من المعروف أن التاريخ يعيد نفسه من حين إلى آخر في عصور مختلفة. وفي الوقت الراهن، لم يكن ما يسمى بـالعملية العسكرية الخاصة التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا استثناء من هذه القاعدة، إذ تكشف عدد من الأنماط التي قد وقعت بطريقة أو بأخرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وتجسدت تلك الانماط في تنشيط الأعمال القتالية في المرحلة الأولى التي تليها مرحلة طويلة الأمد باعتبارها حرب المواقع.
لا شك أن الحرب أياً كانت تسمياتها لا رحمة فيها ولا الإنسانية وللجنود الحق في القتل والتدمير دفاعاً عن أنفسهم وأوطانهم. ومع ذلك، من الواضح أن الأعمال القتالية الروسية تحمل طابعاً إرهابياً ابتداء من الفترة الأولى من الحرب، حيث عامل الجنود الروس السكان المدنيين الأوكرانيين بقسوة شديدة وقصفت القوات الروسية المرافق السكنية الاجتماعية والمعالم الثقافية دون أي مبرر. وتكشفت للعالم كله وقائع إظهار مثل هذه القسوة والجنون في المدن الأوكرانية العديدة وهي: إيربين وبوتشا وماريوبول وإيزيوم وخاركيف وباخموت وخرسون، بينما تنتهك روسيا وقواتها القانون الإنساني الدولي وقانون النزاعات المسلحة انتهاكاً صارخاً، الأمر الذي ينظر إليه على أنه إبادة جماعية بحق سكان أوكرانيا.
وفي هذا السياق، لا بد من لفت النظر إلى الشجاعة غير المسبوقة والصمود للشعب الأوكراني وقواته المسلحة في صد العدوان المسلح الروسي إلى جانب النجاحات التي حققها ولا يزال يحققها الجيش الأوكراني، ما يدل على المهارات العالية للقيادة العسكرية ومهارات الجنود المذهلة في استخدام الأسلحة الحديثة التي تقدمها أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.
ساهمت كل هذه العوامل في طمس إمكانات الجيش الروسي الهجومية لتكتسب الحرب طابعاً تموضعياً. ومن البديهي أن ذلك لم يكن ضمن خطط القيادة الروسية إذ راهنت في عمليتها العسكرية الخاصة على شن الحرب الخاطفة، وفي ظل تلك الظروف سارعت إلى تغيير تكتيكاتها. بعد أن فهمت القيادة الروسية أن تحقيق النجاحات في الأعمال القتالية المفتوحة سيكون أمراً صعباً للغاية وحتى من الأرجح أمراً مستحيلاً بدأت روسيا تمارس الإرهاب ضد البنية التحتية الأوكرانية بجميع أنواع الأسلحة الممكنة منفذة الضربات المكثفة على المنشآت الموجودة في منطقة خط المواجهة وفي عمق البلاد على حد سواء، حيث في كثير من الأحيان تستهدف أهدافاً مدنية.
أصبحت منشآت الطاقة التي تقع بعيداً عن ساحة المعارك محط الاهتمام العسكري الروسي وهدفاً للضربات الصاروخية. من الواضح أن صناعة الطاقة تلعب دوراً مهماً في المسائل الصناعية العسكرية، ولكن نظراً للحالة المتردية للإمكانات الصناعية في أوكرانيا، فأصبح السكان المدنيون في هذه الظروف أكثر تضرراً إذ يشل غياب التدفئة والكهرباء الحياة الطبيعية في المستوطنات ويضع الشعب الأوكراني على شفا البقاء على قيد الحياة. أليس هذا دليلاً على ارتكاب روسيا الأعمال الإرهابية والإبادة الجماعية بحق سكان أوكرانيا؟!
في ضوء ما تقدم، فإن الأنظمة الغربية المضادة للصواريخ والدفاع الجوي تعتبر مساعدة لا تقدر بثمن وحيوية بالنسبة إلى أوكرانيا المواجهة جارتها الإرهابية، كما من الواضح أنه سيصعب على القوات الأوكرانية إحراز تقدم وتحقيق انتصارات في ساحة المعركة بدون الأسلحة المتطورة وخاصة الأسلحة الهجومية، وإلا سيؤدي ذلك إلى إطالة أمد الحرب والمزيد من عدد القتلى والجرحى، بما في ذلك بين السكان المدنيين.
إن تردد الغرب المتحضر في مسائل تقديم المساعدة الشاملة لأوكرانيا، بأي حال من الأحوال، لا يساهم في إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، وفي نهاية المطاف، استعادة الوضع الاقتصادي والسياسي المستقر في أوروبا وفي العالم ككل. كما من السذاجة الاعتقاد بأن أي اتفاقيات سلام مع الدكتاتور الروسي بإمكانها ضمان الاستقرار حتى ولو على المدى القصير.
إلى متى سيشهد المجتمع المتحضر كيفية انهيار جدران البيت الأوروبي في القرن الحادي والعشرين الذي أقامته أجيال عديدة من سكانه، وذلك بسبب الطموحات المجنونة لحكام الكرملين؟!
المصدر: الخارجية الاوكرانية