د-مخلص الصيادي
نقدم للسادة رواد موقع حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي آخر ما كتبه الأستاذ المحامي “رجاء الناصر (أبو طلال)” أمين سر اللجنة المركزية للحزب وأمين سر هيئة التنسيق، والذي اعتقله النظام السوري ثم أنكره، فأصبح في عداد المغيبين قسراً من المناضلين السياسيين في سورية الحبيبة، فك الله أسره وحفظه من كل مكروه.
وينفرد الموقع الرسمي للحزب بنشر كتاب ” الإسلام وقضايا السياسة والحكم، أبحاث في الخلافة والإصلاح الديني “ على حلقات متتالية، نرجو لكم الفائدة وحسن المتابعة ….
الإسلام وقضايا السياسة والحكم
أبحاث في الخلافة والإصلاح الديني
بقلم : أ. رجاء الناصر
الحلقة الأولى ١/٢
مقدمة:
1 – مقدمة عن أ. رجاء الناصر:
– أمين سر هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي في سوريا،
– أمين سر اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي
في 20 / 11 / 2013 بينما كان “رجاء الناصر (أبو طلال)”، يسير بعيد الساعة الحادية عشر صباحا بصحبة أحد شباب هيئة التنسيق في البرامكة بدمشق، توقفت دورية أمنية راجلة وقامت باعتقال الرجلين، ومضت بهما إلى حاجز أمني قريب، حيث نقلت كل واحد منهما إلى سيارة أمن، ووضعت عصابة على عينيهما لمنع الرؤية عنهما، وانطلقت السيارتان بهما بعيدا، ثم لم تلبثا بعد عدة كيلو مترات أن توقفتا، حيث أنزلت إحداهما الشاب المرافق لرجاء، على جانب الطريق، وانطلقت الأخرى برجاء معتقلا إلى مكان مجهول.
ولأن “أبا طلال” لم يكن مجرد معتقل أو موقوف، إذ كان أحد أبرز قادة المعارضة الوطنية الديموقراطية الممثلة بهيئة التنسيق الوطنية، وكان على صلة، وحوار دائم مع وزراء خارجية الدول المؤثرة في الملف السوري سواء في دمشق أو في عواصم تلك الدول، فقد انتشرت سريعا واقعة اعتقاله، مع ترجيح أن يكون الأمن العسكري وراء عملية الاعتقال، لأنه كان الحاجز القريب في المنطقة.
وفور انتشار هذا الخبر بادرت هيئة التنسيق بالبحث والاتصال لمعرفة حيثيات الواقعة، ثم بدأت تنتشر الأخبار عبر أجهزة إعلام النظام ومصادره بأنه سيتم إطلاق سراحه خلال ساعات، لكن لم تلبث رياح الأحداث أن تبدلت، فنفى النظام بشكل “رسمي” مسؤوليته عن اعتقاله، أو حتى معرفته بواقعة الاعتقال، وتوقفت كل الحركة الدبلوماسية والسياسية التي اثارتها عملية الاعتقال، وبذلك بات “أبو طلال” واحدا من عشرات المختفين قسرا من قادة التيار الناصري، ومن قادة هيئة التنسيق الوطنية، الذين خطفوا من الطرقات، أو من منازلهم، أو خلال عودتهم إلى دمشق قادمين من مهمات سياسية كانوا يقومون بها، كما حدث في 20 / 9 / 2012مع الدكتور عبد العزيز الخير، والمهندس إياس عياش، ومرافقهم ماهر الطحان، كما بات واحدا من عشرات آلاف المواطنين السوريين المختفين قسرا على أيدي أجهزة الأمن السورية، والذين لا يعرف لهم مصير.
إنسانيا، من حيث القيمة الإنسانية، فإن “أبا طلال” واحدا من هؤلاء جميعا، يحمل في شخصه القيمة الإنسانية لكل واحد من المختفين قسرا، وتختزن مأساة اختفائه مأساة ملايين السوريين الذين اختفى أحباءهم وما زالوا ينتظرون أن يلقوهم، أو يعلموا عنهم شيئا.
لكن رجاء الناصر هو فوق ذلك يمثل “قيمة سياسية وفكرية وأخلاقية مميزة” تختزن المعنى الحقيقي الصافي للحراك الثوري في سوريا، الحراك الذي أراد أن يعيد بناء الدولة السورية على قاعدة نظام المواطنة، نظام يتيح العدل والحرية والتقدم لكل مواطن، وللوطن كله، نظام يحقق منشود الثورة السورية بلا طائفية ولا استبداد ولا فساد، ولا أجهزة أمن متغولة على البلاد والعباد.
والحق أن الرجل، وهو يمثل تيارا سياسيا عريقا، كان معارضا صلبا لنظام حزب البعث منذ تسلم هذا الحزب سوريا عام 1963، ثم استمرت معارضته والحزبُ الذي ينتمي إليه للنظام الأسدي منذ الأشهر الأولى لنظام الأسد الأب، واستمر الأمر وتصاعد مع الأسد الابن.
سلاحه في معارضته الموقف السياسي الواضح والحاسم، والنضال السياسي عبر جماهير الشعب السوري، لذلك حين تفجر الحراك الثوري في سوريا في مارس 2011 كان من أوائل المشاركين مع إخوته وجماهير شعبه في هذا الحراك الذي جاء عبر تراكم نضالي ساهمت فيه قوى المعارضة السورية على مدى سنوات عديدة.
كان “أبو طلال” بطبيعته، وطبيعة التربية السياسية، معارضا لاستخدام السلاح، لكنه كان في الوقت نفسه مقدرا لموقف الجندي والضابط السوري الذي انشق على أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، ورفض المشاركة في هذه الجريمة، كان يخشى استغلال “نظم عربية” لتوق الشعب السوري للحرية لتحقيق مخططات وبرامج خاصة بها، كما كان يخشى خطط النظام لدفع “الناس” لاستخدام السلاح، ولرفع شعارات متطرفة، لتبرير مسلك هذا النظام الإرهابي والطائفي.
كانت حركته لا تهدأ مع كل الجهات الفاعلة على الساحة السورية لكشف حقيقة النظام، وللبحث عن فرص وقف التدهور إلى الجحيم الذي يسعى النظام إلى دفع سوريا والسوريين إلى أتونه.
ورغم مشاغله السياسية، ومهامه السياسية، وحيويته المشهود لها، فقد كان حريصا على أن يوفر لنفسه ما يتوجب عليها من التثقيف السياسي والفكري، وكان مهموما برصد حركة التراجع في الحياة السياسية، وجهود النظام السوري القائم، شأن كثير من الأنظمة العربية في تصحير الحياة السياسية، وإبعاد شباب الأمة عن الاهتمام بشأنها العام، وكان يرى خطورة هذا الأمر مع تصاعد اتجاه التسوية والصلح مع العدو الصهيوني، وافتقاد عموم “النظام العربي” لإرادة الاستقلال الوطني.
لذلك كان “أبو طلال” من العاملين بجد ومثابرة على تحقيق التلاقي بين قوى “التيار القومي والتيار الإسلامي” في الوطن العربي كله، في محاولة لتكوين “كتلة اجتماعية تاريخية” قادرة على حمل مهمة النهوض بهذه الأمة، والقيام بواجبات ومسؤوليات مشروعها النهضوي، وساهم بدور فعال ليكون له ولرفاقه في الاتحاد الاشتراكي يتقدمهم المرحوم الدكتور جمال الأتاسي ـ الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي سابقاً ـ أثراً مباشراً في إقامة المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الإسلامي، وفي صياغة الوثائق الفكرية والسياسية التي خرجت عن هذين المؤتمرين.
كان يمتلك إيماناً كبيراً لا يتزعزع بقدرة “وحدة العمل” بين هذين التيارين على صنع المعجزات، وكانت قناعته راسخة بأن ما يبعد هذين التيارين عن بعضهما لم يكن جوهريا، ولا قيمة فعلية له، بجانب ما يجمع بينهما إن في الأصول الفكرية، أو في المهام المستقبلية والأهداف المرجوة. وكنا نتشارك، ولا أتجاوز إن قلت كنا نتطابق في هذه الرؤية، وكنا نعمل معا على تعزيزها ونشرها والتمكين لها في صفوف القوى السياسية المختلفة، وفي اللقاءات والمؤتمرات المختلفة.
ولعل هذه الطبيعة في شخص رجاء الناصر، وهذه الدينامية فيه، وهذا الفكر السياسي والاجتماعي والقومي الواضح لديه كان مما عجل في تصدي أجهزة النظام له، ومن ثم في تغييبه.
كتاب ” الإسلام وقضايا السياسة والحكم” الذي أعرضه على حلقات ممتدة كان أبو طلال قد أنجزه في الفترة السابقة لأحداث الربيع العربي، أنجزه كموضوعات منفصلة قبل أن يطبعه كتابا للمرة الأولى عام 2009.
وفي مكتبه بحي الجميلية بمدينة حلب طلب مني أن أكتب مقدمة لهذا الكتاب، ففعلت، وما كان يدور في خلدي أن هذا آخر كتاب له، وأنني بعد خمسة عشر عاما سأعمد إلى نشر هذا الكتاب على حلقات وأنا أتطلع لليوم الذي ألقى فيه هذا المناضل الفذ الذي كان لحضوره معنى مميز على مختلف الصعد.
المصدر: موقع حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي