أمين العاصي
تتوالى التصريحات التركية التي تؤكد عزم أنقرة على بدء عمليتها العسكرية البرّية في الشمال والشمال الشرقي من سورية، لملاحقة المسلّحين الأكراد، وتوسعة “المنطقة الآمنة” التي تبعدهم أكثر عن حدودها. وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أمس، ذلك، فيما يتركز الحديث على عملية برّية تدريجية على أن تبدأ من تل رفعت في ريف حلب الشمالي بحسب ما قالت مصادر تركية لـ”العربي الجديد”.
من جهتها، تحاول “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) الضغط على الحليف الأميركي وعلى الروس لمنع تركيا من تنفيذ عمليتها.
وأكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أمس، بحسب ما نقلت عنه شبكة “الجزيرة”، أن العملية العسكرية التركية ستستمر، والأولويات التركية هي التي ستحدد زمانها ومكانها.
وقال قالن إن العملية البرّية قد تبدأ في أي وقت، وذلك اعتماداً على تقييم المراجع المعنية في بلاده، موضحاً أن تركيا تطالب بأن تكون “وحدات حماية الشعب” الكردية في مناطق تبعد 30 كيلومتراً عن الحدود التركية. وقال قالن إن القصف التركي حتى الآن لم يستهدف أي جنود أميركيين أو روس، بل “الهدف الوحيد هو وحدات حماية الشعب”.
التحضيرات جارية للعملية التركية
وعلمت “العربي الجديد” من مصادر دبلوماسية تركية مطلعة، أن العملية البرية التركية ستتمّ عبر مراحل، على أن تبدأ الأولى خلال أيام، وتشمل منطقة تل رفعت، على أن تشمل المراحل التالية لاحقاً عين العرب (كوباني) ومنبج، في شمال شرق حلب. ولفتت المصادر إلى أن التحضيرات مستمرة للقيام بعمل عسكري برّي يستهدف تل رفعت (17 كيلومتراً بعيداً عن الحدود التركية)، مشيرة إلى أن تركيا تقود مشاورات مع روسيا لإحداث التوافقات حول العملية. وينتظر، بحسب المصادر، انسحاب قوات النظام السوري من المنطقة حال استكمال هذه التفاهمات.
وصدرت تعليمات لـ”الجيش الوطني السوري” المعارض المدعوم من أنقرة، لاستكمال التحضيرات أيضاً بشأن العملية البرّية، بحسب المصادر. وفي ما يخص عملية منبج وعين العرب، فإنها، وفق المصادر ذاتها، تحتاج إلى مزيد من اللقاءات مع الأطراف الفاعلة، وتحديداً روسيا والولايات المتحدة، كما أنّ توقيتها سيكون خلال الأشهر المقبلة.
وأكدت مصادر في المعارضة السورية المسلحة، لـ”العربي الجديد”، مسألة التحضيرات بشأن تل رفعت، كاشفة أّن الخطط وُضعت وتمّ توزيع المهام على الفصائل في المناطق التي ستعمل على السيطرة عليها. وأكدت المصادر أن منبج وعين العرب هما هدفان أيضاً. وبحسب مصادر عسكرية من قوات المعارضة السورية، ينقسم محور تل رفعت بين فصائل الجيش الوطني إلى محورين، هما “إعزاز – تل رفعت” ومحور “مارع – الشيخ عيسى – تل رفعت”.
كما أشارت المصادر نفسها إلى أن لمدينة مبنج، محوري هجوم أساسيين، هما “الباب – منبج” و”جرابلس – منبج”. ولفتت إلى أن محور منبج يعد من أضخم المحاور وأطولها، فيما تضم مدينة عين العرب محوري هجوم، هما “جرابلس – عين العرب” و”تل أبيض – عين العرب”.
وتكررت أخيراً تصريحات رسمية تركية عالية النبرة حول العملية، وحدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أهدافها بأنها تشمل المناطق الثلاث. وأول من أمس، جدّد أردوغان تعهده بالقضاء التام على حزب العمال الكردستاني و”الوحدات” الكردية، بعد اجتماع الحكومة في أنقرة.
ورأى الصحافي التركي يوسف سعيد أوغلو، أن “الحكومة التركية وضعت هدفاً محدداً هو إجراء عمل عسكري يستهدف 3 مناطق، وبالتأكيد فإن الوصول إلى هذا الهدف يحتاج إلى توافقات مع الدول الفاعلة”. وأضاف سعيد أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المشاورات لن تكون سهلة في ظلّ معارضة روسيا وأميركا اللتين ترفضان في الوقت ذاته تنفيذ الاتفاقات السابقة بتطهير المنطقة من المسلحين”، ورأى أن العملية التركية الجديدة “إن جرت، فستكون بالتأكيد خلال فترة تسبق الانتخابات”. وشدّد سعيد أوغلو على أن “الحكومة التركية تدرك تماماً أهمية العمليات العسكرية خارج الحدود في التأثير على الرأي العام المحلي، ولهذا ستعمل على تحقيق ذلك قبيل الانتخابات، ومن هنا قد تكون عبر مراحل ليبقى تأثيرها مستمراً”.
“قسد” أمام الخيارات الصعبة
من جهتها، تقف “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) أمام الخيارات الصعبة مجدداً، فهي إن سلّمت مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب إلى النظام، كما تطالب أنقرة، ستفقد الكثير من أوراق قوتها. وربما تعد هذه الخطوة مقدمة لتسليم كل الشمال الشرقي من سورية للنظام، ومن ثم الخروج تماماً من كل معادلات الصراعين العسكري والسياسي في سورية.
مع العلم أن صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، كانت قد ذكرت أن موسكو قدمت لـ”قسد” عرضاً يقضي بانسحاب جدّي مسافة 30 كيلومتراً ودخول قوات النظام لهذه المناطق وانتشارها على طول الحدود. ونقلت عن مصادر وصفتها بـ”المتابعة”، قولها إنه “يمكن اعتبار اللقاء رسالة تركية أخيرة لـ”قسد” عبر الوسيط الروسي قبيل عملية عسكرية برية تركية محتملة.
وتعتبر منطقة عين العرب (كوباني)، شرقي نهر الفرات، أبرز المناطق السورية ذات الكثافة السكّانية الكردية، بعد سقوط منطقة عفرين في يد فصائل المعارضة السورية المدعومة تركياً. لذا من المتوقع أن ترفض “قسد” تسليم هذه المنطقة لأي طرف، إلا إذا خسرتها بالحرب مثلما حدث في عفرين (2018) أمام فصائل المعارضة.
وقال الرئيس المشترك لمجلس سورية الديمقراطي (مسد – الجناح السياسي لـ”قسد”)، رياض درار، لـ”العربي الجديد”: “لا أحد يعرف إلى أين تذهب التقلبات التركية”، مضيفاً: “هذا العدو اللدود (تركيا) للنظام السوري، والذي اعتمد عليه السوريون كداعم لهم، أصبح يريد تسليم كل شيء لهذا النظام”. وتساءل درار: “نحن (“قسد”) موسومون بالعمالة مع النظام، وهذه كانت تهمة الجانب التركي لنا، فلماذا يريد منّا اليوم تسليم هذا النظام كل شيء؟”.
وأضاف الرئيس المشترك لـ”مسد”: “إننا حاولنا مرات عدة للتوصل إلى حلّ سوري مع النظام”، مضيفاً: “نحن ندعو لسلام سوري والذهاب إلى حلّ سياسي، في الوقت الذي يمنع ذلك الجانب التركي”. وأكد أن الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي من سورية “مستعدة لفتح باب التفاهمات مع الجانب التركي أولاً لتوحيد الشمال السوري كلّه لتحقيق إنجاز من أجل دماء السوريين وتضحياتهم”، لكنه رأى أن “الفوبيا الكردية لا تجعل الجانب التركي يرى حقيقة الأمر في الشمال والشمال الشرقي من سورية”.
كما أكد درار استعداد “قسد” لـ”الذهاب إلى حلّ سياسي حقيقي مع النظام”، وقال حول ذلك: “نحن لم نطرح شعارات تريد إزالة كل شيء، نحن نريد حلّاً سياسياً والتغيير الديمقراطي”. وحذّر من أنه “إذا دخل الأتراك الأراضي السورية فهم محتلون ومقاومتهم مستمرة. أما إذا أراد الأتراك فتح باب سلام، فنحن مستعدون ولدينا القدرة على تحمّل المسؤوليات”.
وتسيطر “قسد”، والتي ينظر إليها الأتراك على أنها نسخة سورية من حزب العمّال الكردستاني، على جلّ الشمال الشرقي من سورية، وهي تعوّل حتى اللحظة على موقف أميركي رافض لأي توغل تركي ثالث على حسابها في الشمال السوري.
وكان منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، أكد أول من أمس، أن من حق تركيا دفعَ الإرهاب عن نفسها، غير أنه أشار إلى معارضة بلاده أي تحرك قد يؤثر على مواصلة الحرب على “داعش”، أو يوقع ضحايا بين المدنيين.
وطالب قائد “قسد” مظلوم عبدي، أمس، في تصريح هاتفي لوكالة “رويترز”، برسالة “أقوى” من واشنطن إلى تركيا. وقال عبدي إنه تلقى تطمينات “واضحة” من واشنطن وموسكو بأنهما تعارضان غزواً برّياً تركياً، “لكننا نريد شيئاً ملموساً أكثر”. وأضاف: “نحن ما زلنا قلقين. نريد بيانات أقوى وأكثر صلابة لوقف تركيا”، معتبراً أن “بداية الاجتياح ستعتمد على كيفية تحليل أنقرة لمواقف الدول الأخرى”. وأشار عبدي إلى أنه لن يعول على الدفاعات الجوية السورية “الضعيفة” نسبياً، بعدما عبّر في وقت سابق عن أمله في أن تساعد في الدفاع عن قواته من ضربات أنقرة الجوية.
ومن المتوقع أن ترفض واشنطن التي تحتفظ بوجود عسكري واسع في الشمال الشرقي من سورية، تغيير خريطة السيطرة الميدانية لصالح الروس والنظام السوري. وترى واشنطن أن أي عملية عسكرية تركية في الشمال السوري تهدد التقدم الذي أحرزته مع “قسد” في محاربة “داعش” وهزيمته في شرق نهر الفرات، وتعرض حياة الجنود الأميركيين المنتشرين في شمال شرق سورية للخطر.
ورأى الباحث السياسي رضوان زيادة في حديث مع “العربي الجديد”، أن موقف الإدارة الأميركية واضح حيال الأوضاع في الشمال السوري”، موضحاً أن “واشنطن ليست مع عملية برّية ولكنها في الوقت ذاته تقف مع تركيا في الدفاع عن نفسها بعد التفجير الأخير في إسطنبول” في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، والذي راح ضحيته 6 مدنيين وأكثر من 81 مصاباً. واتهمت أنقرة “العمال الكردستاني” و”الوحدات” الكردية بالوقوف وراء التفجير، وهو ما نفاه الجانبان. وبدأت أنقرة منذ 20 نوفمبر حملة قصف جوي ومدفعي استهدفت مئات الأهداف في الشمال السوري التابعة لـ”قسد” وللنظام.
المصدر: العربي الجديد