حملت زيارة الرئيس الإيراني بمضمونها والتصريحات التي أنتجتها الكثير من الرسائل السياسية للمنطقة في الوقت الذي تقود فيه دول عربية نشاطًا دبلوماسيًا مكثفًا لإعادة النظام السوري إلى “البيت العربي”.
الزيارة التي بدأت الأربعاء الماضي، واستمرت ليوم آخر، كانت الأولى منذ اندلاع الثورة في سوريا، رغم زيارتين أجراهما رئيس النظام، بشار الأسد إلى إيران، خلال هذه المدة.
وبعد استقبال غير رسمي على الطرقات بالأعلام والهتافات التي لم تخل من بعد طائفي، استقبل الأسد ضيفه بحفاوة بدت ظاهرة في أسلوب حديثه، ليعود بالزمن إلى ثمانينيات القران الماضي، ويذكر ضيفه بدعم النظام السوري، خلال حكم الأسد الأب، لإيران، في حربها مع العراق أولًا والخليج من خلفه ثانيًا.
وخلال الاستقبال قال الأسد للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي “عندما شنت حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980 لمدة ثماني سنوات، سوريا لم تتردد بالوقوف إلى جانب إيران رغم التهديدات والمغريات في ذلك الوقت”، مشيرًا إلى أن إيران قامت بالمثل حين شنت “الحرب” في سوريا، وزادت بتقديمها الدماء، وفق قوله.
هذا التصريح لم تلق له الدول العربية بالًا في زحمة انشغالها بإعادة “احتضان” الأسد في الجامعة العربية، إلى جانب تغيير في خريطة التعامل مع إيران، حليف النظام الأول لقمع الثورة، وجارة الخليج “اللدود” على مدى سنوات طويلة.
وجاء اتفاق استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، برعاية صينية، في 10 من آذار الماضي، ترجمة لتغيير آلية التعامل مع إيران.
موقف النظام ليس خفيًا
الباحث في الشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، أوضح لعنب بلدي أن إيران تعتبر الحروب التي خاضتها منذ ثمانينيات القرن الماضي، بشكل مباشر أو غير مباشر، حروبًا ظالمة، جاءت فيها لتحرير أبناء المنطقة العربية من حكم عربي ترى فيه استعمارًا، والخلاص من هذا الاستعمار ببديل يتلائم مع المشروع الإيراني.
وأضاف النعيمي أن الرؤية الإيرانية للحرب بنيت على احتلالها لنقاط معينة سرعان ما تنسحب منها تحت وطأة الضربات العراقية، البرية والجوية، لا سيما بعد وقوف العرب حينها خلف القرار العراقي، ودعمه في إعلان الحرب.
الباحث أوضح أن وقوف النظام السوري حينها مع إيران في الحرب لم يكن خفيًا، وجاء رغم أن النظامين، السوري والعراقي، حينها، كانا ينتميان لحزب “البعث”، لكن الشق العراقي كان يمنيًا، والشق السوري كان تابعًا لإيران، خلافًا لما هو الحال في العراق، حيث كان “مشروعًا وطنيًا”، بدلالة وصول أعضاء من المكونات الاجتماعية المختلفة إلى مناصب قيادية وسيادية في السلطة العراقية ما قبل 2003.
كما لفت النعيمي إلى أن الوصف الذي قدّمه الأسد للحرب، ينسجم إلى حد بعيد مع قناعة الطرف الإيراني، رغم أن العراقيين لم يتقدموا في الأراضي الإيرانية حتى إعلان الحرب رسميًا، خلافًا لما كانت تقوم به إيران.
وفي الوقت الذي كانت إيران ممنوعة فيه من شراء فئات معينة من صواريخ “سكود” من روسيا، بناءً على اتفاقية بين بغداد وموسكو لعدم تزويد الجيش الإيراني بهذه الصواريخ التي كان يحصل عليها العراق، لكن ما جرى فعلًا أن ليبيا كانت تشتري الصواريخ والنظام السوري يتولى تجميعها في الموانئ السورية قبل إعادة إرسالها إلى إيران، لتقصف بها المدن العراقية، وتحديدًا الشمالية منها، وفق الباحث.
الحرب لثماني سنوات
في العام 1980، أي بعد عام واحد فقط من وصول الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، إلى السلطة، وقيام “الثورة الإسلامية”، وسقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوي، ومحاولة “إيران الجديدة” تصدير “ثورتها” إلى الخارج، قامت الحرب بين العراق وإيران.
بعد “الثورة الإسلامية” توترت العلاقة بين إيران والعراق، وتبادل الطرفان سحب السفراء وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، إلى جانب محاولة اغتيال تعرض لها نائب رئيس الحكومة العراقي حينها، طارق عزيز، في خطوة اتهمت بغداد جارتها طهران بالوقوف خلفها.
العراق اتهم إيران أيضًا بقصف البلدات العراقية الحدودية، ما بدا حينها قرعًا لطبول الحرب، وسرعان ما جاء الرد العراقي بإلغاء اتفاقية عراقية إيرانية لتقاسم مياه “شط العرب” (موقعة عام 1975)، واعتبار “شط العرب” بالكامل جزءًا من مياه العراق الإقليمية، وصولًا لقرار شن حملة عسكرية ضد إيران، تطورت لحرب أمام التعبئة الإيرانية، وكل هذه التطورات جاءت في أيلول 1980.
دعوات مجلس الأمن لإيقاف القتال لم تلق أذانًا صاغية، فتكتل العرب خلف بغداد، باستثناء الأسد والقذافي، ووصلت القوات العراقية إلى العمق الإيراني ودارت حرب مدن قصفت فيها القوات العراقية المدن الإيرانية، ورد الإيرانيون بالقصف الصاروخي أيضًا.
وتوقفت الحرب عام 1988، وبلغت كلفتها التقديرية نحو 400 مليار دولار ومليون قتيل، إلى جانب مئات آلاف الجرحى والمبتورين من الطرفين.
“غنية عن التعريف”
وصف رئيس النظام السوري، العلاقة مع إيران بأنها “غنية عن التعريف، غنية بالمضمون، غنية بالتجارب، وغنية بالرؤية التي كونتها”.
ويأتي ذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع فقط من حديث الأسد عن طبيعة العلاقة أيضًا مع إيران، حين أشار في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” إلى أن الساحة السورية لم تعد مكان صراع إيراني سعودي، كما كانت في بعض المراحل ومن قبل بعض الجهات.
“الحديث عن علاقة سورية- إيرانية يجب أن تنقطع، هذا الحديث لم يعد مثارًا مع سوريا منذ سوات طويلة، أعتقد هناك تفهم لطبيعة هذه العلاقة”، يضيف الأسد.
كما تحدث عن “وفاء” بين سوريا وإيران، عمره أربعة عقود، وهي الفكرة ذاتها التي جدد التأكيد عليها خلال استقباله رئيسي.
من جانبه، اعتبر بلال السلايمة أن تكثيف التحركات الإيرانية والتواصلات مع النظام السوري، وعلى رأسها الزيارة، محاولة إيرانية لاحتواء الدور العربي أو المبادرة العربية التي تقودها الأردن في الفترة الأخيرة، ولقاء عمان التشاوري يندرج في إطارها.
كما تشير هذه الخطوة إلى محدودية الدور العربي في التأثير على مدى النفوذ الإيراني، أو التقليل من هذا النفوذ في سوريا، وفق ما ذكره الباحث لعنب بلدي.
في الوقت نفسه، لفت الباحث مصطفى النعيمي إلى أن النظر للوفد المرافق لرئيسي من وزراء خارجية ودفاع ونفط وغيرهم يقدم رسالة مفادها أن إيران متجهة نحو تنظيم وجودها وتولي زمام الوضع في سوريا.
وكان رئيسي اختتم زيارة إلى سوريا استمرت ليومين، استقبله خلالها الأسد في قصر الشعب، بينما عقد لقاءات مع كل من رئيس الحكومة، حسين عرنوس، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، في مقر إقامته بدمشق.
كما زار الرئيس الإيراني مقام السيدة زينب في ريف دمشق وألقى فيها خطابًا وسط حشود من مؤيديه، وأجرى جولة في محيط الجامع الأموي، وسوق الحميدية في قلب العاصمة.
المصدر: عنب بلدي