أحمد مظهر سعدو
ضمن واقع الاستنقاع السوري، وفي ىسياق الحراك الشعبي والوطني المناهض لحكم الاستبدلد المشرقي الأسدي، وعلى هدي النداءات الشعبية والنخبوية السورية باتجاه إعادة إنتاج البدائل الوطنية، واتكاء على ماهية الديناميات السورية برمتها، تصعد إلى المخيال الوطني السوري جملة من الرؤى تحاول الإمساك بدفة المسارات السورية دفعًا باتجاه إحياء المسألة السورية بكليتها، وإعادة إنتاج تكوينات وسياقات وطنية سورية تستطيع المضي قدمًا على طريق العمل الوطني الديمقراطي، وصولًا إلى إمكانية صياغة العقد الوطني الاجتماعي السوري، الذي بات ضرورة حيوية لواقعنا السوري، خروجًا طامحًا من عنق الزجاجة، وتطلعًا نحو آليات متجديدة وتجديدية في الفكر والممارسة على حد سواء. حيث لم يعد مقبولاً اليوم الارتكان إلى العامل الخارجي فقط، ولا إلى التنظير الفكري النخبوي السياسي للقضية السورية، دون الولوج حثيثًا وعمليًا جديًا ضمن منعرجات الهوية الوطنية السورية، انجدالًا موضوعيًا مع الممارسة العملية الميدانية، التي تتمكن من إعلاء سور البنيان التنظيمي الجدي والمتماسك، وركل كل حالات التذرر والتشظي جانبًا والاشتغال بحق ووعي مطابق على توحيد الجهود وانتاج البنية التنظيمية السورية القادرة على صياغة عمل منظم غير قابل للتفتت والتشظي من جديد، في مواجهة آلة الطغيان الأسدي حيث مابرح يفعل فعله يوميًا في ضياع الوطن السوري، وتدميره كبنية تحتية، وأيضًا كبشر وقوى وطنية، واقتصاد وسيادة وطنية مباعة على قارعة الطريق.
ولأن حالات الخنوع والاستمرار في تقبل حالة الاستنقاع، وعدم الجدية في التحرك الحقيقي والدؤوب من أجل التوحيد والجمع ولملمة البؤر الوطنية والثورية الكثيرة والمتعددة، غير القادرة على الخروج من حالة الضياع التي تعيشها، هذه الحالات عوقت إنجاز أي شيء قد يؤدي إلى إعادة إحياء الثورة الوطنية السورية، والوصول إلى دولة المواطنة، بدستور وطني جامع وسيادة للقانون لاحدود لها. من هنا كان لابد من الاشتغال حقيقيًا على ماهو جديد ومستنير، واع لكل الأمور ومدرك للحيثيات، ومتطلع للأفضل والأكثر قدرة على الإنجاز. إذ لم يعد ممكنًا ولا مقبولًا الرضوخ لواقع سوري آني مر، لا آفاق استشرافية مستقبلية له، وكان لابد من التفكير والعمل جديًا وعقلانيًا على إعادة قيامة جديدة للسوريين تمسك بأيديهم للمضي إلى بر الأمان، نحو الوطن السوري الموحد والديمقراطي، وهذا يفترض بالضرورة إعادة وصل ماانقطع بين السوريين، والإسراع في إنجاز الحالة التنظيمية المتماسكة والعارفة ماتريده، عبر صياغة واعية وعميقة لبرنامج سياسي وفكري للمستقبل السوري، لايستثني أحدًا ولا يتجاوز أي فئة أثنية أو طائفية سورية، عبر أنساق وطنية سورية لاتقبل الاحتلالات الخارجية المتربعة على أرض الوطن، ولا ترضخ للاستبداد من أي نوع كان، أمنيًا أو عسكريًا أو فكريًا سياسيًا .
ولعل نظرة فاحصة ومتابعة لمعظم الدعوات والتحركات السياسية التي تتمظهر هنا أو هناك، بين الفينة والأخرى، على طريق إنتاج مؤتمر وطني سوري عام وجامع يوحد الصفوف ويتجاوز تكوينات وتشكيلات المعارضة السورية الرسمية، يبين أن العطب مازال قائمًا في بنيان هذه التحركات والدعوات، وينخر فعليًا فيها، عبر تجليات الذاتية والأنوية والنفعية البراغماتية، جوانية الكثير منها، أن لم نقل كلها، وتلك الخلافات والصراعات الأيديولوجية والنخبوية التي مابرحت واسعة وموجودة، وتطفو على السطح دائمًا، فتؤدي إلى إعاقة كل عمل جماعي وطني حقيقي وجدي، وهذا يوحي ويدفع إلى مزيد من أهمية وضرورة إعادة النظر في الأساليب التي علاها الصدأ، وباتت من الماضي، ولم تعد تناسب المتغيرات الكثيرة التي حصلت، وأيضًا الشخصانية القميئة التي تدير ذلك، لذلك كانت محفزات البحث من جديد من أجل إنتاج بنية تنظيمية عريضة وواسعة وشاملة، لاتتكيء إلى الأيديولوجيا أبدًا، ولاتسمح للبعض بالتنطع وسرقة الجسم التنظيمي وجره بقضه وقضيضه اتجاه مصالحه الفردانية المنفلتة من عقالها، والمهتمة فقط بالمحاصصات الذاتية وتداور المناصب وتوزيعها، كحال معظم الأجسام الرسمية للمعارضة السورية التي ماانفكت تتصارع على فتات ومحاصصات تأتيهم من كل الاتجاهات.
بعد كل الذي جرى في سورية منذ ماينوف عن 12 عامًا من القتل والتدمير، حيث جاوز عديد شهداء سورية المليون، ودمر الظام السوري وحلفائه البنية التحتية في معظم سورية، بما نسبته 65 بالمئة، حسب إحصاءات أمميةـ، واعتقل مايقرب 900 ألف إنسان سوري، منذ بدايات ثورة الحرية والكرامة آذار/ مارس 2011,حتى الآن، لم يعد ممكنا ولا معقولًا ربط القضية الوطنية السورية بمصالح الآخرين، ولا ارتهانها لهم، ولا وضع البيض كله في سلالهم البراغماتية، فالمصلحة كل المصلحة يجب أن تكون للوطن السوري بكل تكويناته وحالاته، ولايجوز بعد كل هذه التجارب، الاستمرار بإنتاج نفس الأمراض والشخوص، ونفس الآليات في العمل. إذ لابد من العمل على قيام بدائل سورية صرفة ووطنية ديمقراطية بحق، دون السماح مطلقًا بالعودة إلى مآلات تشبه وتتساوق مع ماهية ما أتى به النظام السوري الذي مايزال يغرق ويستمر في بيع سيادة الوطن، ورهنه مع مصالح دولة الملالي في إيران تارة، والاتحاد الروسي وسياساته التي مازالت تغوص في الوحل الأوكراني تارة أخرى.
أعود للقول إن حالة الاستنقاع السورية الحالية تحتاج إلى الكثير من الجهود الجماعية، الواعية لما تريد، كما تحتاج إلى المزيد من العودة إلى الوطنية السورية والانتماء إلى الوطنية السورية والهوية الوطنية السورية الجامعة، بوضوح وإدراك، مع استيعاب وتعاطي موضوعي وحقيقي مع مصالح الآخرين، من شركاء الشعب السوري، ولا أقول حلفائه، ضمن سياسات الاحترام المتبادل.
وليس صعبًا ولا مستحيلا الجلوس إلى كل السوريين المنتمين إلى ثورة الحرية والكرامة، من أجل الوصول إلى توافقات وتفاهمات، إن لم تكن صياغات توحيدية، على الأقل الاشتغال معًا في جسم تنظيمي متماسك وممتد على وسع حدود الوطن، وخارجه، باعتبار أن السوريين اليوم، وبعد موجات التهجير القسري/ جريمة العصر التي قام بها ضدهم بشار الأسد وزبانيته، منتشرين ولاجئين في كل بقاع الدنيا، والمسألة تبدأ بخطوة، والسوريين ضمن آلامهم وتهجيرهم، والعنصريات التي تمارس بحقهم يوميًا، على أتم الاستعداد لإنجاز البدائل.
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري