عبدالله الموسى
انفجرت في وجه حزب العدالة والتنمية مع اقتراب الانتخابات، مشكلات تراكمت من جراء إخفاق استراتيجية الحكومة فيما يتعلق بمسألتي الوجود السوري في تركيا والتدخل العسكري التركي في سوريا، لتتصاعد وتيرة ومستوى اللقاءات بين تركيا والنظام السوري وتبلغ ذروتها في لقاء موسكو، وتتضح الصورة أكثر بعد يوم حافل بالتصريحات الرسمية.
يقول محللون سياسيون سوريون وأتراك استمزج تلفزيون سوريا آراءهم، إن المسار الدبلوماسي بين أنقرة والنظام دوافعه وغاياته انتخابية، وهذا ما قاله المسؤولون الأتراك لقادة الجيش الوطني والائتلاف السوري المعارض. لكن دلالات التصريحات التركية يوم أمس دفعت السوريين لتوقع الأسوأ عليهم في نتائج مسار التطبيع بين تركيا والنظام، رغم قناعتهم فرادى وجماعات بصفرية جدوى المسار على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وبدأ “المسار الدبلوماسي” بين النظام وتركيا يأخذ شكل “عملية تطبيع” كاملة، حيث جاء لقاء موسكو يوم الأربعاء الماضي كأول تنفيذ عملي للآلية الثلاثية التي اقترحها أردوغان على بوتين، في افتراق كامل مع أبجديات سياسية وتبنٍ لاستراتيجية وطروحات المعارضة التركية على مدار السنوات العشر الماضية، وبالتالي فإن المكاسب الانتخابية المرجوة من التطبيع مع الأسد قد ترتد إلى المعارضة في حال سوّقت لنفسها بأنها صاحبة “الموقف الصحيح والثابت” من القضية السورية.
غابت النظرة الاستراتيجية في تأطير العدالة والتنمية للملف السوري، ففي حين اتخذت أنقرة موقفاً مبكراً وحاسماً من النظام السوري إلا أن هذا الموقف لم يعقبه حراك سياسي قائد، وانشغلت تركيا بموجات اللجوء الكبيرة، فأقرت قانون الحماية المؤقتة ثم وافقت على اتفاق عام 2016 مع الاتحاد الأوروبي لتصبح خزاناً للسوريين مقابل بضع مليارات وإلغاء تأشيرات دخول الأتراك إلى أوروبا، وانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا ما لم يفهمه الشعب التركي المضياف والمتعاطف حتى حين، فبعد أن فشلت تركيا في تحصيل ما طمعت به باستثناء الـ 6 مليارات دولار، راح رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية والحزب يهاجم الأوروبيين. إلا أن تصريح الـ 40 مليار دولار أسس لمرحلة عداء السوريين، وانتفضت المعارضة مستغلة ذلك للتحريض، فكبرت كرة الثلج التي تلاحق الحزب والحكومة، ليصبح اللاجئ السوري في الفكر الجمعي التركي هو سبب المشكلة.
تركت المعارضة التركية جميع القضايا المحلية والإقليمية والدولية للمناكفة مع الحزب الحاكم، وركزت على الوجود السوري في تركيا، بأن “العدالة والتنمية” دفعوا أموال الشعب التركي للسوريين، ليتطور الخطاب إلى معاد وعنصري وتنميطي، استجاب له الشارع التركي حتى من أنصار الحزب الحاكم. قرر حزب العدالة والتنمية مواجهة خطاب المعارضة التحشيدي، فتوجه إلى ملامسة القلوب المؤمنة التركية بخطاب “المهاجرين والأنصار”، إلا أن هذا الخطاب لم يعد مجدياً بعد الأزمة الاقتصادية من جراء العقوبات والانحدار الكبير لسعر صرف الليرة.
انخراط متأخر.. ارتدادات عكسية لإخفاق الاستراتيجية
تدخل الجيش التركي عام 2016 في عملية “درع الفرات” كان ممكناً قبل ذلك بكثير وبكلفة أقل على تركيا وعلى فصائل الجيش الحر والشعب أيضاً، وكان التدخل المبكر سيعطي لأنقرة الأفضلية في قيادة أي جهود سياسية، وتأمين الدعم العسكري الدولي لفصائل الجيش الحر، وإضعاف قدرات النظام العسكرية وبالتالي وحدات حماية الشعب. وبعد أشهر من انطلاق أول عملية تركية ضد تنظيم الدولة دون الاهتمام بالمعركة الحاسمة في مدينة حلب، سيطر النظام وروسيا وإيران على المدينة لتبدأ مرحلة جديدة في الشمال السوري، فتقرر أنقرة عدم المواجهة العسكرية مع النظام والتفاوض وفق الشروط الروسية في مسار أستانا، الذي نتج عنه سيطرة الروس على أرياف حماة وإدلب، وتهجير 5 مناطق سورية إلى الشمال، وتكدس 4 ملايين سوري في منطقة إدلب ومحيطها، ومليون ونصف في مناطق سيطرة الجيش الوطني، ليصبح هذا العدد الكبير على حدود تركيا ورقة ابتزاز روسية لأنقرة، فيضطر الجيش التركي لدخول المعركة ضد النظام في مطلع العام 2020 تحت اسم “درع الربيع” ويسقط عشرات القتلى من الجنود الأتراك، وتنتفض المعارضة التركية مجدداً بخطاب جديد هذه المرة: “أردوغان يرسل أبناءنا ليقتلهم والسوريون ينعمون هنا بالمليارات”.
لا يمكن نقد السياسة والتصرفات التركية جميعها، ولا بد من الإشارة إلى أن الموقف التركي كان محط ترحيب وتقدير من الشعب السوري، لكن المثالان المذكوران أعلاه أحدهما أمني – سياسي والثاني حكومي – إداري، يؤكدان أن غياب الاستراتيجية المتكاملة يقود إلى نتائج عكسية، وهذا ما قد يحصل في مسار التطبيع مع النظام السوري، لأنه وكما ذكر أعلاه فإن المعارضة قد تسوق المسار لصالحها والترويج لفكرة أن قناعاتهم في الملف السوري انتصرت في النهاية، كما أن التطبيع قد يتسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها بين المعارضة السورية وأنقرة.
مسار التطبيع مع النظام لم يحدث لغايات أمنية وعسكرية لأن النظام لن يحارب أميركا، ولم يحدث لغايات اقتصادية لأن إعادة الإعمار لن تبدأ وبشار الأسد في السلطة، ولم يحدث مسار التطبيع لغايات أمنية لأن فصائل المعارضة ضبطت الحدود والتنظيمات الإرهابية منذ 5 أعوام. مسار التطبيع حدث لأن حزب العدالة والتنمية أخفق في تبرير سياسته في سوريا للرأي العام وما أعقبه من تحركات عسكرية وأمنية تركية داخل سوريا دون استراتيجية شاملة تقود تحركات مؤسسات الدولة جميعاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا