سلطت مؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية الأمريكية الضوء على استشراف الخبراء لأهم المخاطر المحتملة في عام 2023، وعدد 23 خطرا، بينها 10 مخاطر سياسية محدقة.
وذكرت المؤسسة، في تقرير ترجمه “الخليج الجديد”، أن توقعات الخبراء تؤشر إلى اضطرابات سياسية في “جميع أنحاء العالم الديمقراطي” مع ظلال كثيفة لركود اقتصادي عالمي.
وأشارت المؤسسة إلى توقعاتها للمخاطر استندت إلى اجتماع قادة البرامج والمراكز الـ 16 التابعة لها، والذي استهدف تقييم تطورات العام الماضي، واستشراف المستقبل، والتنبؤ بأكبر المخاطر والفرص العالمية التي يمكن أن يجلبها عام 2023.
وفيما يلي أبرز 9 مخاطر متوقعة بحسب خبراء المجلس:
1- حيازة إيران للأسلحة النووية
يتوقع “ماثيو كرونيغ”، القائم بأعمال مدير مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن، أن تتجاوز إيران نقطة اللاعودة بشأن برنامجها النووي في 2023، بأن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية بحكم الأمر الواقع.
ويقدر الخبراء أن الزمن الذي تحتاجه إيران لحيازة قنبلة نووية واحدة تقلص إلى أسابيع قليلة فقط، وفي ظل استمرار طهران في تكثيف برنامجها النووي، يتوقع “كرونيغ” أن يقترب هذا الوقت من الصفر.
ومع توقف المحادثات النووية وسط استمرار الاحتجاجات داخل إيران في نهاية عام 2022، يبدو أن اختراقا دبلوماسيا لوقف برنامج طهران النووي بات غير قابل للتصديق، حسبما يرى “كرونيغ”، مشيرا إلى أن واشنطن لا تتخذ خطوات من شأنها أن تكون مقدمة واضحة لشن ضربات عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية في حال حيازة طهران للسلاح النووي.
وبحسب خبراء المجلس الأطلسي، فمن غير المرجح أن تختبر إيران جهازًا متفجرًا نوويًا في عام 2023، وربما يستغرق الأمر سنوات حتى تضع رأسًا حربيًا على صاروخ باليستي.
ولكن بمجرد أن تمتلك إيران ما يكفي من المواد المستخدمة في صنع قنبلتها النووية الأولى، “ستنتهي اللعبة” حسب تعبير “كرونيغ”، مضيفا: “سننظر إلى عام 2023 باعتباره العام الذي فشلت فيه الجهود الأمريكية والدولية من الحزبين لإبعاد طهران عن القنبلة النووية”.
2- تصاعد زخم انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط
يشير “وليام وشسلر”، مدير برامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي، إلى أن الذين يدافعون عن تواجد أمريكي أقل في الخارج يتمتعون بنفوذ متزايد في كلا الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، وأن التوتر في العلاقات السعودية الأمريكية آخذ في التزايد.
ويلفت “وشسلر” إلى أن الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل تتجهز لتولي السلطة، جالبة معها تحديات يمكن التنبؤ بها للعلاقة بين واشنطن وتل أبيب.
وفي طهران، يواصل النظام توسيع نشاطه خارج المنطقة وقمع شعبه بعنف، بينما تتنافس العناصر الداخلية الأكثر خطورة على المناصب وسط خلافة تلوح في الأفق للمرشد الأعلى “علي خامنئي”.
وفي هذا السياق، يقوم الشركاء الإقليميون القدامى للولايات المتحدة بإلغاء أولوية العلاقات معها، لصالح توسيع العلاقات مع الصين وروسيا، في محاولة للتحوط من احتمال انسحاب أمريكي من المنطقة.
وتساءل “وشسلر”: “هل سيدرك قادة الولايات المتحدة والشرق الأوسط الحاجة الاستراتيجية لمنع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي التفضيلات التي هم على استعداد لإخضاعها لهذه الغاية؟”.
3- طفرة في تكيف الدول المناخي وخفض الانبعاثات
في المقابل تتوقع “كاثي بوغمان ماكليود”، مديرة مركز “روكفلر”، أنباء سارة بشأن قدرة الدول على تقليل ما لا يقل عن 1.5 درجة من الاحترار العالمي.
وأشارت “ماكليود” إلى أن فيضانات باكستان المدمرة في عام 2022 ، لعبت، دورًا محوريًا في حشد الأطراف في مؤتمر المناخ الأممي الأخير في مصر، لإنشاء صندوق تعويض عن الخسائر والأضرار الخاصة بانبعاثات الكربون، حيث ستقدم الدول الغنية مدفوعات لصالح الدول المتضررة من تغير المناخ.
4- تخلي أمريكا وحلفاؤها عن أوكرانيا
وفي مقابل تفاؤل “ماكليود” تأتي توقعات “جون هيربست”، الباحث بمركز أوراسيا، متشائمة للغاية، حيث يشير إلى احتمال تخلي الولايات المتحدة وحلفاؤها عن أوكرانيا، وقبولهم بانتصار روسي.
وقال “هيربست”: “طالما ظلت القيادة الأمريكية قوية ، سيخسر الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في أوكرانيا. لكن النصر الروسي يمكن أن يتحقق إذا نسيت الولايات المتحدة مصالحها الحيوية في هذه النتيجة”.
وأوضح أن هناك عدة طرق يمكن من خلالها أن يتحقق مثل هذا السيناريو، ومنها أن تخفض الولايات المتحدة مساعداتها إلى أوكرانيا بشكل كبير خوفا من من اندلاع حرب نووية مع روسيا.
وإذا اكتسب اليمينيون الشعبويون نفوذًا أكبر في واشنطن، فقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تقليل المساعدات إلى أوكرانيا، خاصة إذا ارتفعت أسعار الطاقة في الولايات المتحدة وأوروبا جراء العقوبات المستمرة على روسيا.
5- جسر إرهابي من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي
الوضع في أفريقيا حسبما يراه “راما ياد” مدير مركز أفريقيا بالمجلس الأطلسي مغرق في التشاؤم أيضا، خاصة بعدما شهدت بوركينا فاسو انقلابين في عام 2022 وما زالت مالي تحكمها طغمة عسكرية استولت على السلطة في نهاية عام 2021.
ويتوقع “ياد” أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي وعدم اليقين الناتج عن ذلك، في غرب إفريقيا، إلى مضاعفة تحديات احتواء الحركات الجهادية النشطة، سواء في بوركينافاسو ومالي أو في بلدان أفريقية أخرى، في ظل الهجمات الإرهابية الأخيرة ببنين وكوت ديفوار وتوجو.
ويشير “ياد” إلى أن الجهاديين المرتبطين بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية يسعون للسيطرة على منطقة تمتد من البحر الأحمر إلى ساحل المحيط الأطلسي في أفريقيا، ومن شأن ذلك أن يمنحهم إمكانية الوصول إلى طرق تهريب المخدرات من أمريكا الجنوبية، ما سيوفر مصدر دخل كبير لعملياتهم.
ورغم أن المنافسة بين القوى العظمى والحرب التقليدية هي التي تتسلط عليها دائرة الضوء العالمية الآن، إلا أن الجماعات الجهادية ذات الطموحات العابرة للحدود، والمتمركزة في دول ضعيفة وغير مستقرة، تشكل خطرًا يستحق الاهتمام، حسبما يرى “ياد”.
6- تصاعد أزمة تايوان
يشير الباحث السياسي “ديفيد شولمان” إلى أن العديد من المسارات لأزمة كبرى على مضيق تايوان، قفز خطرها بشكل كبير في النصف الأخير من عام 2022 بعد الرد العسكري الصيني على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي “نانسي بيلوسي” إلى تايوان في أغسطس/آب الماضي.
لكن كيف يمكن أن يبدأ تصعيد جديد؟ لا يرى “شولمان” مؤشرات جدية على أن الصين ستحاول إجبار تايوان على الاتحاد مع البر الرئيسي في العام المقبل، لكنه يرى أن الشرارة المحتملة للتصعيد هي بعض الإجراءات التي يتخذها صانعو السياسة الأمريكيون في الكونجرس.
وأوضح: “من المرجح أن ينمو الزخم لصالح الدعم المادي والخطابي المعزز للدفاع عن استقلال تايوان الواقعي مع وجود أكثرية للجمهوريين على مجلس النواب. ومن المرجح أن يتجاوز رد فعل الصين ما فعلته بعد زيارة بيلوسي، والذي تضمن إطلاق صواريخ باليستية بالقرب من تايوان، وإجراء تدريبات عسكرية في المياه المحيطة بالجزيرة، ، وإلغاء الحوارات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
ومهما كان رد فعل القادة الصينيين، فإن النتيجة ستكون جديدة – وأكثر تصادمية، حسبما يرى “شولمان”، مضيفا: “قد يتخذون، على سبيل المثال، إجراءات انتقامية في جزر تايوان أو يشنون هجومًا إلكترونيًا ضد شبكة الكهرباء فيها”.
وتابع: “قد يقوم الصينيون بتنفيذ إجراءات تؤثر على الاقتصاد التايواني أو سلاسل التوريد الإقليمية، مثل حصار الجزيرة، ما قد يتسبب في فوضى بالاقتصاد العالمي.
لا يرجح “شولمان” تسبب تايوان في اندلاع حرب عالمية ثالثة عام 2023 ، “لكن الأمر الأكثر ترجيحًا هو مواجهة عسكرية خطيرة على المضيق تختبر تصميم الولايات المتحدة وتزيد من مخاطر اندلاع حرب في المستقبل القريب” حسب قوله.
7- مزيد من الابتعاد عن التجارة بالدولار
فيما يرى “جوش ليبسكي”، مدير مركز “جيوإكونوميكس”، أن وقت ضعف الدولار يقترب، رغم أن مزاياه لاتزال متجذرة بعمق في النظام المالي العالمي.
وأوضح أن العديد من البلدان ترغب في الابتعاد عن الدولار حتى لو لم يكن ذلك سهلاً، لكن لا يوجد بديل واضح لها على المدى القريب.
غير أن هذا التحول يحدث في الواقع بشكل تدريجي لدى الدول الصديقة للولايات المتحدة، وليس المنافسة لها فقط، مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا، التي بدأت الاستثمار في تقنيات مثل العملات الرقمية، التي يمكن أن تجعلها أقل اعتمادًا على الدولار.
ويشير “”ليبسكي”، في هذا الصدد، إلى أن نظام العقوبات العالمي غير المسبوق ضد روسيا، في أعقاب غزوها لأوكرانيا، أدى إلى زيادة احتمالية الابتعاد السريع عن الدولار، بنسبة قد تصل إلى 15%.
وإذا تمكنت روسيا من إيجاد طرق للالتفاف حول الدولار، فسيتم تقويض تأثير العقوبات بمرور الوقت، و”في المرة القادمة التي ينتهك فيها الخصم حدود دولة أخرى، قد لا تكون الضربة الاقتصادية الأمريكية المضادة مؤلمة تمامًا”، حسبما يرى “ليبسكي”.
8- موجة تخلف عن سداد القروض بالبلدان النامية
يتوقع “دان نجريا”، مدير مشروع “الحرية والازدهار” بمركز “سكوكروفت” للاستراتيجية والأمن، أن تصيب البلدان النامية موجة تخلف عن سداد القروض، في ظل اتجاه العالم نحو ركود اقتصادي.
وسيعني ذلك “طلبًا أقل وسعرًا أقل للصادرات غير المتعلقة بالطاقة من البلدان النامية. وفي الوقت نفسه، سترتفع تكلفة الطاقة والغذاء، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التداعيات العالمية للحرب في أوكرانيا” حسب قوله.
وأضاف: “لذلك فإن البلدان النامية على وشك أن تتعرض للضغط، حيث تجني أموالًا أقل مما تنفق ، وتدفع المزيد من الأموال مقابل ما تشتريه. وفي الوقت نفسه، ترتفع أسعار الفائدة في كل مكان ويظهر المقرضون أقل تسامحًا لتحمل المخاطر في تعاملاتهم مع البلدان النامية”.
وأشار إلى أن “كل هذا سيجعل من الصعب على البلدان النامية خدمة وإعادة تمويل ديونها، الأمر الذي سيزيد من احتمالية التخلف عن السداد”.
ويمكن لذلك أن يتسبب في آثار جانبية أوسع، مثل تأجيج الاستبداد وانعدام الأمن في البلدان الهشة سياسياً.
9- إسفين بين أمريكا وأوروبا بسبب الصين
قد تضطر الشركات الأوروبية قريبًا إلى الاختيار بين الأسواق الصينية والأمريكية، حسبما يستشرف “لويد ويتمان”، مدير مركز “جيو تيك”، مشيرا إلى أن “مسائل العلاقات الاقتصادية والتطور التكنولوجي تُفهم في الغالب على أنها أنشطة تجارية في أوروبا، إلا أنه يُنظر إليها بشكل متزايد من خلال عدسة الأمن القومي في الولايات المتحدة”.
وفي الصين أيضًا، يُنظر إلى القدرة على تصنيع تقنيات متقدمة، مثل رقائق أشباه الموصلات، على أنها ذات أهمية حيوية لتنمية البلاد وأمنها.
وقد أوضح خطاب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” أمام مؤتمر الحزب الشيوعي الحاكم لعام 2022 أنه يعتزم مضاعفة تطوير القدرات التكنولوجية المحلية، والتي لن تتيح فقط مزيدًا من التقدم العسكري، بل ستخلق المزيد من منتجات التكنولوجيا الصينية القادرة على التنافس مع الموردين الأمريكيين.
وهنا يشير “ويتمان” إلى أن “الخطر الذي يشكله هذا الموقف على الميزة التنافسية الأمريكية والأوروبية مركب: فعادة ما تمول الشركات البحث والتطوير كجزء من مبيعاتها، وإذا انخفضت المبيعات فإن تمويل البحث والتطوير ينخفض ويتباطأ الابتكار”.
وأشار إلى أن بعض شركاء الولايات المتحدة يعتمدون بالفعل على الصين إما كسوق لصناعاتهم المحلية أو كمورد للتقنيات الهامة، التي لن يكون ممكنا مقاطعتها دون الإضرار باقتصاداتهم، ما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات عبر الأطلسي وزيادة الخلافات حول كيفية التعامل مع الصين، الأمر ومن ثم تفكك التحالف الداعم لأوكرانيا.
المصدر | المجلس الأطلسي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد