أحمد مظهر سعدو
تتوالى عمليات التطبيع الرسمي العربي تباعًا مع نظام الأسد، وتهرول الكثير من الدول العربية نحو إنجاز عملية التطبيع، وإعادة رسم ملامح العلاقة الجديدة بينها وبين النظام السوري، ضمن حالة تسارع غير مسبوقة، وخطوات تطبيعية متواصلة، تشي بأن هذه الدول قد اتخذت القرار المتعجل نتيجة مستجدات إقليمية ما صيغت على عجل، نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية وعودة السفراء إلى دمشق وهي التي كانت قد انسحبت منها وقطعت العلاقة معه إبان اتخاذ الخيار العسكري لدى بشار الأسد لقتل شعبه، وارتكاب المذابح تلو المذابح بحق السوريين، واليوم إذ تتمثل هذه الهرولة بالسرعة الملتبسة والتصميم على إقناع العديد من الأنظمة العربية التي ما تزال متمنعة عن ذلك، لإقناعها بالموافقة على إعادة النظام السوري إلى مقعده الشاغر في جامعة الدول العربية، قبل مؤتمر القمة المزمع قريبًا جدًا في الرياض، والذي أضحى على الأبواب.
لكن المؤشرات جميعها تنبيء بأن لاعودة سريعة إلى حضن النظام العربي الرسمي، ولا إمكانية آنية وسريعة لعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وهو الذي سبق وأن أُخرج منها نتيجة أفعاله التي لم تتغير بعد، ولا يبدو أنه بصدد تغييرها، ولا تخطيها كلية، من قبل بعض الدول التي مابرحت ترى فيه ذلك الطاغية الذي فعل ما فعل بشعبه، وهو يُصر على عدم الولوج في الحل السياسي، بل هو ما انفك يمارس عمليات القتل والقصف ضد أبناء الشعب السوري، ويوغل في الدم السوري واعتقال مئات آلاف السوريين في سجونه، وتغييب أرواح وأجساد السوريين في أسوأ عمليات قمع وتعذيب شهدتها البشرية على مدى العصر الحديث، وهو الذي ما زال يمارس حالة تهجير قسري متتابعة ضد ملايين السوريين، بين نازخ إلى الشمال السوري، ولاجيء في بلاد الله الواسعة.
بعض الدول العربية التي ما زالت تصر على عدم عودته حاليًا إلى اجتماعات الجامعة العربية تزيد في عددها على الخمسة أعضاء، وهو ما يحول دون توافق عربي جدي على عودته، في ظل إصراره على عدم تلبية المتطلبات، وعدم تحقيق الشروط العربية، لتكون العودة آمنة ومتوفرة وسلسة، ومن هذه الدول الكويت وقطر واليمن ومصر والمغرب، وحيث لكل دولة منها أسبابها الخاصة، بالإضافة إلى العامة التي تمنع العودة، بينما تلعب المملكة العربية السعودية اليوم دورًا ما لإقناع العرب بمثل هذه العودة قبل مؤتمر الرياض للقمة، وهي في ذلك تفي بوعدها الذي قطعته على نفسها، كما يقال، نتيجة اتفاق السعودية مع إيران وتفاهمها معها بعد لقاءات الصين التي أفضت إلى حل الكثير من الخلافات بينهما، ويجري إنجاز وتطبيق العديد من البنود المواكبة لذاك التفاهم، ليس آخرها ما حصل ويحصل في اليمن، من تبادل للأسرى والمعتقلين بقضهم وقضيضهم، في وقت كان يشعر البعض أن ذلك كان عسيرًا جدًا قبل حين، في ظل التصعيد العسكري الكبير بين الحوثيين والسعودية.
تتعثر عودة النظام السوري إلى مدارج الجامعة العربية، ويبدو أنها قد أضحت مستحيلة قبل موعد عقد مؤتمر القمة القريب جدًا، ويعود ذلك لأسباب عديدة منها:
- عدم قدرة النظام السوري على الإيفاء بأية وعود يمكن أن تؤدي إلى القضاء على تصنيع وتصدير الكبتاغون إلى الدول العربية والإقليمية المحيطة، في ظل تحوله إلى ملك الكبتاغون العالمي، واعتماده على أموال الكبتاغون، وهو المنهار اقتصاديًا ومعيشيًا، وليرته السورية تزداد تدهورًا يومًا إثر يوم.
- إصرار النظام السوري الدائم على عدم الولوج في الحل السياسي، وهو الذي أفشل مسار جنيف بكليته، وأنهى مسار اللجنة الدستورية بعد ثماني جولات، دون تحقيق أي خطوة إيجابية على طريق إنجاز الدستور. وهو الذي ما زال يلعب في مسار أستانا برعاية روسية، وحالات خفض التصعيد، ليتم قضم الأراضي تباعًا دون أي تحقيق جدي لأية عملية تسويات حقيقية مع السوريين الذين خرجوا في أواسط شهر آذار/مارس 20211 من أجل الحرية والكرامة حيث لم تتحقق بعد.
- وإذا كانت بعض الدول تضع أمام النظام السوري موضوع عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وأهميتها مقابل عودته إلى الجامعة العربية فإنه غير معني بذلك، وهو لايريد عودة الملايين ممن هجرهم، لأنهم يعارضونه، أو أنهم حاضنة للمعارضة على أقل تقدير، ويدرك النظام أن عودتهم قد لاتنفعه كثيرًا، ناهيك عن عدم ثقة السوريين بوعود النظام الذي يعتقل كل من يعود إلى الوطن، وتجربة عودة بعض السوريين من لبنان تؤكد ذلك، بل وتفقأ العين.
- أما عن شرط المملكة المغربية عليه للعودة إلى الجامعة العربية، وهو قطع العلاقة مع جبهة البوليساريو والامتناع على اعتبار الصحراء الغربية دولة مستقلة عن المملكة المغربية، فإن ذلك أيضًا لن يحصل، لأن هذا النظام السوري كان وما يزال يمارس هذا الموقف وهذه العلاقة اتكاءً على الموقف الإيراني، ولا يمكنه اليوم اتخاذ أي موقف يتعارض مع السياسات الإيرانية وهو من يدرك كيف أعادت إيران قيامته بعد أن أوشك على الوصول إلى حافة الانهيار عام 2013
- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لن يحصل قريبًا، لأنه هو الذي غيب معظمهم بالموت وفضائح قيصر تؤكد ذلك، ومن بقي منهم على قيد الحياة فإنه لن يطلق سراحهم من منطلق إصراره على كم الأفواه، واستمرار سياسات الاعتقال، حيث يعتقد أن خروجهم من السجون ليس من مصلحته كنظام آثر المضي قدمًا في زج كل من يعارضه في دهاليز المعتقلات، وهي أفضل سياسة بنظره لإسكات صوت المعارضة السورية عبر خمسة عقود متوالية خطف فيها البلد وألغى السياسة من المجتمع السوري.
- ولعل إصراره على عدم الولوج في الحل السياسي والتحاور الجدي مع المعارضة الذي سيفضي إلى الحل، مرده إلى قناعته الراسخة بأنه انتصر على المعارضة، وهو اليوم يرى أن فتح الباب أمام المعارضة لإنجاز الحل السياسي، قد يؤدي بل إنه سيؤدي إلى انهيار النظام الهش بنيويًا، وغير القادر على سماع صوت الحق ولا مسار الديمقراطية، ولا قدرة لديه على تقبل أي نقد يفضح سياساته، ويهدم ما بناه من دولة أو عصابة أمنية طغيانية فاشيستية حكمت البلد بالحديد والنار، واختارت الحل الأمني والعسكري بديلاً عن أي حل سياسي، يراه البعض مدخلًا للحل وتراه إيران ومعها نظام الأسد مدخلًا لإنهاء وجود النظام كلية.
ليس هناك اليوم من إمكانية سريعة لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وهو لن يستطيع أن يفي بأية وعود قطعها على نفسه، وهو ما دعا وزير خارجيته /المقداد ليؤكد استحالة عودته للجامعة إبان جولته على كل من تونس والجزائر، من منطلق أنه يعرف نفسه جيدًا بعدم قدرة النظام ولا قناعته بتنفيذ أي من الشروط العربية للعودة، كما يدرك أن التطبيع معه مستمر ولن يتوقف، بعد الضوء الأميركي الأخضر بذلك، مهما صدرت من تصريحات أميركية علنية تخالف ذلك.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا