محمود الشيخ
لا يوجد موعد محدد أو جدول زمني لانتهاء أزمة المحروقات، إذ لا تستطيع “الدولة” استيراد النفط، كون الدفع بالقطع الأجنبي ونقداً، وحتى الكميات التي طُرحت خلال الأيام الماضية هي رافدة، ولن تؤدي إلى وفرة بالوقود، هذه ليست توقعات أو قراءات تحليلية بل تصريحات صادرة عن وزير التجارة الداخلية في حكومة النظام السوري عمرو سالم، لتكشف مدى عجز النظام عن إيجاد حل لأزمة واحدة متكررة منذ أعوام.
وتعيش مناطق سيطرة النظام السوري منذ أسابيع أزمة محروقات، هي الأسوأ على الإطلاق، بالنظر إلى حالة الشلل التام التي أصابت القطاعات كافة، حيث شُلت حركة النقل والمواصلات خاصة في العاصمة دمشق وريفها، ووصل التأخير في رسائل البنزين المدعوم إلى قرابة 40 يوماً، كما ازدادت ساعات القطع الكهربائي لتصل إلى 23 ساعة يومياً في جميع المناطق.
وبالتوازي مع أزمة المحروقات، تواصل الليرة السورية الخسائر مقابل الدولار الأميركي، مسجلة مستويات غير مسبوقة في تاريخها، وسط التدني الكبير في القدرة الشرائية للمواطنين نظراً لانخفاض الدخل، لينتهي العام الحالي بأسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية على الأهالي في مناطق سيطرة النظام، الذين بات 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، أي غير قادرين على تأمين المواد الغذائية، بحسب إحصائيات رسمية، بغض النظر عن الخدمات الأساسية الأخرى كالتعليم والسكن والصحة وغيرها من أساسيات الحياة.
أسباب أزمة الوقود في سوريا
ويرى خبراء اقتصاديون أن هناك عدداً من الأسباب لأزمة الوقود الحالية في مناطق سيطرة النظام السوري، منها داخلية وأخرى خارجية.
الأسباب الداخلية:
ومن أحد أهم هذه الأسباب، بحسب مراقبين للاقتصاد السوري، هي سماح النظام لشركة خاصة هي شركة “BS” التابعة لرجل الأعمال المقرب من رئيس النظام بشار الأسد حسام القاطرجي، بالدخول على خط توزيع المحروقات، وهو الخط الذي كان محصوراً بشركة “سادكوب” التي تعتبر شركة قطاع عام. أي أنّ عملية توزيع المحروقات قد بدأت خصخصتها لمصلحة الأسد، وبالأحرى بدأت عملية الاستيلاء الكامل عليها، أسوة بما جرى ويجري في معظم القطاعات الاقتصادية في سوريا. حتى إنّ بعضهم كان يطرح فرضية تقول إنّ هذه “الأزمة الراهنة”، بقسم منها على الأقل، هي أزمة مفتعلة وظيفتها تمرير موضوع الخصخصة هذا، والذي سيمثل واحدة من آخر خطوات عمليات رفع الدعم التي بدأت قبل الثورة بسنوات.
الأسباب الخارجية:
وتحدثت تقارير صحفية، قبل أيام، عن ممارسة إيران ضغوطات خلال الفترة الماضية على النظام السوري في مسعى للحصول على “تنازلات سيادية”، تتضمن امتيازات للإيرانيين الموجودين في سوريا، مقابل المساهمة في حل الأزمات الاقتصادية، وفي مقدمتها أزمة المحروقات.
وذكرت صحيفة “الشرق الأوسط”، نقلاً عن دبلوماسيين قالت إنهم زاروا دمشق أخيراً، أن إيران فاجأت النظام السوري خلال الإعداد لزيارة الرئيس إبراهيم رئيسي، التي كانت مقررة يوم الثلاثاء، بتقديم مسودات اتفاقات تتضمن إحداها “أن يعامل الإيرانيون في المستشفيات والمؤسسات العلمية كما يعامل السوريون”، أن يمثل الإيراني، في حال ارتكب جريمة في سوريا، أمام القضاء الإيراني وليس القضاء السوري.
وكان وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام، بسام طعمة، أشار إلى ما يؤيد هذه التسريبات، إذ أكد خلال لقاء مع تلفزيون النظام في مطلع الشهر الجاري، أنه لم يكن متوقعاً تأخر التوريدات الإيرانية لذا كان هناك اضطرار لاتخاذ إجراءات أشد قسوة حيث يتم توفير مخزون من أجل الأولويات ولتغطية الاحتياجات الأساسية.
انهيار الليرة بنسبة 100 في المئة خلال عام
تواصل الليرة السورية انخفاضها المتسارع مقابل الدولار الأميركي، مع تسجيل سعر صرف الدولار الواحد 7150 ليرة، لتسجّل أدنى مستوى لها على الإطلاق.
وبحسب بيانات موقع “الليرة اليوم” فقد تراجع سعر الليرة السورية منذ مطلع العام الجاري بنسبة 100 في المئة على أساس سنوي، في حين تراجعت بنسبة 23 في المئة على أساس شهري.
ارتفاع أسعار المواد والسلع بنسبة 40 في المئة
وتعيش مناطق سيطرة النظام السوري منذ أسابيع، على وقع موجة غلاء حادة وغير مسبوقة في أسعار المواد والسلع الغذائية، وصلت إلى نسبة 40 في المئة، بسبب أزمة المحروقات في سوريا، وباتت الأسواق التجارية تعاني من ضعف حركة البيع والشراء، وسط التدني الكبير في القدرة الشرائية.
وكانت إذاعة (شام إف إم) المقربة من النظام، أكدت أن “هناك إخفاءً حكومياً متعمداً لما شهدته الأسواق المحلية من موجات غلاء وتدهور معيشي، فخلال جولة على أحد الأسواق الشعبية في دمشق، تبين أن زيادة جديدة طرأت على أسعار معظم السلع”.
وقبل أيام، قال عضو لجنة الخضراوات والفواكه في سوق الهال المركزي بدمشق، أسامة قزيز، قبل أيام، إن أسعار الخضراوات والفواكه ارتفعت في الأسواق لأكثر من 40 في المئة.
الرواتب لا تكفي أجور المواصلات
وتزداد الأوضاع المعيشية سوءاً في مناطق سيطرة النظام السوري بشكل يومي، مع اشتداد أزمة المحروقات، وارتفاع أجور النقل والمواصلات، حيث بدأت أصوات الموظفين تعلو متسائلة عن الجدوى الاقتصادية من عملهم إذا كان الذهاب إلى العمل وتكاليف النقل ستتجاوز قيمة الراتب.
ووصلت كلفة أجور النقل من مناطق الديماس وجديدة يابوس وعين الفيجة والقرى المحيطة إلى دمشق نحو 90 في المئة من راتب الموظف، بينما يدفع الموظفون في الضمير والمناطق المحيطة بها أكثر من 70 في المئة من رواتبهم، وينطبق الأمر على الموظفين القاطنين في مناطق طريق المطار، وكذلك خطوط جديدة عرطوز وقطنا والمناطق المحيطة بها أيضاً.
الأسوأ لم يأت بعد
ورغم ما يمر به السوريون من أوضاع مزرية، فإن مسؤولي النظام ما انفكوا يؤكدون أن الأسوأ لم يأتِ بعد على مستوى معاناة المواطنين من الغلاء الفاحش للأسعار، وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية مثل الطعام والتدفئة والنقل والإقامة.
وفي 12 من كانون الأول الجاري، قال رئيس لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب التابع للنظام السوري، ربيع قلعه جي، إن العام 2023 سيكون من أصعب الأعوام المالية في البلاد، كونه جاء بعد سنوات اقتصادية صعبة واشتداد العقوبات الغربية، ويضاف إلى ذلك النقص الحاد في المشتقات النفطية.
ويعاني الاقتصاد السوري شللاً كلياً بسبب الدمار الحاصل في قطاعي الصناعة والزراعة وانعدام السياحة، ودمار البنية التحتية، وتآكل الاحتياطي النقدي، ودائماً ما يحاول النظام السوري الإيحاء بالتماسك والوقوف على قدميه، غير أن الواقع الفعلي يشير إلى تفاقم الأزمات وتوسعها بشكل مستمر من دون توقف، وأمام هذه الأزمات المتراكمة، تعمل حكومة النظام السوري على إنتاج حلول مؤقتة “إسعافية”، في ظل غياب التغيير الحقيقي في السياسات الاقتصادية والمالية، رغم استمرار وعودها بانفراج الأزمات منذ سنوات.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا