عبير حسين
مرَّت ذكرى الثورة السورية، حيث انهت عامها ال12 بحال أقرب للمأساوي لكل السوريين، سواء منهم في البلاد أو خارجها. لكن هل مازالت الثورة على ما هي عليه من الألق وقت انطلاقها؟ هل مازالت تأخذ ذات الحيز في نفوس السوريين الذين انطلقوا بالثورة بعد مضي كل ذلك الوقت؟
سبق السوريين في ثورتهم عدد من البلدان العربية ضمن الربيع العربي، أرادت فيها الشعوب الانتقال إلى حياة أفضل على مستوى الحرية والكرامة، إلا أن ما حدث في هذه الثورات لم يكن ذاته، لقد كانت الثورة السورية نموذج مختلف تمامًا عن باقي السياقات العربية من حيث الأحداث والنتائج.
بداية من تعامل النظام السوري مع المتظاهرين الذين قابلهم بالرصاص الحي، لم يكن السوريون يتوقعون ردة الفعل القاسية هذه، استمر النظام بطغيانه على المتظاهرين، وانقلبت مهمة جيش الوطن من حامي الحدود إلى قاتل للشعب في مشهد أصاب السوريين بالذهول، دبابات ومدافع من المفروض أنها تتوجه نحو العدو، لكنها توجهت إلى مدن السوريين وقراهم فقط لأنهم أرادوا الحرية.
وعندما توسع نطاق الثورة ليشمل أغلب البقاع السورية، شاركت مليشيات إيران النظام في مجازره بحق السوريين، في محاولة يائسة لإبعاد السوريين عن أهدافهم في إسقاط النظام وطلبهم للحرية والكرامة، لكن السوريين زادوا من إصرارهم على أهدافهم، ليكون التدخل الروسي نقطة تحول كبيرة في مسيرة الثورة لصالح الأسد.
ثاني أكبر جيش على مستوى العالم، مدعوم بأسلحة متقدمة في مواجهة شعب شبه أعزل، إلا من أسلحة بسيطة لا يمكنها التعامل مع القوة الروسية، وهنا بدأ أشد الفصول قسوة في الثورة السورية، أرادت روسيا استعادة الأراضي التي خسرها النظام، فكان سبيلها لذلك اتباع سياسة الأرض المحروقة، كرست فيه كل طائراتها الحربية لقصف المدنيين وتجبرهم إما على الهروب أو الاستسلام، ليستعيد النظام أغلب المدن شبه خالية من سكانها.
لم يكن أمام السوريين من حل سوى الهروب من حكم الموت الذي أطلقته روسيا عليهم، في سبيل عودة حكم الأسد على ما خسره من أراضي، حتى أصبح السوريون الرقم واحد في العالم على مستوى المهجرين من ديارهم.
7 مليون مهاجر، 4 مليون نازح، آلاف المعتقلين والمختفين قسريًا، آلاف من الأرامل والأيتام، آلاف من المعوقين، 90%من الناس تحت خط الفقر، الكثير من الأطفال محروم من التعليم.
هذه هي حال الثورة بعد 12 عامًا على انطلاقها ومازال الأسد على رأس الحكم، والعديد من الدول العربية تسعى لإعادة العلاقات معه.
لم تكن هذه النتائج التي يريدها السوريون من ثورتهم، إن ما عانوه من بطش النظام ليس أقل قسوة مما عانوه من خذلان المجتمع الدولي لهم، الذي لطالما نادى بالحرية والعدالة وتطبيق القوانين وصون حياة المواطن وكرامته ولم يحرك ساكنًا حيال الأسد الذي أثبتت الكثير من التقارير مسؤوليته عن أغلب المجازر التي حدثت بحق السوريين.
إن أشد ما عاناه السوري هو الخذلان، خذلته الدول العربية التي تسعى للتطبيع مع النظام بعد كل هذا القتل والتدمير والتهجير، خذله المجتمع الدولي الذي لم يحاسب الأسد حتى الآن على ما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية بحق السوريين، خذلته الشعارات الرنانة التي تتغنى بالحرية والعدالة والكرامة والقانون، لكنها ظلت حبيسة الورق الذي كتبت به ولم تخرج لتنصف السوريين، خذلته الهيئات الدولية والأممية التي تدرك تمامًا ما فعله ويفعله بالسوريين حتى الآن ولم تتحرك حتى لمجرد إدانته.
إن أشد ما يتمناه السوري الذي ثار على الأسد اليوم، هو أن يرى العدالة تطبق بحق قاتليه، وأن يجد أملًا بالعودة إلى بلاده آمنًا مطمئنًا كريمًا.
المصدر: اشراق