العلاقات بين أميركا وروسيا في “عصر جليدي” وخطر الصدام بينهما “كبير”حيث دان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت 24 ديسمبر (كانون الأول)، ما اعتبره عملاً إرهابياً روسياً هدفه “تخويف” الأوكرانيين على أثر قصف استهدف وسط مدينة خيرسون في جنوب أوكرانيا أودى بحياة خمسة أشخاص وجرح 20 آخرين.
وقال زيلينسكي عبر مواقع التواصل الاجتماعي “السبت صباحاً عشية عيد الميلاد في وسط المدينة. ليست منشآت عسكرية. ليست حرباً وفق ما هو متعارف عليه. هو إرهاب وقتل للتخويف والتلذذ” بالقتل. وتابع “لا بد من أن يرى العالم ويفهم ما هو الشر المطلق الذي نناضل ضده”، مكرراً وصفه الجيش الروسي بـ”الإرهابي”.
وتصاعدت ألسنة نارية من السوق التي تستقطب المتبضعين، صباح السبت، الواقعة في قلب مدينة خيرسون التي حررها الجيش الأوكراني في 11 نوفمبر (تشرين الثاني).
المصانع الإيرانية
في الأثناء، طالب مساعد كبير للرئيس الأوكراني “بتصفية” المصانع الإيرانية التي تصنع طائرات مسيرة وصواريخ والقبض على موردي تلك الأسلحة، إذ تتهم كييف طهران بالتخطيط لمد روسيا بمزيد من الأسلحة.
وكتب ميخائيلو بودولياك مستشار الرئيس الأوكراني على “تويتر” أن إيران “تهين بشكل صارخ العقوبات الدولية”، ودعا إلى تدمير مصانع الأسلحة الإيرانية رداً على ذلك.
شركات تصنيع الأسلحة
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب من رؤساء شركات تصنيع الأسلحة بذل قصارى جهدهم لضمان حصول الجيش الروسي على جميع الأسلحة والمعدات العسكرية التي يحتاجها للقتال في أوكرانيا.
وقال بوتين، خلال زيارة لمركز تولا لتصنيع الأسلحة، إن الحرب الروسية في أوكرانيا تأتي في إطار جهد تاريخي لمواجهة ما أسماه “التأثير الزائد عن الحد للقوى الغربية على الشؤون العالمية”.
وأضاف “المهمة الرئيسة التي يجب أن تأتي على رأس أولويات مجمعنا الصناعي العسكري هي تزويد وحداتنا وقوات الخطوط الأمامية بكل ما يحتاجونه من أسلحة ومعدات وذخيرة وعتاد بالكميات اللازمة والجودة المناسبة في أقرب وقت ممكن”.
وأردف “من المهم أيضاً تحسين الخصائص الفنية للأسلحة والمعدات التي يستخدمها مقاتلونا بشكل كبير بناء على الخبرة القتالية التي اكتسبناها”.
وقال الكرملين الجمعة، إنه تم إحراز “تقدم كبير” نحو “نزع سلاح” أوكرانيا، وهو أحد الأهداف التي أعلنها الرئيس الروسي عندما أطلق حربه على كييف قبل عشرة أشهر.
واستعرض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف التقدم العسكري الروسي عندما سُئل خلال إحاطة صحافية عن تصريحات بوتين الذي قال الخميس إن قدرات أوكرانيا الدفاعية قريبة من الصفر. ورد بيسكوف، “يمكن القول إن هناك تقدماً كبيراً نحو نزع السلاح”.
“الاعتراف بالواقع”
ودعت الولايات المتحدة بوتين إلى “الاعتراف بالواقع” وسحب جيشه من أوكرانيا بعد وصفه أخيراً النزاع هناك بأنه “حرب”.
وأطلقت روسيا رسمياً على الهجوم في أوكرانيا تسمية “عملية عسكرية خاصة”، كما فرضت قانوناً يجرم ما تعتبره السلطات “مصطلحات مضللة” متعلقة بهذه العملية.
لكن في مؤتمر صحافي الخميس استخدم بوتين نفسه مصطلح “حرب” حين أعرب عن أمله في أن ينتهي النزاع في أقرب وقت ممكن.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية “منذ 24 فبراير (شباط) أدركت الولايات المتحدة وبقية العالم أن (العملية العسكرية الخاصة) لبوتين كانت حرباً عدوانية وغير مبررة ضد أوكرانيا. أخيراً بعد 300 يوم وصف بوتين الحرب كما هي”.
وأضاف “في خطوة تالية للاعتراف بالواقع، نحضه على إنهاء هذه الحرب من خلال سحب قواته من أوكرانيا”.
ولفت المتحدث إلى أنه مهما كانت مصطلحات بوتين فإن “عدوان روسيا على جارتها ذات السيادة لم يخلف سوى الموت والدمار والنزوح”.
وتابع “الشعب الأوكراني بلا شك لا يجد مواساة تذكر في تصريح بوتين بما هو جلي وواضح، وكذلك أيضاً عشرات الآلاف من العائلات الروسية التي قُتل أقاربها في حرب بوتين”.
وقضت محكمة روسية في وقت سابق هذا الشهر بسجن السياسي المعارض إيليا ياشين ثماني سنوات ونصف السنة بموجب القانون الجديد لإدانته بالترويج لـ”معلومات مضللة” عن الحرب.
وكان ياشين قد تحدث عن “مجزرة” في بوتشا، البلدة القريبة من العاصمة الأوكرانية كييف، حيث تم اكتشاف جثث مدنيين أوكرانيين مقيدة ومقتولة بالرصاص بعد انسحاب القوات الروسية.
وأعلن النائب الروسي المعارض للحرب نيكيتا يوفيريف الجمعة، أنه يسعى لاتخاذ إجراءات قانونية ضد بوتين لنشره “أنباء مضللة” في إشارته إلى مصطلح “حرب” في أوكرانيا.
قدرات أوكرانيا الدفاعية
وتضررت القدرات الدفاعية لأوكرانيا، أي الصناعات العسكرية، بشدة بسبب الضربات الصاروخية الروسية. إلا أن الغرب يمد كييف بأسلحة تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، وتعهد الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع بإمدادها بنظام دفاع جوي أميركي من طراز “باتريوت” ووعد بمواصلة الدعم. ووصف بوتين نظام باتريوت بأنه “قديم للغاية”، وقال إن روسيا ستتكيف معه.
وبعد تكبدها سلسلة من الهزائم ضمن ما تسميه موسكو “عملية عسكرية خاصة”، تبحث روسيا عن نصر ميداني في شرق أوكرانيا حيث تحاول قواتها السيطرة على مدينة باخموت الصغيرة منذ شهور.
وقال بوتين الخميس إنه يريد إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، وإن هذا يتعين أن يحدث من خلال الوسائل الدبلوماسية. إلا أن الولايات المتحدة تقول إنه لم يظهر أي مؤشر على الإطلاق على استعداده للتفاوض.
وذكر بيسكوف أنه لا علم لدى روسيا بخطة سلام أوكرانية أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن كييف تستعد لطرحها في فبراير (شباط).
وأضاف أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتجاهل حتى الآن “حقائق” الوضع، في إشارة إلى إعلان روسيا ضم أربع مناطق أوكرانية تحتلها بشكل جزئي، وهي خطوة رفضتها كييف والغرب وأكدا أنها غير قانونية.
“عصر جليدي”
وشبّه سفير روسيا لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، الجمعة، وضع العلاقات بين البلدين بأنها في “عصر جليدي”، وقال إن احتمالات حدوث صدام بين البلدين “مرتفعة”، وفقاً لما نقلته عنه وكالة “تاس” الروسية الرسمية للأنباء.
ونقلت الوكالة عنه إنه من الصعب القول متى يمكن استئناف محادثات بشأن حوار استراتيجي بين الجانبين، لكنه أشار إلى أن المحادثات بشأن تبادل السجناء “فعالة” وستستمر.
وتدهورت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها منذ عقود في ظل تداعيات الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا وما ترتب عليها من فرض عقوبات غربية.
ومثل اتفاقان لتبادل السجناء مثالين نادرين للدبلوماسية الأميركية – الروسية الناجحة في عام 2022. وبموجبهما أفرجت روسيا عن الجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية تريفور ريد ونجمة كرة السلة بريتني غرينر مقابل الروسي المدان بتهريب المخدرات كونستانتين ياروشينكو وتاجر السلاح فيكتور بوت.
وقال دبلوماسي روسي كبير، الجمعة، إن المحادثات بشأن الضمانات الأمنية لروسيا لا يمكن أن تتم في ظل بقاء مدربين من حلف شمال الأطلسي و “مرتزقة” في أوكرانيا وبينما تتواصل إمدادات الأسلحة الغربية إلى كييف. وفي مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية للأنباء، قال ألكسندر دارتشيف رئيس إدارة أميركا الشمالية بوزارة الخارجية الروسية إن المحادثات ستكون سابقة لأوانها “إلى أن يتوقف تدفق الأسلحة والتمويل لنظام (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي، وينسحب الجنود، المرتزقة، المدربون التابعون لأميركا وحلف شمال الأطلسي”.
وفي تصريحاته، قال دارتشيف إن المحادثات يجب أن يسبقها “الاعتراف بالحقائق التي حددناها على الأرض”، في إشارة واضحة إلى سيطرة روسيا على أجزاء من شرق أوكرانيا وجنوبها.
“تعميق وتوسيع”
في هذا الوقت، أعلن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) أن إيران تسعى إلى “تعميق وتوسيع” شحنات الأسلحة المتطورة إلى روسيا خلال حربها في أوكرانيا، وذلك بعدما قال الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إنه شارك الولايات المتحدة بمعلومات استخبارية تفيد باستخدام طائرات إيرانية مسيرة في الحرب في أوكرانيا.
وفي كلمة ألقاها مساء الخميس، 22 ديسمبر الحالي، في الرئاسة الإسرائيلية لمناسبة الاحتفال بعيد الأنوار اليهودي، قال رئيس الموساد، ديفيد بارنيا، وفق ما نقلته عنه الصحافة المحلية، إن إيران تعتزم تسليم معدات متطورة إلى روسيا، من دون مزيد من التفاصيل.
وقال بارنيا “نحذر من نيات إيران المستقبلية التي تحاول هذه الدولة إخفاءها، وهي تعميق وتوسيع شحناتها من الأسلحة المتطورة إلى روسيا”. وأضاف “لقد سلطنا الضوء على شحنات الأسلحة إلى روسيا، على رغم أكاذيب إيران… المألوفة بالنسبة إلينا”، مؤكداً أن جهازه، الذي تتهمه طهران بتخريب بعض مواقعها النووية واغتيال علمائها، لديه معرفة “واسعة” بالوضع في إيران.
يذكر أنه بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في فبراير (شباط) الماضي، اتخذت إسرائيل في البداية موقفاً حذراً تجاه موسكو، مؤكدة العلاقات الخاصة بين البلدين، نظراً إلى وجود أكثر من مليون مواطن من الاتحاد السوفياتي السابق في إسرائيل، في حين تنشر روسيا قوات في سوريا المجاورة.
بعدها، رأى يائير لبيد، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، أن الحرب “انتهاك خطير للنظام الدولي”، لكن السلطات الإسرائيلية قالت إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدث هاتفياً الخميس مع رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف بنيامين نتنياهو في شأن قضية أوكرانيا على وجه الخصوص.
“فاغنر” وكوريا الشمالية
من جهة أخرى قال البيت الأبيض، الخميس، إن “مجموعة فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة تسلمت شحنة من الأسلحة من كوريا الشمالية للمساعدة في تعزيز موقف القوات الروسية في أوكرانيا، إلا أن يفغيني بريجوجين، مالك شركة “فاغنر” نفى ذلك، ووصفه بأنه “ثرثرة وتكهنات”.
كذلك نفت وزارة الخارجية في كوريا الشمالية أيضاً تقريراً إعلامياً ذكر أنها قدمت ذخائر لروسيا، قائلة إن صفقة من هذا القبيل “لم تحدث قط” بين البلدين، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية، الجمعة 23 ديسمبر بالتوقيت المحلي.
وقال متحدث باسم الوزارة في بيان نقلته الوكالة الرسمية إن “التقرير الكاذب لوسائل الإعلام اليابانية بأن جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (الاسم الرسمي لكوريا الشمالية) قدمت ذخائر لروسيا هو أبشع هراء ولا يستحق أي تعليق أو تفسير”.
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، قال إن “فاغنر” تبحث في أنحاء العالم عن موردي أسلحة لدعم عملياتها العسكرية في أوكرانيا. وأضاف للصحافيين “يمكننا أن نؤكد أن كوريا الشمالية أكملت تسليم شحنة مبدئية من الأسلحة إلى فاغنر، التي دفعت مقابل العتاد. في الشهر الماضي أرسلت كوريا الشمالية شحنة صواريخ وقذائف لقوات المشاة إلى روسيا كي تستخدمها فاغنر”.
وقال كيربي إن الولايات المتحدة تقدر أن هناك 50 ألف فرد من “فاغنر” في أوكرانيا، من بينهم 10 آلاف متعاقد و40 ألف مجند محكوم عليه من سجون روسية.
وقال بريجوجين، وهو حليف مقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن لدى كيربي عادة الإدلاء بتصريحات بناء على تكهنات. وأضاف في بيان “الجميع يعلمون أن كوريا الشمالية لم تزود روسيا بأي أسلحة منذ فترة طويلة. ولم تبذل أي جهود من هذا القبيل. بالتالي فإن توريد الأسلحة من كوريا الشمالية ليس سوى ثرثرة وتكهنات”.
مساعدات هولندية
وأعلنت الحكومة الهولندية الجمعة عن توفير مبلغ إجمالي قيمته 2.5 مليار يورو (2.65 مليار دولار) لدعم أوكرانيا في عام 2023، تعتمد سبل استخدامه على مجريات الحرب ضد روسيا.
وقال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته عبر تغريدة على “تويتر”، إنه “طالما تواصل روسيا حربها على أوكرانيا، ستواصل هولندا دعم أوكرانيا”، مضيفاً أنه أجرى لتوّه مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في هذا الشأن.
وتتوقع الحكومة الهولندية، بحسب بيان صادر عنها، أن تكون هذه الأموال ضرورية للدعم العسكري وأعمال التصليح وجهود التصدي للإفلات من العقاب. وجاء في البيان أن “سبل الاستخدام الدقيقة لهذه المساهمة تعتمد على حاجات الأوكرانيين ومن ثم مجريات الحرب”.
وتُستخدم المساعدات المخصّصة لأعمال التصليح في إعادة تأهيل البنى التحتية، من بينها تلك الخاصة بالطاقة، والمستشفيات والمساكن وعمليات نزع الألغام والقطاع الزراعي، بحسب بيان الحكومة.
وكانت وزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولونغرن قد صرّحت الأسبوع الماضي أن هولندا وفّرت حوالى مليار يورو (1.06 مليار دولار) من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ بدء الحرب.
المصدر: اندبندنت عربية