اثنتا عشر سنة مرت على مأساتنا كسوريين، قصف ودمار وتشريد وشهداء، اقترب عددهم من المليون، مأساة لا نرى إلى الآن نهايةً لها، أو هل ستكون النهاية قريبةً أم لا. تدخلت روسيا إلى جانب بشار في حربه ضد شعبه عام 2015، لتبدأ سياستها العسكرية المعروفة (الأرض المحروقة) دمرت من خلالها كل شيء في سبيل استعادة النظام الأراضي التي حررها منه الثوار، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي كان يمكن لروسيا أن تسترجع مع النظام تلك الأراضي، هذه السياسة كانت لها نتائج وخيمة على السوريين، وضعتهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الموت أو الهروب، لتبدأ بذلك موجات غير مسبوقة من رحلة اللجوء السوري إلى شتى بقاع العالم.
تحتل سورية المركز الأول عالميًا في عدد اللاجئين الذي يصل إلى ما يقارب 7 مليون لاجئ يتوزعون في كثير من الدول، تستضيف تركيا وحدها ما يقارب 4 مليون لاجئ، والباقي يتوزع على بعض البلاد العربية وأوربا وأميركا.
هذه الإحصائيات تبدو للبعض صادمة، لكنها كانت النتيجة الطبيعية لما فعلته روسيا لأجل إعادة سيطرة الأسد على كثير من الأراضي السورية.
بعض البلاد أعطت للسوريين شيئًا من الحقوق المنصوص عليها في اتفاقيات اللاجئين وأبرز هذه الحقوق: التعليم، السكن، الرعاية الصحية، العمل، ولم شمل الأسرة، وأيضًا البقاء في البلد المضيف وعدم الإعادة القسرية.
لكن إذا سألنا أنفسنا سؤالاً، هل انتهت معاناة السوريين في بلاد اللجوء؟
الإجابة بكل أسف لا، وكأن فصلاً من المعاناة انتهى ليبدأ آخر، يتعرض الكثير من السوريين لمعاناة مستمرة في بلاد اللجوء، حسب سياسات البلاد التي تستقبلهم.
وهنا أريد أن أتحدث عما يعانيه السوري في لبنان، لأن ما يلقاه اللاجئ السوري في لبنان هو من أقسى ما يمكن أن يلقاه أي لاجئ على الإطلاق، لبنان لم تعط السوريين في أراضيها حتى الآن صفة اللاجئ، وبالتالي هي تحرمهم من الحقوق التي تستوجبها هذه الصفة، هذا أولاً وليس آخراً، يحصل لبنان على مخصصات مالية كبيرة جراء استضافتها للسوريين، لكن الحكومة اللبنانية لا تعطيها للسوريين وتنفقها على تحسين ظروف استقبال السوريين حسب تصريحاتها، هذا الأمر يجعل وضع السوريين في لبنان مؤلم جداً ،لأنهم يفتقدون لأدنى مقومات الحياة، ولا يوجد للهيئات الأممية من إمكانية سوى تقديم بعض المساعدات التي تتراجع باستمرار في ظل شح التمويل، خاصة بعد جائحة كورونا، وبالتالي يعاني السوريين من مشاكل كبيرة في التعليم والسكن والعمل والعلاج الذي يحتاج إلى تكاليف كبيرة جدًا، يصعب على أغلب السوريين تأمينها، عدا عن العنصرية المتزايدة باستمرار في ظل الواقع الاقتصادي المرير الذي يعيشه لبنان، إلا أن أكبر مخاوف السوريين هناك هو ترحيلهم إلى سورية قسراً، وهو ما تلوح به الحكومة اللبنانية بين حين وآخر.
هذا الذي تقوم به لبنان حيال السوريين ليس غريباً، فموالاته لنظام بشار الأسد معروفة، ولذلك يدفع اللاجئين السوريين الثمن غالياً جداً في مقابل ذلك.
إن أعظم كوارثنا كسوريين هو رأس النظام، الذي كان سبباً في معاناتنا من الأساس، واستمراره سيكون سبباً لاستمرار المعاناة وبكل أشكالها، فكل لاجئ في العالم أقصى ما يتمناه هو العودة إلى بلاده، إلا السوري، أقصى ما يثير مخاوفه هو العودة إلى بلاده في ظل استمرار هذا النظام.
لم يكن اللجوء خياراً إنما هو آخر الحلول، ولا أحد يخرج من بيته مختاراً، كما أن لا أحد يحب أن يُنتزع من بلاده.
ومعنى أن تكون لاجئاً، هو أنك إنسان ضعيف، بلا حقوق، إلا هذه الحقوق التي تضمن البقاء على قيد الحياة، لكنها لا تضمن لك الكرامة، وهذه أُس معاناتنا في دول اللجوء. معنى أن تكون لاجئًا هو أن تعبث بهدوء عقلك كل يوم فكرة واحدة،” إن كنت في غربةٍ لا تنسى نصيبك من الذِلة”.
المصدر: إشراق