د. مخلص الصيادي
قرار عبد الله أوجلان بدعوة حزب العمال الكردستاني الى القاء السلاح، وحل نفسه، والانخراط في الحياة الديموقراطية التركية على قاعدة الأخوة الكردية التركية، الثابتة والأصيلة في عمق التاريخ، قرار تاريخي من زعيم تاريخي، وسيكون على حزب ppk، الالتزام به، وحين يتم ذلك فإن العمل الديموقراطي من شأنه أن يحل كل الاشكالات المتولدة عن الصراع الدموي المستمر منذ نحو خمسة عقود.
وإذا كنا كسوريين نقدر أهمية هذا القرار في تحقيق السلام والأمن الوطني للمجتمع التركي، ولوحدته الوطنية، فإن من الواجب أن يكون لهذا القرار انعكاس مباشر على الوضع في سوريا فيما يخص الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني والمعروف باسم حزب الاتحاد الديموقراطيpyd، وجناحه المسلح العامل تحت راية قسد “قوات سورية الديموقراطية”، أي أن الحل الأوجلاني في سوريا يستدعي:
** القاء قسد لسلاحها، وتسليمه للسلطات السورية.
** حل تنظيم pyd، وكل المؤسسات والهياكل التي أقامها.
** تسليم كل المناطق، الواقعة تحت سيطرتها بما تحتويه من مؤسسات وثروات الى القيادة السورية.
** الانخراط في العمل السياسي الديموقراطي، والنضال من أجل تعزيز الديموقراطية في سوريا.
هذا الحل الشجاع الذي أقدم عليه “أوجلان”، وكنا قد عرضناه مبكرا كحل وحيد أمام :pyd، وقسد، ومسد، وذلك للخروج من أسر الفكر الانفصالي وللمشروع الانفصالي الذي عمل هذا التنظيم على محاولة جر المكون الكردي السوري إلى جانبه. هذا “الحل الأوجلاني” يعيد مسار المكون الكردي في كل بلد وجد فيه الأكراد الى السياق الطبيعي باعتبارهم جزءا مهما وعزيزا من مكونات كل بلد، أي أن هذا الحل رسم الطريق الى”استرداد” المكون الكردي الى حاضنته الطبيعية وهي الحاضنة الوطنية، وحرره من محاولات القوى الغربية بكل تجلياتها من اللعب والمقامرة فيه وعليه.
وهنا في سوريا سيكون على القوى الوطنية السورية وعلى السلطة الوطنية السورية، أن تتحقق من التزام pyd، وقسد بالحل الأوجلاني، والمساعدة على اندماج هؤلاء في الحياة السياسية الوطنية للسوريين.
وكما في تركيا، كذلك في سوريا، فإن كل الاشكالات المتخلفة عما ارتكبته قسد خلال المرحلة الماضية، وكل الحديث عن تجاوزات النظام البائد بحق الأكراد، يمكن معالجته، وتجاوزه بروح الانتماء “الوطني والعروبي والتحرري والديني” للمجتمع السوري. وهو انتماء يجتمع فيه وحوله السوريون على اختلاف مكوناتهم، وأعراقهم، وأديانهم.
وإذا كان اوجلان قد فتح الباب لمثل هذا الحل الجذري والتاريخي للمشكلة الكردية في تركيا، وفي الاقليم، فهل هذا يعني أن الفرع السوري من حزبه والممثل بحزب الاتحاد الديموقراطي، وقسد سيأخذون به.
السؤال مهم جدا، وجاد جدا، لأن بعض الجواب يتصل بموقف حزب العمال الكردستاني، والبعض الآخر يتمثل بموقف pyd، وقسد.
فبالنسبة لحزب العمال الكردستاني، يتتظر الجميع أن يسمعوا موقف المقاتلين وقياداتهم في جبال قنديل، فليس شرطا أن ينصاع هؤلاء لتوجه أوجلان، وقد يتمردوا عليه جزئيا أو كليا.
وسيكون لهذا أثره في موقف الفرع السوري الذي يخضع كذلك الى اغراءات القوى السورية والاقليمية المناهضة للسلطة الجديدة في دمشق والمكونة من فلول النظام البائد، ومن جماعات حزب الله وايران والحشد الشعبي والميليشيات الطائفية المتجمعة في العراق، ومن العدو الصهيوني الذي أعلن تطلعه لتقسيم سوريا إلى “أقاليم” على مقاس يناسبه.
وكل هذا في وقت تعاني فيه السلطة الجديدة من حالة ضعف شديدة نتيجة ما فعله النظام البائد بالقوة العسكرية السورية، وما تقوم به “اسرائيل”حالة من تدمير ممنهج لما تبقى من قوات سورية.
وكل هذا يغري pyd، وقسد بالاعراض عن موقف أوجلان ومبادرته التاريخية، لكن كل هذه الاغراءات ليس لها في المنظور الاستراتيجي قيمة حقيقية لسببين رئيسيين:
الأول:أنها تستثمر في شأن مخالف لطبيعة الأشياء، فليس هناك فرصة حقيقية لتقسيم سوريا، وكل ما يقال في هذا لا يعدو أن يكون استنبات مخالف لطبيعة التربة السورية، إذ ليس في سوريا مجتمعات منفصله، ولا وجودات ذات استقلالية طبيعية، فالكل متداخل مع الكل.
والثاني: أنه في مسألة الانغصالية الكردية توجد تركيا، ويوجد الأمن القومي التركي، وهذا أمر لا مساومة فيه عند الأتراك، وقد أظهر الموقف التركي الثابت والمستمر منذ نحو خمسة عقود، وما سقط عبر هذه المدة من ضحايا، أن هذه المسألة ليست قابلة إلا للحل الذي تم التوصل إليه مع أوجلان: القاء السلاح، وحل الحزب، وهذان وجهان لعملة واحدة، لا يصح أحدهما بدون الآخر، إذ إلقاء السلاح لوحدة لا يفيد – وقد تمت تجربته سابقا -، لأن إلقاء السلاح خطوة تكتيكية، يمكن التراجع عنها في أي وقت، أما ارتباطها بحل الحزب – وهو حزب ذو بنية قتالية عسكرية- فهو وحده ما يجعل الحل حقيقي استراتيجي.
الأمر ذاته يصدق في سوريا، والأمل والتطلع ألا تحتاج قيادة pyd، وقسد إلى التضحية بمئات الشباب الأكراد قبل أن تقنع بأن الحل الأوجلاني هو الحل الصحيح لأنه الحل الوطني الوحيد القابل للحياة.