تواصل إعادة تأهيل المستودعات وتأمينها مجدداً، من أجل تفادي القصف الجوي الإسرائيلي في مستقبلات الأيام. وقد أكدت مصادر محلية موثوقة أن “الضربة الجوية الأخيرة على معسكرات مصياف ومركز البحوث العلمية العسكرية، هي الأقوى منذ بدأت إسرائيل باستهداف المواقع الإيرانية في المنطقة، نظراً للدمار الكبير الذي لحق بها والحرائق الضخمة التي اندلعت، إضافة إلى الصواريخ والذخائر التي انفجرت داخلها على مدار 5 ساعات وتطاير أجزاء منها إلى القرى القريبة”.
ويحكى عن أن المسؤولين السوريين تدخلوا عند إيران لعدم شن هجمات ضد إسرائيل من أراضي سورية، حيث تحاول إيران الرد على تلك الضربات الإسرائيلية من خلال الرماية على القواعد الأميركية. وقد تم جمع الميليشيات الإيرانية والأحزاب المدعومة إيرانياً في سورية والعراق، مع«حزب الله» اللبناني، و«فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري». وصولًا إلى توافق على القيام باستهدافات للقواعد الأميركية.
وفي هذا السياق، أخلت الميليشيات الإيرانية عدداً من مواقعها العسكرية في مناطق في ريف حماة وشرقي حلب، وتم نقل معداتها العسكرية وأسلحتها ، تحسباً من هجوم محتمل من قبل الطيران الإسرائيلي والأميركي. وتم تحريك بعض ميليشياتها من بعض المواقع المنتشرة على الطريق البرية حماة – حلب، أو ما يعرف بطريق أثريا – خناصر، بأوامر من غرفة العمليات الإيرانية (الشمالية)، الواقعة في جبل عزان جنوب حلب، تحسباً لغارات جوية أميركية وإسرائيلية محتملة.
فيما عملت الميليشيات الإيرانية والأفغانية وحزب الله (العراقي)، على تمويه مواقعها العسكرية في بادية حماة ، لعدم كشفها من قبل طائرات الاستطلاع الأميركية التي بدأت مؤخراً في توسيع نطاق جولاتها الاستطلاعية، لتطال القسم الشرقي من محافظات حماة في البادية السورية، بعد تزايد وتيرة التصعيد بين إيران وأميركا، واستهداف مقاتلات الأخيرة ومسيراتها، مواقع عسكرية لميليشيات موالية لإيران في مناطق عديدة ومقتل وجرح عدد من عناصرها .
مع العلم أنه وبالرغم من انطلاقة الميليشيات المدعومة إيرانياً كانت من دمشق، فلم تقف عند حمص، بل امتدت إلى حماة وحلب وإدلب، وشاركت بقوة في معارك كثيرة ضد الشعب السوري في حماة وسواها.
ويصل تعداد الميليشيات الإيرانية في حمص وباديتي حماة والرقة الواقعتان تحت سيطرة قوات النظام السوري، نحو 4800 عنصر من جنسية إيرانية وجنسيات عربية وآسوية متنوعة.
ويتضح أن إيران تعمل على تعزيز نفوذها العسكري غربي سورية وتحديدًا المناطق الممتدة بين حماة وحمص عبر إنشاء كتائب عسكرية تابعة لها في هذه المناطق إلى جانب تعزيز قدرات ميليشيا حزب الله اللبناني، وتشير فصائل المعارضة السورية إلى أن المعارك الأخيرة في سهل الغاب كانت بإشراف القوات الإيرانية، وحزب الله بشكل مباشر وأكثر وضوحًا.
يشير النشطاء السوريون إلى “أن القوات الإيرانية شكلت ست كتائب مقرها الرئيسي اللواء 47 دبابات الواقع بين ريفي حمص وحماة، بالإضافة إلى تشكيل لواء في منطقة إثريا بريف حماة الشمالي باسم لواء 45 مغاوير وتعمل اثنتان من الكتائب في إثريا، واثنتان على الطريق الواصل إلى مدينة حمص تحت قيادة ميليشيا حزب الله اللبناني إلى جانب كتيبة أخرى تشرف عليها الميليشيا في منطقة السلمية بريف حماة وتتخذ من منطقة السطحيات مقراً لها بالإضافة إلى كتيبة أخرى موجودة في اللواء 47”.
ويبدو أن مهمة هذه الكتائب الإيرانية المسلحة حسب النشطاء هي “تعزيز الدفاع عن قوات النظام في حماة وحمص لصد أي تقدم محتمل لقوات المعارضة نحو المدينتين، ولا سيما بعد التخوف من تمركز المعارضة في سهل الغاب وإدلب بشكل فاعل، وترفع عناصر تلك الألوية شعارات شيعية، كما يلبسون عصابات على رؤوسهم تحمل شعار (يا علي)، و(يا زينب) خلال تدريباتهم”.
ويعتبر البعض أن الغرض من محاولات القوات الإيرانية وحزب الله السيطرة على المنطقة الوسطى هو “رسم حدود التقسيم حيث إن مجريات المعارك على الأرض تشير إلى محاولة رسم للمناطق التي سوف تكون تحت سيطرة النظام وهي دمشق واللاذقية وحمص وحماة، ولذلك يحاولون أن تكون تلك المناطق خاضعة لهم وتحت رقابتهم .
وقد أكدت معلومات من داخل أجهزة النظام السوري أن هناك مايؤكد سيطرة قوات من الحرس الثوري الإيراني على اللواء 47 بريف حماة وأن من بقي من ضباط النظام معهم هم من الموالين كليًا لإيران وليس لروسيا.
وهناك ورقة يحملها بعض قيادات الإيرانيين موقعة من وزير الدفاع تسمح للقوات الإيرانية بالدخول إلى المقار العسكرية من دون الحصول على إذن مسبق، مهما كانت حساسية تلك المؤسسات، وتخولهم أيضًا الاستفادة من أية قطعة عسكرية.
ويشار إلى أن المغريات المالية تجعل من عناصر وضباط الجيش السوري وتشجعهم على ترك القطع العسكرية التي يخدمون فيها والالتحاق بالقوات الإيرانية، كما أن هناك “تسهيلات وامتيازات تمنح لمن ينتمي للطائفة الشيعية من العناصر حيث يحصلون على رشاوى مالية خاصة، ويتم إرسالهم إلى دورات عقائدية لتعلم استخدام السلاح، وحضور حوزات دينية.”
من خلال هذه الإطلالة السريعة على دور الميليشيات الإيرانية في محافظة حماة، فإنه يمكن القول أن هذا الذي استعرضناه يعتبر الغيض من الفيض من كل الذي يفعله الإيرانيون في محافظة حماة وسواها من المحافظات حيث نشهد المزيد من الانتهاكات والتغول على جل الجغرافيا السورية على امتداد الوطن السوري.
المصدر: وكالة ثقة