أيمن أبو هاشم
من غير العقلانية السياسية، قراءة وتقييم الاتفاق السعودي – الإيراني الذي رعته الصين، باعتباره قفزة كبيرة نحو طي صفحة الخلافات بين الطرفين بصورة لا عودة عنها، وأنها ستمنح إيران غطاءً واسعاً لتدخلاتها الغاشمة في الدول العربية. فمثل هذه القراءة تتغافل عن الحقائق والمعطيات التالية:
اولاً: ثمة دوافع ومصالح متبادلة بين السعودية وإيران، لفتح قنوات التهدئة والحوار بينهما، فالسعودية وبعد خيبة أملها طيلة السنوات الماضية من اتخاذ الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مواقف حاسمة لردع التغلغل الإيراني في المنطقة، ترى بأن أولوية أمنها الوطني، تقتضي إيجاد حل سياسي في اليمن بعد استحالة الحسم العسكري، من خلال الحوار المباشر مع إيران، التي أعطت إشارات للوسطاء العراقيين والعُمانيين، باستعداداها للتوصل إلى تسوية في اليمن تُرضي الطرفين المتصارعين فيها.
ثانياً: سيختبر هذا الاتفاق نوايا إيران لمدى جديتها في تسهيل خطوات الحل السياسي في اليمن، في وقت تحتاج فيه إيران إلى تمتين علاقاتها بالصين وروسيا، بمنحهما ورقة جديدة لجذب السعودية إلى هذا المحور، وهو ما يتكفل به هذا الاتفاق، الذي لن يُفرح الولايات المتحدة وهي ترى حليفها السعودي يوطد شراكات جديدة مع خصومها ومنافسيها.
ثالثاً: فيما يخص ساحات التواجد والنفوذ الإيراني في سوريا والعراق ولبنان، لن يُغير أو يؤثر هذا الاتفاق على منحى السياسات الإيرانية في هذه الدول، والسعودية تدرك محدودية هذا الاتفاق، وعدم قدرتها على إجبار إيران على تغيير خططها وسياساتها في المنطقة، وترى أن المناخ الدولي والإقليمي ليس جاهزاً بعد لحل سياسي في سورية، وتفضل السعودية بدل انشغالها في هذا الملف المتعثر، الالتفات لوضعها الداخلي، وقد آثرت الابتعاد عن تعقيدات ودهاليز الملف اللبناني منذ عدة سنوات أيضاً، وأولويتها الآن تكمن في إبعاد الخطر الإيراني وأدواته عن حدودها.
رابعاً: هذا الاتفاق يعكس بدوره المتغيرات الكبرى في السياسات الدولية والإقليمية على وقع الحرب الروسية – الأوكرانية، ومحاولة الكثير من الدول ومنها السعودية وإيران إعادة رسم سياسات جديدة لكل منهما تضمن مصالحهما الجيوستراتيجية ولو اقتضى ذلك عقد مساومات بينهما، حيال قضايا تستنزف كليهما، أو على الأقل تشكل فرصة للمقايضة في لحظة سانحة.
أخيراً: لم يكن لدى الدول الخليجية والعربية خطة استراتيجية واضحة لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، وإنما مواقف وسياسات استغلت ثورات الشعوب العربية للضغط على إيران من خلال أدوات محلية، وهذا الاتفاق هو دليل جديد على غياب تلك الاستراتيجية، ولجوء كل دولة وفق حساباتها، لتخليع شوكها بيدها، ومن كان يراهن على أكثر من ذلك، فقد فاته الكثير من المياه التي جرت في العشرية الأخيرة ..