كشف السجال الذي دار بين مندوب تركيا ونائب مندوب نظام اﻷسد في مجلس اﻷمن “الحكم دندي”، يوم الثلاثاء الماضي، عن عمق الخلاف بين الجانبين، بينما يجري الحديث عن إمكانية تطبيع العلاقات وحصول لقاء بين الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” و”بشار اﻷسد”. وانتقد “دندي” ما أسماها “الذرائع التي يسوقها النظام التركي”، من أجل “تبرير اعتداءاته على الأراضي السورية”، معتبراً أنها “لم تعد تخدع أحداً وخاصة في ظل استمراره بدعم التنظيمات الإرهابية ومواصلة رعايته لتنظيم الدولة و”جبهة النصرة” “. وطالب دندي، مجلس الأمن بإلزام تركيا بإنهاء “الوجود العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية”، وبضرورة “خروج القوات الأمريكية من البلاد”. وردّ المندوب التركي لدى مجلس اﻷمن على انتقادات من عدة دول للعملية المرتقبة لبلاده في شمال سوريا، لكنّه أعطى ردّاً خاصاً على النظام بقوله: “لن أُشرّف مندوب النظام بالردّ عليه”. وليست هذه المرة اﻷولى التي يقع فيها هذا السجال، فقد هاجم المندوب السابق للنظام “بشار الجعفري” تركيا في جلسة لمجلس اﻷمن عقدت وسط اشتداد الخلافات بسبب الحملة على إدلب في 2020، وردّ المندوب التركي بقوة قائلاً: “إنه من المشين أن يجلس هذا الرجل خلف اسم سوريا في المجلس”. وحول دلالات ذلك قال الكاتب والصحفي السوري، رئيس تحرير صحيفة “إشراق”، “أحمد مظهر سعدو”، في إفادته لـ”حلب اليوم”، إنه لا شك لديه بأن الخلافات الشاقولية بين نظام الأسد والدولة التركية ماتزال قائمةً، بل و”لايمكن حلّها ببساطة لما بينهما من خلافات كبرى وإستراتيجيات متباينة”. ورغم ذلك؛ يرى الكاتب أن “مسار التطبيع بين الجانبين اتكأ على مصالح لكل منهما”، حيث أن “هذه المصالح مابرحت حاضرة وآنية”. وقال “أردوغان” نهاية شهر تشرين اﻷول/ أكتوبر الماضي، في جوابه على سؤال حول احتمالية لقاءه باﻷسد إن “هذا ممكن، فلا توجد خصومة دائمة في السياسة، يتم اتخاذ الخطوات في هذا الصدد عاجلاً أم آجلا في الظرف الأنسب”. لكنّ الخلافات البينية ليست من السهولة بمكان لحلّها، وفقاً لـ”سعدو”، وليس من السهل وضع حل مباشر لها، “حتى لو استمرت روسيا بالتدخل بينهما لأن الروس هم أصحاب المصلحة بالأساس، وصولاً إلى الهيمنة على كل الجغرافيا السورية فيما لو تمكنوا من ذلك”. وأعلن المتحدث باسم “الكرملين” “ديمتري بيسكوف”، في تعليقه على تصريح “أردوغان” منذ أسابيع أنه “لا توجد أي اتفاقات حول عقد لقاء بين الجانبين في روسيا”، لكنه قال “إن ذلك ممكن من الناحية النظرية”. وتحاول روسيا بشكل مستمر عقد اتفاقات ميدانية كتمهيد من أجل التطبيع بين الجانبين فيما يخص الشمال السوري، وقوات “قسد”، وقد عرضت موسكو، يوم الجمعة الماضية، على تركيا، القبول بانتشار قوات النظام بدلاً من “قسد” في ريف حلب، لكن أنقرة رفضت ذلك، وفقاً لما نقلته قناة “الجزيرة” عن مصادرها الخاصة. هل “أردوغان” يعني ما يقول؟ يعتقد بعض المراقبين أن الرئيس التركي ربما يحاول، مع اقتراب الانتخابات، امتصاص الضغط الكبير الذي ولّدته المعارضة عبر استخدامها لملف اللاجئين السوريين، ومطالبتها للحكومة بحل الخلافات مع النظام وإرجاعهم إلى بلدهم. كما يدعو الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” نظيره التركي – وفقاً لما صرّح به اﻷخير – للتواصل مع اﻷسد ﻹصلاح ملفات المنطقة، وقد أوضح “أردوغان” أن اﻷمر قائم على مستوى استخبارات البلدين فقط. ويرى الكاتب “سعدو” أن طرح الرئيس “أردوغان” لم يكن مناورة انتخابية بل “هو وبكل وضوح خطوات جدية من أجل مصلحة انتخابية باعتبار أن الانتخابات باتت على الأبواب والصندوق الانتخابي مازال حرجاً وإمكانية نجاح حزب العدالة والتنمية ما زالت في متأرجحةً في الميزان”. ويضيف أنه “ليس هناك في السياسة ما يمكن أن يجارى به أحدٌ وليست السياسة تبويس ذقون كما يقال، بل هي مصالح براغماتية منجدلة فيما بينها وتؤشر إلى مآلات نفعية بينية لامناص من الاشتغال عليها، وهو مايفعله “أردوغان” عبر كل تحركاته الإقليمية والداخلية أيضاً وهذا شيء طبيعي في السياسة وكل السياسات سواءً الإستراتيجية أو التكتيكات الملحقة بها”. هل يمكن تجاوز الواقع الميداني؟ استهدفت طائرة مسيرة تركية بغارة جوية موقعاً لقوات الأسد، أمس الخميس، بالقرب من قرية “كوران” شرق مدينة “عين العرب”، بريف حلب الشرقي، في حادثة هي الثانية من نوعها خلال أقل من أسبوعين، حيث قُتل عنصران وأُصيب آخرون في غارة لمقاتلة تركية في ريف الحسكة في الثاني والعشرين من الشهر الماضي. وفيما تعرض روسيا وساطتها، تشير التقارير إلى أنها تحاول إقناع “قسد” بتسليم مناطق سيطرتها للنظام بدلاً من أن “تسيطر عليها تركيا”، وهو ما يبدو أن اﻷخيرة لاترفضه طالما أنه يحلّ مشكلتها الحدودية. لكن “أردوغان” لفت إلى فشل النظام في حلّ الملف، عندما قال الأسبوع الماضي، إن من حق بلاده أن تتدخل خارج حدودها، عندما لا تكون هناك جهة غيرها قادرة على حماية أمنها. ويشير تقرير لموقع Middle East Eye، إلى أن العملية البرية التركية المرتقبة قد تؤدي إلى “مواجهة مع قوات النظام التي تعمل في مناطق قريبة من تلك التي تديرها قوات ‘قسد’ “. وتكمن المشكلة في منطقة “تل رفعت” تحديداً لقربها من مواقع سيطرة الميليشيات اﻹيرانية بكل من “نبّل” و”الزهراء” بريف حلب، وإشرافها عليهما، حيث تعتبر منطقة مرتفعة. وقد حاول النظام خلط اﻷوراق على أنقرة عبر نشر مئات من عناصره في المناطق التي من المنتظر أن تتعرض للهجوم. ولكن “ليس مستحيلا ًفي السياسة حصول استدارات أو عمليات تطبيع أو إعادة بناء على أسس مختلفة وجديدة”، وفقاً لـ”سعدو”، فهي “ديدن السياسة التركية التي اتسمت بسهولة والحركة من خلال مصالح الشعب التركي وتوضعاته الآنية والمستقبلية أيضاً”.
المصدر: موقع حلب اليوم