حالة فوضى شاملة باتت تعيشها المناطق المتضررة في الشمال السوري عقب الزلزال المدمر الذي خلف أعدادا كبيرة من ضحايا وآلاف المنازل المهدمة، الأمر الذي فاقم من جراح المنكوبين.
ورغم تواصل تدفق المساعدات على النظام السوري، إلا أن معظمها لم يصل إلى المناطق المنكوبة وسط تخبط القرارات الحكومية وشبهات فساد متزايدة وتدخلات خارجية وخاصة من إيران تستهدف استثمار النكبة من أجل انتزاع مكاسب مادية.
وبعد وصول أول سفينة مصرية “حلايب”، عصر أمس الاثنين إلى ميناء اللاذقية غربي سوري، تحمل مساعدات لمتضرري الزلزال، بعد أربع طائرات مصرية عسكرية، بلغت المساعدات الدولية، بحسب الباحث مروان الأحمد، من دمشق نحو 174 طائرة، أكثرها من الإمارات العربية المتحدة التي أرسلت 71 طائرة مساعدات تحوي مواد غذائية وطبية وحليب أطفال وألبسة وأغطية، وذلك فضلاً عن المساعدات البرية التي وصلت من دول الجوار، وفي مقدمتها الحشد الشعبي العراقي الذي أرسل، بحسب الباحث السوري، 400 شاحنة.
نهب المساعدات
يشكك الباحث مروان الأحمد خلال اتصال مع “العربي الجديد” في عمليات توزيع المساعدات الدولية والعربية التي تعدت آلاف الأطنان وجلها مواد غذائية وطبية وأغطية، مبيناً أن السوريين يدفعون ثمن خراب الزلزال وفاتورة ارتفاع الأسعار والتسول باسمهم. وأضاف أن المساعدات الغذائية الدولية تباع بالأسواق السورية، مشيرا إلى المبالغة بطرح أرقام الخسائر “لتسخير الحالة الإنسانية للسرقات وكسر العقوبات”.
ويدعو الباحث السورية منظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية للإشراف على استلام وتوزيع المساعدات الدولية التي تصل إلى مناطق النظام السوري، وعدم الثقة بمنظمة الهلال الأحمر “لأن رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري، خالد حبوباتي، يعمل لصالح النظام إن لم نقل إنه موظف عنده”.
وكان أستاذ التنمية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أيمن ديوب قد قدر أمس الخسائر الحاصلة في سورية بفعل الزلزال بحوالي 15 مليار دولار تقريباً، من بنى تحتية وأبنية وغيرها وهذه تحتاج، برأيه، إلى الضعف لإعادة البناء أي 30 مليار دولار حتى تعود المناطق لما كانت عليه. ويضيف الأكاديمي السوري خلال تصريحات صحافية أن “إعادة المناطق المنكوبة ستحتاج لسنوات لأننا دولة معرضة بالأصل لكثير من الدمار نتيجة الحرب ونحتاج لخمس سنوات تقريباً على الأقل”.
ولا ينكر أستاذ التنمية وجود 1400 تشريع بحاجة لتغيير، بظل الكارثة، لتتناسب القوانين مع المستجدات، موصياً خلال تصريح لصحيفة “الوطن” المقربة من نظام الأسد، بإعفاء المنكوبين من الضرائب وتسديد القروض المصرفية وإلغاء المركزية بالمناطق المتضررة مع تفعيل التشغيل والتوظيف.
قرارات عشوائية
وفي إطارا القرارات العشوائية التي أصدرها النظام عقب الزلزال، حسب مراقبين، أعلنت رئاسة وزراء النظام عن موافقتها على قرار استثناء عمليات مبادلة القطع الأجنبي بالليرة السورية في المصارف، من سقف السحوبات. وذكرت “الرئاسة” في بيان لها، أمس الإثنين، عبر صفحتها في “فيسبوك” أن “ذلك يأتي في إطار تقديم التسهيلات المالية للمواطنين في ظل الزلزال الذي ضرب عدداً من المحافظات السورية، وبغية تمكين الأفراد من الحصول على السيولة المالية بالليرة السورية لمواجهة تداعيات كارثة الزلزال”.
ووفق بعض المراقبين، فإن هذه القرارات ليس لها أي مردود إيجابي في الفترة الحالية ولن يستفيد المنكوبون تحديدا منها في ظل تجاهل النظام لبعض المناطق المتضررة من الزلزال وتعمده عدم إيصال المساعدات إليهم.
ولم تظهر أية تغييرات على أحوال المنكوبين بحسب المحلل الاقتصادي علي الشامي من دمشق الذي يؤكد لـ”العربي الجديد” عدم فاعلية قرارات النظام الأخيرة بالإضافة إلى عدم وصول المساعدات لمستحقيها “بسبب هيمنة النظام على الهلال الأحمر السوري الذي يستلم المساعدات شكلياً”.
ويضيف الشامي أن “أذرع الأسد” تسيطر، حتى على المساعدات المالية، رغم أنها تتم عبر الجمعيات غير الحكومية والأمم المتحدة التي يعمل أفرادها في دمشق، ملمحاً لحالات الفساد المشترك بين بعض موظفي الأمم المتحدة ونظام الأسد بتوزيع أموال الدول المانحة.
ويحاول النظام السوري استغلال كارثة السوريين التي قتل خلالها على الأقل نحو 5800 سوري وتهدمت آلاف المساكن، منها 1243 منزلاً، مع 10743 منزلاً متصدعاً، شمال غرب سورية التي تسيطر عليها المعارضة، لكسر العقوبات الاقتصادية، بما فيها قانون قيصر بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأميركية رفع بعض العقوبات المفروضة على سورية لمدة ستة أشهر لإدخال المساعدات الانسانية.
ويرى الاقتصادي السوري محمد حاج بكري أن “نجدة الزلزال مؤقتة” ويتوقع خلال حديثه لـ”العربي الجديد” عودة الوضع الاقتصادي السيئ إلى الأسواق وزيادة تردي الواقع المعيشي بعد انتهاء مرحلة المساعدات، ولكنه يحذر في الوقت نفسه مما سماه استمرار التخاذل الدولي واستغلال الزلزال لإعادة إنتاج نظام الأسد وتعويمه دولياً.
إيران تنتزع المكاسب
وفي ظل حالة الفوضى التي تعيشها البلاد عقب الزلزال، أطلت إيران برأسها من أجل استثمار الكارثة لانتزاع أكبر مكاسب ممكنة بالتعاون مع النظام. وبحسب الباحث بمركز عمران للدراسات، نوار شعبان، باتت الفرصة سانحة لاسترداد إيران ديونها من النظام واستغلال المأساة والحالة الإنسانية، لتعزيز تواجدها في سورية وإبرام الاتفاقات التي انسحب منها النظام بإيعاز روسي، مثل المصرف المشترك السوري الإيراني واتفاق استخراج وتصدير الفوسفات والمشغل الخليوي الثالث بسورية.
ويشير شعبان لـ”العربي الجديد” إلى أن التواجد الإيراني والاجتماعات مع حكومة الأسد “تضاعفت ما بعد كارثة الزلزال” بل وتسوق طهران، عبر رجالها بسورية، بأنها الوصي على سورية.
ويضيف: رأينا جولة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، في حلب وتفقده أحوال المتضررين وكأنه من أعضاء الحكومة السورية أو لجنة الكوارث. كما زار قاآني مدينة اللاذقية غربي سورية وأشرف على توزيع المساعدات وتفقّد المناطق المتضررة جراء الزلزال، بعد تبنيه مساعدات الحشد الشعبي العراقي البالغة 400 شاحنة وقافلة “رحماء” التي قدمها حزب الله اللبناني لسورية. ويقول شعبان إن فرصة التمدد والهيمنة على الاقتصاد والأرض، سانحة الآن لإيران.
ويتابع أن انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا، زاد من فرصة تمدد إيران للوصول لمشروعها السياسي والاقتصادي بسورية، ولا يستبعد أن تكون لها الحصة الكبرى بإعادة إعمار ما هدمه الزلزال، تحضيراً لكعكة إعادة الإعمار الكلية بسورية والتي قدرها سابقاً المبعوث الرئاسي الروسي، ألكسندر لافرنتييف، بنحو 800 مليار دولار.
المصدر: العربي الجديد