حسن علي الخليل
ذا هو الخابور أضحى واديا من دون ماء
شاحب في ضفتيه كل ما فيه وباء
شح فيه الماء يوما وانتهى عهد العطاء
فالنواعير حزانى والبساتين خواء
أيها السائل عنه لم يعد فيه رجاء
كان بالأمس غزيرا يهب الخير ويعطي بسخاء
جارت الدنيا عليه يرتجي غيث السماء
غدرت فيه السنون مترعات بالبلاء
نضب النهر الذي كان مأوى الفقراء
كان ينبوع حياة خير رمز للنماء
فيه زرع فيه ضرع فيه أحلام الصفاء
موطن الأحلام ولى وأماني البسطاء
كان للفقر عدوا كان وجها للرخاء
يوم يلقانا بلطف ضاحكا دون جفاء
أيها الباكي عليه لم يعد يجدي البكاء
عمروا السد عليه شيدوا فيه البناء
ظل يرعانا جميعا من رجال ونساء
نلتقي فيه لننسى حوله يحلو اللقاء
تارة يجري يمينا بهدوء وانحناء
ثم ينساب يسارا باختيال وانثناء
ثم يلتف كأفعى راسما نونا وراء
فيضه الفيض العظيم حين يشتد الشتاء
يمضي كالطاووس تيها باختيال وازدهاء
غمر الأرض بماء زمزم فيه البراء
كان للكل وفيا ظل أوفى الأوفياء
كان بالناس رحيما كان خير الرحماء
فيه للعشاق مأوى عن عيون الرقباء
يرسل النسمات عطرا وعبيرا وغناء
دام يجري في هدوء عمر الأرض العراء
واهبا للناس رزقا ونعيما ورخاء
لم يكن يوما بخيلا إن بصيف أو شتاء
كان معطاء كريما حين تقصده الظماء
للقطا فيه نصيب ولقطعان الظباء
والعصافير رفوف تبتغي ظلا وماء
دفقات الماء سكرى في ترانيم غناء
همسها لحن خلود وأناشيد مساء
كلنا نأوي اليه عله ينسي العناء
كيف أنساه صديقا وأعز الأصدقاء
لي به أحلام عمر مورقات بالضياء
مزهرات. مقمرات. واعدات بالهناء
أيها الباكون حولي قدر الله وشاء
بجلوا نهرا عظيما واذكروه بوفاء
واهبا ظلا ظليلا حانيا في كبرياء
شارحا صدرا علبلا وله فيه شفاء
ذا هو الخابور اضحى واديا من دون ماء