بسام شلبي
بارد هذا المنفى ساعة السحر
سماؤه من رصاص
رمادي صلب
و لا شمس أو قمر
لا وقت فيه للذكريات
لا وقت للترهات
لا وقت لاجترار القات
او الحشيش و الكبتاجون..
حتى السيجار او الشيشة
أو أي من معدات الخدر
لا مكان للعنتريات
أو بطولات الخطابة و المقامات
و أبيات العتابى و الشعر
و لا رائحة الليمون
و الكعك و الهريسة..
أو الخبز المقمر
و ضاعت خارطة العودة
فأين المفر؟!
أين المفر؟!
* * *
قائظ هذا المنفى
من الفجر إلى النجر
سماؤه من رصاص مصهور
شمسه كرة من لهب
و كل ليلة ينشق القمر
الأفق لجة مظلمة
و بحر رمل
يمتد على طول النظر
و بقايا ذكريات مؤلمة
و خيام جرداء من وبر
الوقت ملقى على ظهره في العراء
ميت بلا حراك
أو أصابه الخدر
يتعاطى الحشيش و الخشخاش..
و الكيبتاجون
و يعاقر الخمر و النبيذ الرخيص
و كل أدوات الخدر
جائع لكسرة خبز يابس
ظمأن لقطرات من ماء
و جرعة حرية
منسي بين مآسي العالم
في الأدراج المطوية
و كل على مهل منتظر
و ضاعت خارطة العودة
فأين المفر؟!
أين المفر؟!
* * *
فاتر هذا المنفى
سماؤه و شمسه تشبه لوحة قديمة
رسمتها عندما كنت طفلا
أزقته تشبه خطواتي
و مقاس أقدامي
و إن تاهت سراعا أو تمهلا
الوجوه تشبه صورا في ذاكرتي
لكن عيني مشدوهة
و لساني اعتل
لا خبز الصامون يشبعني
و لا طعام الأغراب يكلا
و لا أتعاطى الحشيش كي أنسى
و لا الكيبتاجون كلا
ثم كلا وألف كلا
لست غريبا تائها
و لست أجد أهلا أو سهلا
شاخت أصابعي
و اشتعل الرأس شيبا
و بقايا حلمي اختل
الأيام تمضي كليلة
و كل شهر أرصد في الظلام
بزوغ القمر
و ابحث عن خارطة العودة
فأين المفر؟!
أين المفر؟!
* * *
وطن كان وصار منفى
و منفى كان صار وطن
سجن كان صار وطن
و وطن كان صار سجن
وطن كان و صار مقبرة جماعية
فيها أحياء و أموات..
و من بات بين بين
و كل في حيص بيص
و هرج و مرج
في وطن مجنون
يتعاطى السياسة والهيروئن والحشيش والكيبتاجون
لينسى جراحه
و يفقد ذاكرته
التي توجعه
لينسى أولاده
الذين لم يولدوا
و أولاده الذين قضوا
و الذين تاهوا في الارض بين المنافي
و الذين شاخوا في السجون…
سجن يزاحم سجن
ماذا ينقغ يا من كنت تسمى وطنا
مع كل هذي المآسي
جرعة كيبتاجون
و هل تخفف الآلام
أو تعيد القسط والوزن
و العيش مر
و الخبز مر
و القهر مر
و الصبر مر
و قد بلغت القلوب
الحناجر و العيون
وطن مقصلة
وطن مزبلة
وطن مهزلة
وطن مصيدة
طعمها خارطة العودة
فأين المفر؟!
أين المفر؟!
* * *
فيا أقطاب الكون
هل تركتم لي
سوى خيار شمشون